لا تبنى الأوطان بالميليشيات، والتشكيلات العسكرية، ولا بالشعارات الرنانة، الطائفية والمناطقية والمذهبية والجهوية والحماسية؛ فهذا ما نراه ونشاهده ونعايشه ونلمسه أمرًا واقعًا في اليمن منذ 10 سنوات من عمر الحرب والصراع، أهلكت الحرث والنسل، والتعليم.
بل تبنى بالتعليم، بالمعلم، بالمدرسة أساس البناء للأجيال، للتنمية، لمستقبل البلاد؛ من هنا عبرت دول إلى مستقبلها بما استثمرته بتعليمها، بمعلميها. دول أخرى كان التعليم نافذتها للسلام، للاستقرار، لمواجهة الصراعات التي أنهكتها ووصلت بسببها إلى حافة الهاوية.
نهضت اليابان بالتعليم، بالاهتمام بالمعلمين، بالعقول والأفكار. بالتعليم وضعت ماليزيا أول أركان استقرارها. حققت سنغافورة إنجازات هائلة جعلت منها دولة متقدمة، إلا أن الإنجاز الحقيقي الذي حققته هذه الجزيرة الصغيرة هو تطوير نظام تعليمي يعد أحدَ أرقى الأنظمة التعليمية في العالم. وحوّل التعليم فنلندا من دولة فقيرة إلى واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم.
المعلمون في اليمن وجدوا أنفسهم فجأة على رصيف البطالة والتشرد والبحث عن لقمة العيش، إذ يعاني حوالي 120 ألف معلم في اليمن أوضاعًا مأساوية قاسية نتيجة انقطاع مرتباتهم منذُ نهاية العام 2016، لا سيما الموجودين في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهم الأكثر عددًا بحكم الكثافة السكانية، وتهميشًا بفعل السياسة المنتهجة تجاههم.
في حين تهاوى التعليم في البلاد التي هي بأمس الحاجة إليه في زمن الحرب، داست عليه أطراف الصراع؛ اتخذت من المدارس ثكنات عسكرية، أخرجت الأطفال من المدارس إلى الجبهات، قطعت رواتب المعلمين ووضعتهم على رصيف البطالة والتشرد، أجبرتهم على خوض معاناة شاقة للبحث عن لقمة العيش التي تساعدهم على الصمود والبقاء.
بطالة وتشرد
كان التعليم أكثر القطاعات تضررًا من الحرب والصراع، حيث استهدفته جميع الأطراف وكأنها اتفقت على أهم القطاعات التي ترسم مستقبل البلاد بشكل عام، والأجيال، والتنمية الاقتصادية، في ظل ما خلفه الصراع على اليمن من تبعات أدت إلى تراجعٍ حاد في نشاطها الاقتصادي، وأصبح الذهاب إلى المدرسة معاناة يومية للعديد من الأطفال وأسرهم. إضافة إلى العواقب طويلة الأجل لتعطل التعليم، سواء من حيث الإمكانات الاقتصادية أو البشرية للبلاد.
كما تتركز المشكلة الأكبر والأهم في اضطهاد واستهداف المعلمين؛ إذ لا وصف لمعاناتهم وتشردهم وقهرهم في مواجهة قسوة أطراف الصراع التي تستهدفهم بكل الطرق لأسباب متعلقة بالحرب والصراع، وتكريس مشاريع بعض هذه الأطراف الطائفية والمذهبية والمناطقية، فالتعليم أحد أسلحتها في كل ذلك، مخلفةً تبعات جسيمة ليس فقط في التعليم وعملية التجهيل، بل أحدثت شرخًا مجتمعيًّا يصعب التعامل معه ومواجهته بسهولة في حال الاستقرار وإحلال السلام في البلاد.
المعلمون في اليمن وجدوا أنفسهم فجأة على رصيف البطالة والتشرد والبحث عن لقمة العيش، إذ يعاني حوالي 120 ألف معلم في اليمن أوضاعًا مأساوية قاسية، نتيجة انقطاع مرتباتهم منذُ نهاية العام 2016، لا سيما الموجودين في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهم الأكثر عددًا بحكم الكثافة السكانية، وتهميشًا بفعل السياسة المنتهجة تجاههم.
لم تكتفِ سلطات أنصار الله (الحوثيين) برفض دفع رواتب المعلمين والموظفين في مناطق سيطرتها فحسب، بل تجبرهم منذ سنوات على العمل دون أي مقابل مالي، إضافة إلى التنكيل والتخوين بحق كل المعلمين الذين قد يطالبون بمرتباتهم أو الاعتراض على سياسية التجويع التي تمارس ضدهم، فيما يمارس التعسف بحق الكثير منهم، وقد قامت السلطات بفصل كثير من المعلمين من عملهم واستبدالهم بآخرين من المتطوعين التابعين لها والأقل كفاءة وخبرة، وهو ما يهدّد سير العملية التعليمية برمتها.
تركز المأساة
للمعاناة أوجه متعددة؛ هناك أكثر من (2.4) مليون طفلة وطفل في اليمن في سن الدراسة، لكنهم غير ملتحقين بالمدارس، كما يحتاج نحو (8.5) مليون طفل في سن الدراسة الابتدائية إلى مساعدات إنسانية.
ويحتاج نحو ثلث السكان في اليمن إلى مساعدات غذائية وملابس. وتؤدي النفقات المطلوبة لتوفير الغذاء وغيرها من المصروفات المرتبطة بالمدارس، إلى منع العديد من الأسر من إرسال أطفالها إلى المدرسة. بالإضافة إلى ذلك، فإن ثلث المنشآت والمرافق التعليمية في اليمن، تَعرَّض للأضرار أو للتدمير الكامل. وسط ذلك، تظل المأساة متركزة في نخبة ورواد المستقبل؛ المُعلِّمين.