المعلمون ودائرة المعاناة المغلقة

مواجهة التحوّل إلى البند الرابع بالإضراب
وفاء أحمد
September 24, 2023

المعلمون ودائرة المعاناة المغلقة

مواجهة التحوّل إلى البند الرابع بالإضراب
وفاء أحمد
September 24, 2023
الصورة لـ: علي السنيدار

دخل المعلمون في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا، في دائرة مغلقة من المعاناة بفعل تبعات الحرب والصراع في اليمن منذ العام 2015، التي كان لها آثارها المدمرة، أبرزها انهيار الاقتصاد الوطني والعملة المحلية، وارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 80%.

مؤخرًا، اشتدت المعاناة أكثر، مع انقطاع رواتب المعلمين منذ شهر أغسطس/ آب الفائت، وتحويلها من البند الأول "أجور ومرتبات" إلى البند الرابع "هبات وتبرعات"، وهو ما يعني إمكانية عدم انتظام تسليمها.

يأتي ذلك في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، والذي أصبح معه راتب المعلم لا يساوي ما مقداره 70 دولارًا، ويقل أكثر كلما استمر تراجع قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

الخطوة التي اتخذتها الحكومة المعترف بها بتحويل رواتب التربويين إلى البنوك التجارية، نتج عنها تأخر تسليم راتب الشهر الفائت للمعلمين والتربويين في مناطق سيطرتها؛ وأدخلتهم مجددًا في دوامة أخرى، وضيقت دائرة المعاناة عليهم أكثر.

ففي تعز (جنوب غربي اليمن)، ينفذ المعلمون منذ أيام، وقفات احتجاجية ومسيرات، في الوقت الذي كان قد بدأ فيه معلمون إضرابهم عن العمل، مطالبين بتسليم رواتبهم في الوقت المحدد، وتحسينها بما يتناسب مع الوضع المعيشي الحالي. 

الأوضاع الصعبة التي تمر بها المعلمات ويمر بها المعلمون، الذين أصبحوا بشكل فعلي فقراء، كونهم لا يجدون قوت يومهم في أيام كثيرة، جعلت الشيب يغزو شعرهم، والتجاعيد تملأ وجوههم خلال سنوات قليلة، خصوصًا مع مرضهم دون علاج، وسوء تغذيتهم، إضافة إلى إصابة العشرات منهم بالاكتئاب والقلق وغيره من الأمراض النفسية بسبب حالة عدم الاستقرار التي فرضتها الحرب.

وفي خطوة مماثلة، بدأ المعلمون في عدن (جنوب اليمن) -أيضًا- إضرابًا شاملًا، فيما أعلنت ما يعرف بـ"رابطة معلمي عدن الأحرار" التصعيد، ودعت إلى وقفة احتجاجية أمام ديوان وزارة المالية وهدّدت برفع قضيتهم إلى المحاكم المحلية الإدارية.

تسرُّب وبدائل محدودة

أدّى وضع المعلمين المتدهور، بالتربوي أحمد عبدالرحمن إلى ترك عمله في التدريس قبل 5 أعوام، بعد أن ضاق به الحال، ووجد نفسه عاجزًا عن إعالة أسرته المكونة من 7 أطفال.

يقول لـ"خيوط": "شعرت بفقدان كرامتي، وعيون الذين اقترضت منهم مبالغ مالية أو موادًّا غذائية تراقبني، وعزمت على ترك التدريس قبل أن أتعرض للطرد من المنزل الشعبي الذي أسكنه، وبالكاد أوفر إيجاره".

يتابع حديثه: "بدأت بالعمل المختلف في البناء، وكحمَّال في بعض المحلات التجارية، وفي باقي اليوم عملت بأجر يومي كسائق دراجة نارية، إلى أن استطعت تجاوز ظروفي الصعبة، ولو بشكل يسير". مؤكدًا أنه يتنقل من عمل إلى آخر، كلما سنحت له الفرصة، وهو لا يشعر اليوم بالندم على قراره.

ويمر حاليًّا بظروف مشابهة، المعلم علي محمد، الذي قال إنه اضطر للعمل في مدارس خاصة إلى جانب تدريسه في القطاع الحكومي، وبمبلغ زهيد لا يتعدى 35 ألف ريال (حوالي 21 دولارًا)، حيث يصل سعر صرف الريال إلى نحو 1430 مقابل الدولار الواحد في مناطق إدارة الحكومة المعترف بها دوليًّا.

ويؤكد محمد لـ"خيوط"، أنّ ما يتقاضاه من عمله في القطاع الحكومي والخاص لا يصل إلى أكثر من 120 ألف ريال يمني؛ أقل من 100 دولار في المناطق الحكومية، وهو ما جعله يعتزم التوقف عن التدريس في ظل تآكل قيمة هذه الرواتب وعدم الانتظام في صرفها في ظل ارتفاع قياسي للتضخم وأسعار السلع الأساسية وتكاليف المعيشة.

يلفت هذا المعلم إلى أنه يشعر بالحزن لتفكيره بذلك، فقد كان يحب مهنة التدريس كثيرًا، واختارها عن قناعة كمهنة له، لكنه اليوم –كما يؤكد- لم يعد قادرًا على التفكير بشكل عاطفي، بعد أن أصبح عاجزًا عن أداء عمله، لعدم قدرته على التركيز بسبب الهموم التي تثقل كاهله، ووضعه النفسي المتردي.

والمعلمات أيضًا

إلى جانب المعلمين، فالمعلمات أيضًا، يتقاسمن ذات المعاناة والتي يصعب عليهن تحملها أو التغلب عليها. فالتربوية سميرة عبده، تؤكد أنّه من الصعب عليها وزميلاتها الضغط على أنفسهن كالرجال، والعمل لفترات ثانية باليوم في مهن أو مدارس أخرى.

وتشرح في حديثها لـ"خيوط"، أنّ المعلمات عليهن مسؤوليات أخرى بعد العودة إلى المنزل، كالاهتمام بالأطفال ورعايتهم، أو الأب والأم، ولذلك فالتوفيق بين ما عليهن من التزامات والعمل لفترتين أمر شبه بالمستحيل.

وتستطرد عبده أنّ الراتب بالنسبة لأغلب المعلمات حياة، فلا مُعيل لهن غير أنفسهن، ومسؤولات أيضًا عن آخرين، ولذلك لم يعد هناك مجالٌ حتى لشراء عباية جديدة، أو حذاء إلا عند الحاجة الضرورية الماسة.

حديث عبده تتفق معه أيضًا المعلمة صباح الشرعبي، التي أشارت إلى أنّ الكثير منهن ينفقن رواتبهن على أساسيات، كالدواء، أو تعليم الأطفال، والغذاء.

مطالب قانونية لتحسين مستوى معيشة المعلمين والتربويين بما يكفل لهم العيش الكريم، أبرزها: صرف العلاوات السنوية، والتسويات، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإصلاح هيكل الأجور والمرتبات؛ ليكون متوسط راتب المعلم ما يعادل 500 دولار شهريًّا.

وتوضح الشرعبي لـ"خيوط"؛ أن أغلب الرجال في اليمن يعانون أيضًا من الظروف الاقتصادية الراهنة، ولم يعد باستطاعتهم القيام بدورهم وإعالة الأسرة بمفردهم، ولذلك تضطر المعلمة إن كانت زوجة أو لم تكن كذلك، أن تساهم في النفقات الأساسية وليس مجرد الكمالية لها، أو لأطفالها، أو المنزل.

بحسب الشرعبي، فإنّ الأوضاع الصعبة التي تمر بها المعلمات ويمر بها المعلمون، الذين أصبحوا بشكل فعلي فقراء، كونهم لا يجدون قوت يومهم في أيام كثيرة، جعلت الشيب يغزو شعرهم، والتجاعيد تملأ وجوههم خلال سنوات قليلة، خصوصًا مع مرضهم دون علاج، وسوء تغذيتهم، إضافة إلى إصابة العشرات منهم بالاكتئاب والقلق وغيره من الأمراض النفسية بسبب حالة عدم الاستقرار التي فرضتها الحرب.

تصعيد مشروع

يستمر المعلمون في كثير من المدارس بمختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا بالتصعيد، وذلك منذ بدء العام الدراسي الجديد في أواخر أغسطس/ آب الفائت 2023، بالتزامن كذلك مع تحويل الرواتب إلى البنوك التجارية.

في السياق، يقول عبدالرحمن المقطري، أمين عام نقابة المعلمين بتعز، إنّ الإضراب الحاصل في بعض المدارس هو بسبب تأخر راتب شهر أغسطس/ آب، محمّلًا قيادة السلطة المحلية مسؤولية ذلك، وما سينجم عنه من تصعيد، إذا لم تحسم القضية مبكرًا مع وزارة المالية، خصوصًا بعد التعليمات الجديدة التي أصدرتها الوزارة.

وبالنسبة للمطالب التي تقدّمت بها نقابة المعلمين للسلطات المعنية، فيصفها المقطري الذي تحدث لـ"خيوط" بأنها مطالب قانونية لتحسين مستوى معيشة المعلمين والتربويين بما يكفل لهم العيش الكريم، أبرزها: صرف العلاوات السنوية، والتسويات، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وإصلاح هيكل الأجور والمرتبات؛ ليكون متوسط راتب المعلم ما يعادل 500 دولار شهريًّا، متوقعًا أن يتم الاستجابة لمطالبهم، كالعلاوات السنوية المتأخرة، وتسوية أوضاع المعلمين الذين توظفوا عام 2011.

وبخصوص الخطوات التصعيدية التي ستلجأ لها النقابة، ذكر أنّها ستتمثل بالوقفات الاحتجاجية والمسيرات، والتي سيتم الإعلان عنها في حينها.

ويستبعد المقطري انقطاع الرواتب، لكنه في المقابل يطالب قيادة الدولة والحكومة المعترف بها دوليًّا، بالعمل على معالجة وضع المعلمين، مشيرًا إلى أنّ التنسيق بين فروع النقابة والمكونات النقابية في المحافظات الأخرى محدود للغاية أو يكاد ينعدم.

مخاوف الأهالي

وأدّى انقطاع التعليم في المدارس من حين لآخر، إلى توجه كثير من أولياء الأمور إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، بسبب تدهور التعليم العام الحكومي، وعدم انتظامه، جراء الإضراب من حين لآخر، أو تبعات الحرب التي أدّت إلى تدمير وتضرر عشرات المدارس، فضلًا عن نزوح السكان.

في هذا الخصوص، يؤكد المواطن جلال المقطري أنه قام بتسجيل أبنائه الثلاثة في مدرسة خاصة قريبة منهم، ليس لجودة التعليم فيها، وإنما لانتظام التعليم فيها، إضافة إلى أنّ أسعار الرسوم الدراسية فيها أقل من غيرها، وهي أيضًا قريبة منهم ولا يحتاج إلى أجرة مواصلات.

يضيف لـ"خيوط" بالقول: "ليس أمامي من خيار آخر، فليس بإمكاني أن أقدم شيئًا لأبنائي خيرًا من تعليمهم في ظل هذه الظروف الصعبة، بالرغم من المعاناة في التعامل مع تكاليف رسوم تعليمهم وتسديدها بصعوبة بالغة، كوني أعمل سائق باص أجرة". 

يُذكر أنه في منتصف العام الفائت 2022، قالت نقابة المعلمين اليمنيين في تقرير لها اطلعت عليه "خيوط"، أن 1580 معلمًا وتربويًّا قُتلوا، وأصيب أكثر من 2642 معلمًا، خلال الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2014 وحتى 30 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

كما لا يخفى على أحد معاناة المعلمين في صنعاء بسبب انقطاع الرواتب منذ سنوات، كحال الموظفين الآخرين في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين)، في الوقت الذي يأمل فيه الكثير أن تؤدي المفاوضات إلى انفراجة في مختلف الأزمات والملفات التي يتم بحثها، وفي طليعتها صرف رواتب الموظفين المدنيين.

•••
وفاء أحمد
.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English