يمنيات في المطاعم

تجاوزن النظرة النمطية لعمل المرأة
مشاعر نبيل
September 29, 2023

يمنيات في المطاعم

تجاوزن النظرة النمطية لعمل المرأة
مشاعر نبيل
September 29, 2023
.

اقتحمت الشابة فاطمة محمد (25 عامًا)، مجال العمل في المطاعم، في محاولة منها لسد الاحتياجات الأساسية لأسرتها، خاصة بعد تدهور أوضاع اليمنيين بفعل الحرب والصراع في البلاد منذ ثماني سنوات، إلى جانب كسر احتكار الذكور لهذه المهنة، حيث جرت العادة -في المجتمع اليمني المحافظ جدًّا- أن يشتغل الذكور دون الإناث في المطاعم والأماكن العامة. 

تقول فاطمة لـ"خيوط": "أعمل تسع ساعات يوميًّا بمطعم في شارع هائل (شمال غربي صنعاء)، لتوفير المتطلبات المعيشية اليومية بعد أن طرقت أبوابًا كثيرة بحثًا عن فرصة عمل دون فائدة، لكني لم أستسلم، وبدت لي فكرة العمل بمطعم -إن توافرت- بمثابة فرصة ثمينة ستتيح لي التغلب على الفاقة والفراغ الذي ملأ حياتي بعد أن تركت الدراسة في الكلية". 

خلال سنوات الحرب الماضية، لجأت العديد من الفتيات اليمنيات لخوض تجارب عمل كانت حكرًا على الذكور، من بينها العمل في المطاعم والكافيهات، حيث سجل لهن حضور لافت في السنوات القليلة الماضية.

يرجع ذلك إلى مجموعة من العوامل، بحسب ما رصدته "خيوط"؛ أهمها الوضع الاقتصادي الصعب لغالبية الأسر في اليمن، وتقبل بعض أرباب العمل لوجودهن ضمن طاقم العمل.

سماح المقطري (20 عامًا)، إحدى الفتيات العاملات في المطاعم، تتحدث لـ"خيوط"، عن تجربتها بعد اقتناع عائلتها بخروجها للعمل، بالقول: "العمل عمومًا ليس عيبًا، والعمل في المطاعم -تحديدًا- شرف ومصدر رزق حلال، يحفظ ماء وجه النساء والذكور على حد سواء، بصرف النظر عن نظرة المجتمع للمرأة العاملة في المطاعم والكافيهات أو في أي مكان عام، حيث درجت العادة أن يتم (تعييب) أو (تحريم) بعض المجالات على النساء وحصرها على الذكور فقط، وهذا أمر غير منصف على الإطلاق للمساواة في الحقوق والعمل".

ساهمت المعايير التي يحددها المجتمع ورواسب العادات والتقاليد في تحجيم قدرات المرأة، وتكريس فكرة أنها لا تستطيع شق طريقها بنفسها، ولا حتى اتخاذ قرارات تتصل بحياتها ومعيشتها مباشرة، الأمر الذي ساهم في تقييد الفتيات في اليمن من ممارسة الكثير من الأنشطة والأعمال، نتيجة لهذه المعايير التي يتم استغلال تشتت الخطاب الديني تجاه المرأة فيها.

تسعى فاطمة من خلال عملها في المطعم، إلى توفير المال لتحقيق طموحها في شراء معدات التصوير؛ الهواية التي تجد فيها ذاتها، بعد أن تركت تخصص علم نفس بعد عامين من الدراسة، بسبب انعدام الشغف لدراسة هذا التخصص، في حين تحلم مريم بارتداء المعطف الأبيض، والالتحاق بكلية الطب لمساعدة المرضى، على خلاف ما وجدت فيه نفسها؛ تعمل في مطعم، وتستقبل طلبات الزبائن الجائعين.

بالمقابل، ترى سماح أن انخراطهن في أعمال كانت حكرًا على الذكور -منها العمل في المطاعم- بدأ يلقى قبولًا نسبيًّا في المجتمع، مع وجود بعض التحديات التي تؤكد على ضرورة مواجهتها بإصرار وشجاعة.

هذا ما جعل سلوى مصطفى، مباشِرة في أحد المطاعم، تتحلى به من إصرار وشجاعة للعمل في هذا القطاع من الأعمال التي كانت حكرًا على الذكور في اليمن، إذ تقول لـ"خيوط": "استطعتُ تخطي هذه المعضلة في ظل سيل من الاتهامات والتضليل ومحاولة تشويه صورتي لدى أسرتي، تحت مبررات أنني سأجلب العار لهم، لكني أصررت على تحدي تلك الاتهامات، بالعمل الجاد وكسب الرزق الحلال، فهذه الأيام بالكاد المرء يجد عملًا". 

هروبًا من التحرش

تؤكد فتيات يمنيات أن العادات والتقاليد أطرت المرأة في كل شيء، في بلد محافظ يقف ضد تواجد النساء في مختلف مجالات العمل، بل والتعليم وفي الحياة بشكل عام.

تتحدث مريم (19 عامًا)، لـ"خيوط" -على النقيض مما قد يعتقد البعض- عن أنّ العمل في المطعم وفر لها الحماية من التحرش والمضايقات التي كانت تواجهها في عملها السابق في أحد المولات التجارية، خصوصًا أنها تعمل في الجزء الخاص بالعائلات، ونادرًا ما تصادفها مضايقة أو أي تصرف يمس كرامتها، وفق قولها.

تضيف: "عملت في المطعم لدفع إيجار المنزل الذي نسكنه أنا وإخوتي بعد أن توقف والدي عن العمل، رغم أن راتبي 65 ألف ريال، فإن إيجار المنزل يبلغ 60 ألف ريال، ولا يتبقّى لي سوى 5 آلاف ريال فقط كمصروف شهري".

وتعترض اليمنيات عدةُ تحديات في العمل بهذه المهنة، خاصة أن حضور المرأة في هذا المجال ما يزال في بداياته، ويحتاج المزيد من الوقت حتى يتقبله المجتمع، لكن الانتشار الكبير للمطاعم ساهم في زيادة أعداد العاملات في هذا القطاع من الأعمال.

تسرد سلوى بعض هذه العراقيل؛ من بينها ضغط العائلة وشدة معاملتهم معها، خاصة في حال تأخرت لظرف ما، إضافة إلى التجريح الذي تلقاه من بعض أقاربها وجيرانها بسبب عملها في مطعم.

كما يعتبر ذلك من التحديات التي تواجهها مريم، إذ تعود للمنزل عند الساعة الحادية عشرة مساءً، وتضطر للتنقل على متن ثلاثة باصات لكي تصل إلى منزلها، إذ تشعر -وفق وصفها- بين الباص والآخر برعب وخوف وقلق، إضافة إلى تعرضها للمضايقات في بعض الأحيان.

من جانبها، تشير فاطمة إلى ضرورة تحلي الفتيات بالثقة والقوة كوسيلة مثلى للاستمرار: "لقد تجاوزت أزمة عدم الثقة بالنفس، وصرت أتعامل مع الأشخاص بذكاء، دون خوف من نظرات المجتمع التي تبدو كأنها تدينني بجريمة لم أقترفها، الثقة منحتي القوة لمواجهة المواقف المختلفة التي تتطلب أن تكون الفتاة متماسكة وقادرة على التمييز بين الوقائع وبين ما ينبغي القيام به".

تجربة نوعية 

لم يسبق للمرأة اليمنية طوال العقود الماضية، أن اقتحمت أعمالًا كانت حكرًا على الرجال، خاصة في المناطق الشمالية من اليمن، كما هو حاصل اليوم، حيث ساهمت الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ العام 2015 في إبراز القدرات المختلفة لليمنيات في مجالات عديدة.

مروى سالم تعبر أثناء حديثها لـ"خيوط"، عن امتنانها الكبير لأسرتها التي منحتها كل الدعم والثقة لاقتحام هذا المجال والعمل ككاشير في مطعم في صنعاء، خاصة أنّها أول فتاة من الأسرة تخرج لسوق العمل، قائلة: "أشعر بسعادة تغمرني لكوني أحظى بدعم غير محدود من أهلي الذين دعموني لخوض غمار تجربة جديدة أعتمد فيها على نفسي، دون الحاجة لأحد، فضلًا عن المتعة التي أشعر بها وأنا أمارس عملًا وأتقاضى مقابله راتبًا منذ سنة ونصف". مشيرة إلى أنها أكملت مرحلة التعليم الجامعي، لكنها، وبعد بحث مرير، لم تحصل على وظيفة في ذات التخصص الذي درسته، وكان العمل في المطعم هو الخيار الأنسب أمامها، متجاوزة حاجز الخوف من نقد الآخرين.

آثار الحرب وأحلام مؤجلة

تسعى فاطمة من خلال عملها في المطعم، إلى توفير المال لتحقيق طموحها في شراء معدات التصوير؛ الهواية التي تجد فيها ذاتها، بعد أن تركت تخصص علم النفس بعد عامين من الدراسة، بسبب انعدام الشغف لدراسة هذا التخصص، في حين تحلم مريم بارتداء المعطف الأبيض، والالتحاق بكلية الطب لمساعدة المرضى، على خلاف ما وجدت فيه نفسها؛ تعمل في مطعم، وتستقبل طلبات الزبائن الجائعين، لكنها لم تفقد الأمل في أن تنتهي هذه الأزمة وتستقر الأوضاع، وتبدأ في دراسة التمريض. 

فيما تعبّر مروى عن شغفها بالطبخ، وترى أن عملها في المطعم جزء من هذا الشغف، الذي تحلم أن يتطور إلى أن تنشئ مشروعها الخاص في مجال الطبخ.

وأثقلت الحرب المرأة اليمنية بمزيد من المعاناة وخيبة الأمل، وحالت دون توفر الفرص والوظائف، رافق ذلك تدهور للأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي انعكست بشكل مباشر على تفاقم معاناتها بشكل كبير.

وكانت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان قد ذكرت في تقرير لها، توسع الفجوة بين الجنسين حيث تفاقمت أنماط التمييز ضد النساء والفتيات بشكل كبير خلال سنوات الحرب وتوسعت الفجوة بين الجنسين، كما خلّف النزاع آثارًا خطيرة على المرأة لأسباب كان أبرزها الأزمة الاقتصادية وانهيار الخدمات، الأمر الذي أجبر النساء على القيام بأدوارهن وأدوار شركائهن الذكور، الذين خلت أماكنهم؛ إما بسبب موتهم في القتال الدائر، أو بسبب اعتقالهم، أو اختفائهم لأي سبب آخر. 

•••
مشاعر نبيل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English