لم يكن هذا الموسم مثل المواسم الزراعية السابقة، بالنسبة لمُزارِع البطاطس، حسين بجاح، الذي يمتلك ثلاث مزارع في محافظة ذمار؛ إذ يشكو عدم حصوله على بذور كافية، كما هو حال غيره من الفلاحين في مختلف المناطق الزراعية.
يفيد بجاح لـ"خيوط"، قائلًا: "أصبح الحصول عل البذور صعبًا جدًّا وشركة إنتاج البذور بذمار تريد منا ضمانات تجارية مُسلَّمة من أجل منحنا البذور الكاملة".
تبرز مؤخّرًا مشكلة "البذور"، لتضاف إلى العديد من التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في اليمن بشكل عام، إذ لا يتوقف الأمر عند هذا الصنف من المحاصيل الزراعية، بل تشمل الحبوب بمختلف أنواعها، إلى جانب محاصيل أخرى، فيما تعتبر التغيرات المناخية من أهم التحديات التي يواجهها قطاع الزراعة في اليمن، الذي يعدّ من أهم دعائم ومرتكزات الاقتصاد الوطني، بالنظر إلى متوسط مساهمة القطاع الزراعي التي تقدر بحوالي (13.7%) من إجمالي الناتج المحلي.
بحسب بجاح، فإنّ شركة إنتاج بذور البطاطس بذمار تتحجج بتعقيدات تجعلها لا تمنح المزارعين البذورَ الكافية، ومن تلك التعقيدات قيام مسؤوليها بإخافة المزارعين بانعدام الديزل وانخفاض سعر البطاطس؛ تبريرًا لعدم قدرة الشركة على إنتاج ما يكفي المزارعين من بذور؛ وفق حديث هذا المزارع.
يعتبر محصول البطاطس من المحاصيل الاقتصادية والغذائية المهمة التي تلاقي أسواقًا رائجة وإقبالًا كبيرًا من السكان؛ نظرًا لتعدُّد استخداماته، حيث تمتاز اليمن بزراعة العديد من أصناف البطاطس مع توسع زراعته في مختلف مناطق محافظات البلاد، أهمّها: ذمار، وإب، إلى جانب: البيضاء، وصنعاء، وعمران، وتعز، وحضرموت، ومأرب، في حين يعدّ قاع جهران من أشهر مناطق اليمن زراعةً لمحصول البطاطس.
المزارع فيما مضى، كان يُخرِج كميةً من المحصول ويتركها بذورًا للموسم القادم؛ ولهذا لم تظهر أزمة في البذور، ولكن حين زادت حاجة المزارع إلى بيع كل المحصول، ارتفع الطلب على البذور؛ الأمر الذي جعل شركة إنتاج بذور البطاطس غير قادرة على تزويد جميع المزارعين بالبذور.
بحسب بيانات الإحصاء الزراعي، التابع لوزارة الزراعة والري، فإنّ إنتاج اليمن من البطاطس تقدّر بنحو 240 ألفًا و446 طنًّا، من مساحة زراعية قدرها 15 ألفًا و368 هكتارًا.
بينما تتصدر محافظة إب المرتبة الأولى من بين المحافظات اليمنية في زراعة البطاطس، بكمية إنتاجية تصل إلى نحو 92 ألفًا و197 طنًّا، من مساحة زراعية قدرها 5 آلاف و641 هكتارًا، تليها محافظة ذمار بما يقرب من 78 ألفًا و333 طنًّا، من مساحة زراعية تقدر بحوالي 4 آلاف و925 هكتارًا.
مسؤولية انخفاض إنتاج البذور
دفعَت الحالة الاقتصادية المتردية طيلة سنوات الحرب، الكثيرَ من اليمنيين إلى العودة للاهتمام بالزراعة؛ وذلك لضمان مصدر دخل يساعد على الحياة، منهم مزارعو البطاطس؛ الأمر الذي تسبّب في زيادة الطلب على بذور البطاطا، وكشف حالة عجز شركة إنتاج البذور التابعة لوزارة الزراعة، إذ لا تلبي احتياجات كافة المزارعين وتمنحهم البذور الكافية.
يُحمّل المزارع علي ناصر -مالك مزارع بطاطس في قاع الحقل بمدينة يريم (وسط اليمن)- في حديثه لـ"خيوط"، شركة إنتاج بذور البطاطس في محافظة ذمار، المسؤوليةَ إزاء عدم حصوله هو وكثير من المزارعين على البذور، إذ يؤكّد أنّ عدم رفع زيادة الإنتاج للبذور من الشركة الحكومية هو السبب في حرمانهم من نشاطهم الزراعي المعتاد كلَّ عام، حيث اضطرَّ -حدَّ قوله- إلى تقليص المساحة الزراعية، واكتفى باستزراع نصف مساحة الأرض مقارنة بما زرعه العام الفائت.
من جانبه، يفيد الفلاح محمد الجابري، لـ"خيوط"؛ أنّ المزارِع فيما مضى، كان يُخرج كميةً من المحصول ويتركها بذورًا للموسم القادم؛ ولهذا لم تظهر أزمة في البذور، ولكن حين زادت حاجة المزارع لبيع كل المحصول، ارتفع الطلب على البذور؛ الأمر الذي جعل شركة إنتاج بذور البطاطس غير قادرة على تزويد جميع المزارعين بالبذور، وهو ما يعتبره الفلاحون تقصيرًا تتحمّل مسؤوليته وزارة الزراعة.
كانت الشركة العامة لإنتاج بذور البطاطس، قد دشّنت مطلع فبراير/ شباط 2024، الموسمَ الربيعي لزراعة محصول البطاطس في عددٍ من القيعان والحقول الزراعية في محافظتَي ذمار وإب (شمال ووسط اليمن). وقالت الشركة إنها تمكّنت من توفير الكميات اللازمة التي تغطي احتياجات الوطن من البذور المحلية عالية الجودة والإنتاجية، مشدِّدةً على أنّ محاولة إدخال بذور بطاطس مستوردة إلى البلد، يتسبّب في خسائر ويُكبّد الاقتصاد الوطني مبالغ كبيرة، في الوقت الذي يتوفر فيه منتجٌ محليّ، عالي الجودة والإنتاجية، ومقاوم للأمراض.
الباحث الزراعي هلال مطير، يتحدث لـ"خيوط"، عن حدوث أزمة في حصول المزارعين على البذور؛ سببُها سوءُ الإدارة من وزارة الزراعة ومؤسساتها، حيث أصبحت -حدّ قوله- مؤسسات ربحية وليست خدمية، وتُدير عملية إنتاج البذور بعشوائية دون تخطيطٍ يضمن إنتاجية عالية وتوزيع عادل وشامل للمزارعين.
أزمة متفاقمة وتوضيح الجهات المختصة
في السياق، يشكو صدام عامر -مزارع بطاطس في مدنية يريم- من مماطلة شركة إنتاج بذور البطاطس، وعدم منحها البذورَ للمزارعين في الوعد المحدد؛ إذ يقول لـ"خيوط": "دفعتُ سعر البذور، وكان المفروض أن تصلني في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2023، ولكنها لم تأتِ إلا في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي من هذا العام 2024"، مشيرًا إلى أنّ تأخُّر موعد البذور يُسهم في تضييع المحصول، ومِن ثَمَّ خسارة المزارعين، وهذا ما يخشاه هذا العام.
في حين ينفي خالد الأكوع -مسؤول في شركة إنتاج بذور البطاطس في ذمار- لـ"خيوط"، وجودَ أي أزمة، متهِمًا بعض المزارعين بالتواطؤ مع مَن أسماهم "لوبي" الاستيراد للبذور الخارجية، علمًا أنّ قرارًا من وزارة الزراعة بصنعاء، كان قد منع استيراد بذور البطاطس؛ وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي، حدّ تعبير الأكوع.
كما يؤكّد مسؤولون في وزارة الزراعة والري في هذا الخصوص، أنّ محافظة ذمار بشكل خاص، من المناطق التي تمتلك ميزة نسبية أكثر من غيرها لإنتاج بذور البطاطس، بحكم ارتفاعها عن مستوى سطح البحر.
بدوره، يوضح أستاذ الزراعة بجامعة صنعاء، أحمد الهدواني، في حديثه لـ"خيوط"، أنّ سبب أزمة بذور البطاطس يأتي على خلفية إهمال الدولة والجهات المختصة في وزارة الزراعة، لافتًا إلى أنّ مركز ذمار لإنتاج بذور البطاطس يُعدّ مركزًا إقليميًّا لتخزين بذور البطاطس، إذ إنّ معالجة المشكلة -وفق حديثه- بيد الدولة، وعليها ضمان توفير البذور الكافية للمزارعين.