لم يحدث أن تجاوزت سلطة القبيلة بشكل سافرًا وفج حدود مناطق نفوذها في القُرى اليمنيَّة، وهي عادة ما تطل على استحياء في القضايا التي تتعلق بأحد أبناءها في المدينة من خلال الشخصيات النافذة التي تعمل عادة في الأجهزة الأمنية والجيش.
عدا ذلك فهي تحترم سلطة القانون وتحتكم لمنظومته الأمنيّة، وهو ما بدى واضحًا في القضية الأشهر في اليمن وهي: قضية اختفاء عشال، الذي تصدّر اسمه وَسم # أين عشال، مواقع التواصل الاجتماعي، ومازال يشغل الرأي العام في الداخل اليمني.
في عدن المُحافظة التي عُرفت باحتكامها للقوانين عند التقاضي، لم تعرف الحكم القبلي، إلّا بعد حرب 2015، عندما تسللت القبيلة بكل ثقلها من خلال المنتمين الجدد للسلك العسكري والأمني والذين أحكموا سيطرتهم على المدينة، واعتمدوا الأعراف القبلية بديلًا عن القوانين، وحاصروا الأحكام القانونية الصادرة بحق المتهمين بقوتهم العسكرية ونفوذهم في المدينة.
في عشية عيد الأضحى المبارك من عام 2023، قام المدعو حسين هرهرة بعد مشادة مع إبراهيم البكري، بترك المكان والذهاب إلى منزله وعاد إلى المكان نفسه حاملًا سلاحه؛ وأفرغ على سيارة إبراهيم البكري طلقات نارية قتلت ابنته حنين، وأصابت ابنته الثانية، فيما استمر القاتل في البحث عن والد الضحيتين؛ ليجهز عليه.
سرت إجراءات التقاضي القانونية، وجلسات المحاكم؛ لكن لم نَر حضورًا لقبائل الترند لطلب العفو عن القاتل؛ ضنًا منها بتمييع القضية أو تنازل والد الطفلة حنين، وفي كلا الحالتين سيُخلى سبيل القاتل بحجة القتل غير العمد، وهو مالم يحصل، كما لم تكن نية الاعتراف بالقتل العمد أو الندم حاضرة لدى القاتل، بدليل متابعته إجراءات المحاكمة، واستئنافه للحكم، ولم يعترف إلَّا بعد تصديق حكم الإعدام عليه، وهو اعتراف الخائف من الموت، وفي هذه اللحظة طفت على وسائل التواصل الاجتماعي مظاهر التباكي والحزن على القاتل بدعوى الرأفة ببناته.
ذاكرة السمكة- حجة العفو عن هرهرة
أصاب الرأي العام، والفيسبوكي- على وجه الخصوص- الهلع بعد عرض الفيديو الذي وثَّق جريمة القتل العمد، وطالب الجميع بحكم الإعدام على القاتل في القضية التي تابع الناس مُجرياتها أولًا بأول.
لكن بعد تصديق حكم الإعدام، بدأت الأصوات تتعالى مطالبة بضرورة العفو عن القاتل رأفة ببناته، فيما نادى فريق آخر بضرورة تطبيق حكم الإعدام؛ ليكون القاتل عبرة لغيره.
مع اقتراب موعد تنفيذ حكم الإعدام، تحوّل هذا الانقسام على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب، بين مؤيد لحكم الإعدام وهم من عامة الناس والنساء المدنيين، وبين عدد من النشطاء الذين يتابعهم عشرات الآلاف من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت فيديوهات الاستعطاف، مشفوعة بضغط، ووساطات توافدت فيها قوافل القبائل إلى بيت والد حنين؛ طلبًا للعفو عن القاتل هرهرة.
هناك الكثير مما نُشر حول هذه القضية التي تعاطف معها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ولكن الفرق أن هيثم العدني لم يلقَ تفاعلًا يوازي التفاعل نفسه الذي ناله القاتل هرهرة في اليمن – لا سيما جنوب اليمن-، بل لا يرَق حتّى أن يكون خبرًا إعلاميًّا تداولته مواقع التواصل الاجتماعي
ساند هذا التوافد القبلي على مدينة عدن، حملة إعلاميَّة مُنظّمة من قبل الناشطين في عدن والجنوب اليمني بشكل خاص؛ للضغط على إبراهيم البكري ودفعه لقبول العفو، فيما انبرى قطيع الإعلاميين الذين تحولوا إلى دُعاة يطلبون الصلح ويلّحوا في طلب العفو عن القاتل، وفي سبيل ذلك امعنوا في شحت الاستعطاف؛ للتأثير في الرأي العام، ودفعه لتغيير الصورة الأولى التي انطبعت في ذهن الناس عن القاتل حسين هرهرة، مؤكدين على مكانة العفو عند الله، مُتناسين أن الصحفي مهمته تسليط الضوء على الحقيقية لا الانتقال إلى تبرير الجريمة وتمييع القضية، والمطالبة بالعفو عن قاتل وتعليل ذلك بالرأفة على بناته، الصحفي ليس مهمته التمترس مع طرف أيًّا كانت الحجة والذريعة المقدمة، خصوصًا بعد صدور الحكم القضائي.
لم ينل أحد من المحكومين بالإعدام في اليمن الاهتمام والزخم الذي ناله القاتل حسين هرهرة لا سيما بعد صدور حكم الإعدام عليه؛ لأن هرهرة ليس واحدًا من الناس الذين تنتهي أسماءهم بدون لقب، فلقبه يعطيه استحقاق واستثناء بل والتكريم على جريمته، وهي الثيمة التي عرضتها وسائل التواصل الاجتماعي عن الضخ القبلي والإعلامي الذي احتوى (هرهرة) وليس حسين، وهو الدافع الحقيقي الذي جيَّش الجميع للدفاع عنه، فلم لا يكونوا جزء من الصورة الكُليَّة عن اللحظة التي تتحوّل فيها المدنية إلى ثكنة قبلية وعسكريَّة.
وبعيدًا عن الهالة الروحانية التي حاول وسطاء الفيسبوك إقناع الجميع بها؛ للعفو عن هرهرة وتصويره بهيئة الضحية خصوصًا بعد بالمقطع الصوتي الذي نشره الصحفيون، والإعلاميون، والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في جنوب اليمن، والذي عبّر فيه عن ندمه، كان الهدف الحقيقي من ترويج هذا التسجيل هو محو الجريمة المُصّورة والموثقة للقاتل أثناء ارتكاب جريمته، (مشهد لا يمكن تخيله). كيف تحول المؤثرون في مدينة عدن، وخارجها إلى مدافعين عن القتلة! بل ومحاولة تقديمهم كضحايا من خلال خلق صورة حزينة عن حياة البنات اليتيمات بعد موت أبيهم، في بلد يموت فيها كل يوم أب بدون لقب أو قبيلة، يعيش ابناءه من بعده أيتام لا يعبئ بهم أحد.
موقف القبائل من القتل في الشارع اليمني
إذا ما أردنا ان نرسم خطًا واضحًا عن الدور القبلي في اليمن بعد حرب 2015، فيما يتصل بجرائم القتل فهل سنتمكن من تحديد موقف حقيقي لهذه القبائل من جرائم مشابهة في طلب العفو من ولي الدم بمعزل عن القاتل من هو؟ ومن أين هو؟ هل سيكون موقف القبائل في جنوب اليمن من قضايا القتل هو نفسه الذي اتخذته من قضية القاتل هرهرة؟.
لنعود بالزمن إلى قضية مقتل عبد الملك السنباني والتي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي وانتهت بحكم عسكري مُخزي، وعلى الرغم من ذلك، لم نجد حضورًا للقبائل اليمنيّة وبالذات الجنوبية التي وقعت الجريمة على أرضها.
لم تحضر القبائل بثقلها؛ للضغط من أجل معاقبة القتلة بحكم يتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبوها، خصوصًا وأن المقتول كان عابر طريق كان قادمًا من أمريكا ومتجهًا إلى محافظة إب؛ لزيارة والدته، ورغم بشاعة الجريمة بُرأت ساحة الجُناة ولم تتحرك القبائل وطُوي ملف قضية السنباني، وحصلت الكثير من القضايا التي كان يجب أن تقول فيها القبيلة كلمتها لكنها بقيت صامتة.
في 30 من أبريل/ نيسان 2023، قُتل الطفل محمد عبد الله خليل (16) عامًا في عدن، وفي البيان الذي أصدرته منظمة سام قالت: إنها " تلقت بلاغًا من ذوي الطفل الضحية، أفاد بأن الطفل القاصر "عبد الله خليل" قتل بتاريخ 30 أبريل/ نيسان 2023، حيث كان ضمن موكب زفاف، وعند وصوله إلى نقطة تفتيش تابعة لقوة طوارئ الشرطة أمام الكمسري بالشيخ بمدينة عدن، قام أحد جنود النقطة ويدعى أحمد حسين البركاني العوذلي (بإطلاق النار على الطفل وقتله).
وتمكن الجندي المتهم بقتل الطفل من الهرب - بحسب حديث والدته- التي حضرت إلى مقر صحيفة الأيام "بتسهيل وتواطئ من أفراد قبيلته في عدن ولودر، وكذا الضامنين الذين لم يلتزموا بتعهدهم بتسليمه وبسبب تقاعس الأجهزة الأمنية في عدن بتحمل مسؤوليتهم".
في هذه القضية والتي احتمى فيها القاتل بقبيلته، كان من المفترض أن يكون للقبيلة رايًّا آخر وأن تنتصر للحق، وتضغط على عائلة الجاني؛ لتسليم ابنهم إلى السلطات الأمنية في عدن، وهو ما لم يحصل بل العكس القبيلة أوت القاتل وساهمت بتهريبه وحمايته.
لماذا لم تتحرك القبائل بهذه القضية، ولم يعلو صوتها كما فعلت في قضية هرهرة!، لماذا لم تنتصر لأولياء دم الطفل المغدور!!، لماذا لم يضغط الرأي العام وفي مقدمتهم الواجهة الصُحفيَّة؛ لمتابعة القضية بالوتيرة نفسها التي كانوا عليها في قضية الطفلة حنين البكري وعيونهم تتقافز عن الضحية، وتبحث عن لقب القاتل، لماذا لم تتكاثف القبائل وتوفر لأسرة المجني عليه الطفل عبد الله خليل محامي، أجور التقاضي، بعد أن اضطرت أُسرة المجني عليه مُناشدة المحامين في عدن للدفاع عن ابنها؛ لعدم مقدرتها المالية على توكيل محامي.
يبدو أن القبيلة لن تتحرك إلَّا إذا كان الجاني، أو المجني عليه مشفوع بوجاهته فيها أما أن كان الطرف في القضية ابن المدينة فلن يلتفت له أحد، وهو ما يمكن تقديره من خلال تعاملهم مع قضية #هيثم العدني.
هيثم العدني أب لطفلة لم يتعاطف معه أحد
كانت الرأفة ببنات القاتل هي الذريعة التي بُرر فيها الدفاع عن هررة، ولم نرَ هذه الذريعة تُنشر أو يُشار لها أو تتداعى لها القبائل لتناصر هيثم العدني الذي صدر في حقه حكم بالإعدام!!.
هيثم العدني أب لطفلة صغيرة تحتاج إلى أبيها؛ ونحن هنا لا نتحدث عن وقف الإعدام وعن موقف أولياء الدم، ولكن نتحدث عن حيثيات القضية نفسها ففي كلا القضيتين صدر الحكم بالإعدام، وكلا الرجلين لديه أبناء، الفرق بين القضيتين هو وضوح جريمة هرهرة وتوثيقها أمام مرأى ومسمع الجميع، وغموض القضية الثانية بل قيل أن المتهم كان في حالة دفاع عن العرض والشرف، وهو عادة ما يُثير حفيظة القبائل.
هناك الكثير مما نُشر حول هذه القضية التي تعاطف معها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، ولكن الفرق أن هيثم العدني لم يلقَ تفاعلًا يوازي التفاعل نفسه الذي ناله القاتل هرهرة في اليمن – لا سيما جنوب اليمن-، بل لا يرَق حتّى أن يكون خبرًا إعلاميًّا تداولته مواقع التواصل الاجتماعي.
لم تتحرك القبائل الجنوبية واليمنيَّة، وكتيبة الإعلاميين؛ لتساند أبنها – على الأقل من باب الرأفة بأمه وابنته، إذا كان هذا فعلًا عُرف أو (سالف) القبيلة. هذا الأمر تداوله روّاد مواقع التواصل الاجتماعي كنوع من الاستهجان والتشكيك في تحوّل الأعراف الاجتماعية التي تدفع القبائل لتبني العفو، ونصرة المظلوم، ومعيارها الحقيقي بعيدًا عن الحسب، والنسب، والوجاهة الاجتماعية، والشهرة، وهو ما بدا جليًّا في قضية هرهرة مقارنة مع قضية هيثم العدني.
ساحة الإعدام بين هيبة القاتل وكسرة المظلوم
قدّمت ساحتي الإعدام مقارنة واضحة عن ترابيَّة الأفراد في هذا المجتمع، فعكس المكان ببعده القار تغيَّر ميزان العدل أمام هيبة الموت، وقف هيثم وحيدًا في ساحة الإعدام بدون مناصرين، لا صوت للقبائل ولا حضور للإعلاميين.
في حين وُثِقت اللحظات التي دخل فيها هرهرة ساحة الإعدام في نقل مُباشر على منصة فيسبوك من قبل ناشطين وإعلاميين تقاطروا للمكان، الذي شهد حضور قادة الألوية العسكرية، والأحزمة الأمنية، والقبائل الجنوبية، وجمهور من الناس؛ لمساندة القاتل.
جميعهم أحاطوا بوالد الطفلة حنين، الهبوا السنتهم؛ لدفع والد الطفلة للعفو عن القاتل، وكل ذلك يُنقل مباشرة من داخل باحة السجن دون رقيب، ودون حزم من قبل السلطات ذات الاختصاص في ساحة الإعدام. كأن هرهرة لم يُزهق روحًا ولا يستحق أن يُعدم، فيما يبدو مشهدًا دراميًّا مُنسلًّا من لحظة فارقة لعدن التي اُغتيلت فيها المدنية ورقصت فيها الحشود، ونقل الإعلاميين بفخر الاحتفالات بالعفو عن القاتل من داخل السجن. بعد العفو لم يهتم الإعلاميون مُباشرة إلَّا بتصوير القاتل هرهرة وهو يشكر الجميع.
فيما خرجت مظاهرة حاشدة ردد فيها المشاركون: "بالروح والدم نفديك يا إبراهيم البكري" هذه المظاهرة لم تقمعها البنادق، ولم تُحطها المُدرعات، كما حصل مع مليونية عشال، وهي نتيجة حتمية للحضور والتحشيد القبلي والإعلامي الذي صحب هذه القضية وتصدّرت فيها القبائل بسلاحها وابناءها المدينة التي لم تشهد هكذا قضايا وهكذا تفاعل مع جريمة استحق فيها القاتل الإعدام.
هذا الاهتمام بقضية حنين البكري، وهو ما دفع نواف العصري والد الطفل المخطوف عبد الله العصري للخروج بفيديو معاتبًا فيه الجميع فقال: إن التفاعل مع قضية ابنه من قبل الناشطين والقبائل لم يكن بالقدر الكافي، وأكد أنه رجل مغترب لا يعمل في السلك العسكري، ولا يملك وضيفة حكومية، والخاطفين الموقوفين من أبناء منطقته طسة في يافع.
القوارير طلعوا مش قوارير!!
في الوقت الذي انبرى فيه الصُحفيون، الناشطون؛ لدفع والد الطفلة حنين البكري للعفو عن القاتل، كان موقف غالبية النساء منسجمًا مع رفض العفو عن القاتل مُذكرين ببشاعة جريمته، وعلى الرغم أن النساء لسن وحدهن من اتخذن هذا الموقف، بل أن هناك الكثير من الرجال الذين أيدو رأي والد الطفلة حنين في رفضه للعفو، إلَّا أن الهجوم على موقف النساء بشكل خاص كان واضحًا ووصمتهن التعليقات بأنهن (نسوياااات)؛ حاقدات لا يُعتد برأيهن، وهي اللازمة التي يُكررها للذكور -وليس الرجال-؛ لوضع حد لصوت النساء اليمنيات المخالف لتوجههم في قضايا الرأي العام.
ولنقف قليلًا عند موقف النساء تحديدًا، لماذا كانت غالبية النساء مع تطبيق حكم الإعدام على هرهرة؟ يمكن تحليل الرأي العام من خلال قياس مستوى حضور النساء وتأثيرهن في القضايا التي تحتكم للأعراف القبلية، النساء ليس لهن مصلحة مُباشرة مع القبيلة، لا تربطهن علاقات مع الواجهات الاجتماعية والإعلاميَّة، المرأة لا تحسبها وفق المصالح المتبادلة، المرأة هي الأُم التي تحتكم لمشاعرها وترى أنه من العدل أن يأخذ القاتل جزاءه وإن عفى عنه ولي الدم فهذا حقه دون أن يكون هذا سببًا في التطبيل للقاتل وتحويله إلى رائج على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما الإصرار في تسويق العفو بأنه عادة القبائل اليمنيَّة، كما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لدفع الجميع إلى قبول العفو عن القاتل هرهرة من منطلق ديني، ومقارنته بالقضية التي اعفى فيها الشيخ عبد الله القحاطي عن قاتل ابنه في مأرب فلا يوجد وجه للشبه، فالشيخ أعفى عن قاتل ابنه بعد أن كانت أمه تُخيم وحيدة بجانب قبر الولد المقتول، لم تُرافقها حملة إعلامية أو قبليَّة
لم يتوقف حضور النساء في هذه القضية عند المطالبة بإعدام القاتل لكنهن رفضن اختزال المدَنية في عدن في بندق وتحشيد، ونقل أعراف القبيلة إلى المدينة بكل قُبحها وتخلّفها والذي تمثلت في نشر فيديوهات ومنشورات مرفقة بالصور لأباء قدموا بناتهم وأبناءهم في سبيل عفو البكري عن القاتل هرهرة، تحت مُسمى عُرف قبلي متعارف عليه عند طلب العفو من أولياء الدم، لم يسبق أن عرض الأب ابنته على صفحة الفيسبوك وتقديمها قُربان في مقابل العفو عن قاتل رأفة ببناته!!.
القبيلة تنتصر على الدين
إن المراقب لهذه القضية وربطها بالصورة الكاملة للصراع الدائر في اليمن سيجد أن قضية هرهرة مع البكري تمثل الصراع الأزلي بين سلطة القبيلة، والمدينة وهذا الصراع هو صراع نفوذ وبسط سلطة، دائمًا ما وقفت فيه المدينة مدافعة عن مكانها فيما بقيت الأعراف القبلية تمتد وتبسط نفوذها يومًا بعد آخر حتَّى طالت سلطة القانون علنًا، وهو ما أكده الشيخ علي المحثوثي في منشوره (في # اليمن القبيلة أقوى من الدولة وأنفذ، بل القبيلة هي الدولة.).
كما أنه نشر في صفحته موضوعًا آخر عنونه بـ(توظيف السلطة في تبرئة المجرم)، ومما جاء في هذا المنشور (الأصل أن السلطة تقوم لخدمة الشعب بلا استثناء بالعدل والرحمة مع فرض هيبتها واحترام رجالها، لكن قد تقع أخطاء وتجاوزات قد تكبر أو تصغر بحسب وضع السلطة والسياق الزمني الذي تعيشه، ومن التجاوزات السلطوية الكبرى اتهام البريء عمدًا، وتبرئة المجرم قصدًا (...)).
كيف يمكن قراءة هذا المنشور في ظل توائم الشيخ مع دور القبيلة في العفو عن المجرم بذريعة الدين!، ووصف إبراهيم البكري (ببطل اليمن)؛ لأنه أعفى عن القاتل هرهرة، اليس القبيلة بهذا المعيار توظّف سلطتها في تبرأة مجرم سبق وأن اتهم بجريمة اختطاف واغتصاب طفلة بحسب ما نشرته المُحامية عفراء حريري على صفحتها ومشاركتها لمقطع فيديو نشرته بشرى العامري عن جرائم هرهرة، (نعم، صحيح.... سنة 1996 جريمة اختطاف واغتصاب لطفلة 13 سنة وكان التحري المحقق حينها جميل خدشي).
أما الإصرار في تسويق العفو بأنه عادة القبائل اليمنيَّة، كما نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لدفع الجميع إلى قبول العفو عن القاتل هرهرة من منطلق ديني، ومقارنته بالقضية التي اعفى فيها الشيخ عبد الله القحاطي عن قاتل ابنه في مأرب فلا يوجد وجه للشبه، فالشيخ أعفى عن قاتل ابنه بعد أن كانت أمه تُخيم وحيدة بجانب قبر الولد المقتول، لم تُرافقها حملة إعلامية أو قبليَّة، ولم تُعلّق البنرات وتُنصب الخيام في المقابر، كان العفو عن القاتل ربيع الدماسي لوجه الله.
الصورة بين منظورين
بين صور البكري، والصور الملتقطة للقاتل هرهرة، بعد العفو عنه لا سيما الصورة التي يجلس فيها متكئًا ومنتصرًا في ديوان السجن التابع لإدارة الأمن بعد أن تمكّن من الإفلات من حكم الإعدام، وهو يقود كتيبة من الإعلاميين والناشطين والمشائخ والقادة العسكريين، دلائل على تقهقر الدولة، ونفاذ أحكامها فقط على من لا قبيلة لهم ولا جاه، وغدًا سيظهر هرهرة آخر مدجج بالدعم الإعلامي، والقبلي، وسيطالب أهله، ولي الدم بالعفو عنه، وهو ما سيحصل مادام شُرّع ذلك علنًا في عدن. فعندما كان انصار حنين مشغولين بالاحتكام لدولة النظام والقانون، كان يقف خلف هرهرة دولة القبيلة وحرَّاسها.