تجارة "جوازات السفر" استغلال يفاقم معاناة اليمنيين

انتظار إلى أجل غير مسمى
انتصار مثنى
March 27, 2024

تجارة "جوازات السفر" استغلال يفاقم معاناة اليمنيين

انتظار إلى أجل غير مسمى
انتصار مثنى
March 27, 2024
.

علي الحيمي، البالغ من العمر (70 عامًا)، كان ينوي السفر لأداء مناسك العمرة هذا العام، عندما وجد أحد أبنائه إعلان عروض لأحد مكاتب السفر والحج والعمرة، عن تخفيضات في أسعار العمرة خلال ثلاثة أشهر (جمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب)، وصلت فيه تكاليف العمرة كاملة إلى 1300 ريال سعودي، شاملة السكن والنقل والأكل والشرب. 

تحمسَت كثيرًا الأسرة لتنفيذ هذه الخطوة، واغتنام فرصة التخفيضات، تلبيةً لأمنية الأب الذي كان يتمنى دومًا ألَّا يتوفاه الله إلا وقد زار مكة لأداء العمرة، وكانت أول خطوة تتمثّل في قطع جواز السفر، حيث لم يكن الأمر سهلًا كما توقعت الأسرة.

انصدموا عندما سمعوا عن معاناة المواطنين في إخراج جواز سفر، والمدة الطويلة التي يستغرقها وصول جواز السفر، فقد تواصل أحد الأبناء بمكتب للسفريات، للسؤال عن سعر الجواز عن بُعد، من أجل تجنُّب السفر مسافات طويلة قد تُتعب الوالد صحيًّا، ومن أجل الإسراع في الحصول على الجواز في فترة وجيزة، ولحاق فرصة العروض للعمرة، إلا أنّهم فوجِئُوا بالسعر الذي طُلب منهم؛ وهو 2000 ريال سعودي. 

لم يكن أمامهم خيار إلا صرف النظر عن هذا الأمر؛ لأنهم من ذوي الدخل المحدود ولا يملكون هذه المبالغ، فكانت فكرة السفر إلى إحدى المحافظات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وقطع جواز السفر هناك، والانتظار إلى مدة غير محددة، أمرًا لا فائدة منه، بحسب أحد أبناء علي الحيمي، الذي قال لـ"خيوط": "حتى لو استطاع الوالد النزول، فقد نحصل على الجواز بعد فوات الأوان وانتهاء مدة العروض التي شجّعتنا لاتخاذ هذه الخطوة، وأيضًا من غير المعقول أن تكون تكاليف العمرة كاملة 1300 ريال سعودي، بينما سعر قطع جواز سفر مستعجل 2000 ريال سعودي؛ لذا لم يكن من حل سوى إلغاء الفكرة والعودة إلى صنعاء".

تواصلنا مع عدة مسؤولين في مصلحة الجوازات في كلٍّ من مأرب وعدن، لتوضيح سبب هذا التأخير في معاملات استخراج الجوازات، وكمية الدفاتر التي توفرت في الوقت الراهن، التي لا تلبي الطلب الحاصل. اكتفى العقيد نصر الشاوش، من مصلحة الجوازات- فرع عدن، بالتأكيد أنّ ذلك "بسبب الكثافة السكانية المرتفعة، وبَدء موسم الحج والعمرة".

ليس فقط المسنّ علي وعائلته من تأثروا من هذا الوضع والاستغلال الحاصل في مرافق مصلحة الهجرة والجوازات؛ فلا توجد قصة فساد واحدة إلا وهناك ضحايا لها، هنا تتجسد إحدى أهم الأزمات التي يعاني منها اليمنيون؛ أن تستخرج جواز سفر كونك مواطنًا، فذلك من أصعب ما قد تفكر فيه في الوقت الحالي، بالرغم من أن أقل حقوق المواطن أن يملك جوازَ سفر يمنيًّا، يُثبت هُويته وانتماءَه إلى بلاده. 

 صعوبة الطرق وطول المسافة 

يتعيّن على الشخص الذي ينوي قطع الجواز من أبناء المحافظات التابعة للحوثيين، السفر إلى إحدى المحافظات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، من أجل قطع جواز سفر شرعي يتم التعامل به في المطارات، بعد ما صدر قرار عن نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية في حكومة عدن رقم (91/12/و.د) في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2018، بعدم التعامل مع الجوازات الصادرة في صنعاء والمناطق غير الخاضعة لحكومته.

فاقم هذا القرار المشقة التي يتحمّلها المواطنون، خصوصًا كبار السن والمرضى. على سبيل المثال، هناك مشقة واسعة في حال التنقل إلى محافظة مأرب التي تقع إلى الشمال الشرقي من العاصمة صنعاء، وتبعد عنها بنحو (173) كيلو مترًا، وبسبب قطع الطرق الرئيسية المؤدية إلى المحافظة، قد يسلك المواطن الطريق إلى المحافظة ذاتها في مدة لا تقل عن 7 ساعات عن طريق صحراء الجوف، إضافة إلى وعورة الطريق وعدم الأمن وانتشار قطاع الطرق في تلك الأماكن.

قد تكون أيضًا معرضًا للتيه والضياع في الصحاري، في حال كنت تقود سيارتك الشخصية، أو ستحتاج أن تجلب معك أحد المرشدين، "الدليل" كما يُسمون، بمبلغ 100 إلى 150 ريالًا سعوديًّا. 

كذلك الحال في الطريق إلى تعز، التي أصبحت مسافة الوصول إليها أطول من ذي قبل؛ بسبب إغلاق الطرق الرئيسية منذ اندلاع الحرب، إذ كانت مسافة الطريق من الحوبان إلى وسط المدينة لا تستغرق أكثر من 30 دقيقة، في حين أصبحت حاليًّا، لا تقل عن خمس ساعات، فضلًا عن الطريق إلى عدن، التي ليست أفضل من غيرها؛ فهي طويلة جدًّا بالنسبة للمحافظات الشمالية، حيث تكثر فيها انتشار نقاط التفتيش التابعة لطرفَي الصراع.

أحمد عبدالإله، الشاب البالغ من العمر 28 عامًا، متزوج ولديه طفل، خريج كلية الهندسة من جامعة إب، وجد بعد تخرجه بابَ الأعمال والوظائف مغلقًا في وجهه، مثل بقية الشباب في اليمن، يقول لـ"خيوط": "يوجد الكثير من المهندسين المعماريين، لكن بالمقابل، ليست هناك فرص وظيفية تستوعب الشباب حديثِي التخرج من الجامعات".

قرّر هذا الشاب النأي بعيدًا عن هذا الواقع، والبحث عن فرص عمل خارج البلاد والهجرة. وصل إلى عدن بتاريخ 1 أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم 2023، بعد يوم كامل من السفر، قاصدًا قطع جواز سفر له ولعائلته، وكلفه النزول إلى عدن حوالي 80 ألف ريال يمني (بسعر صرف العملة المتداولة في صنعاء، حيث يصل سعر الدولار إلى 530 ريالًا، في حين يتضاعف المبلغ بسعر صرف عدن، يصل إلى أكثر من 1600 ريال للدولار الواحد) ذهابًا وإيابًا، وكلفه السكن 150 ريالًا سعوديًّا في الليلة الواحدة، ومصاريف أخرى تعادل 100 ريال سعودي، إضافة إلى رسوم الجواز الواحد الذي يصل إلى 100 ريال سعودي. بعد مرور أربعة أشهر إلى الآن، ما يزال خبر صدور الجواز على باب الانتظار دون أي جدوى؛ هذا هو مصير كل مواطن يمني سلك الطرق الوعرة، واتبع الإجراءات القانونية الرسمية لقطع الجواز. 

هكذا تتعدّد طرق ابتزاز واستغلال اليمنيين؛ فالأولوية لمن يدفع أكثر، حيث عُرض على أحمد عبدالإله، دفع 500 ريال سعودي من أجل استخراج جواز مستعجل في حينها، حتى بعد مرور هذا الوقت الطويل والتواصل مع المسؤولين، ما يزال هذا العرض كما هو؛ "لن يُطبع جوازك إلا بعد أن تدفع 500 ريال سعودي".

يقول المحامي والقانوني، معاذ القرشي، محامي أحوال مدنية، لـ"خيوط"، إنّ هذه المبالغ تعتبر غير رسمية، وسوق سوداء للجوازات، واستغلال لحاجات الناس. 

بسبب الانقسام الذي يعاني منه اليمن بفعل الصراع الدائر منذ العام 2015، وصعوبة السفر، نشط سماسرة من أرباب السوق، مستغلين كل هذه الأوضاع الأمنية. 

يضيف القرشي: "الأصل أنّ كل يمني له حق الحصول على جواز، بشرط توافر الشروط المطلوبة لذلك، وبالرسوم المقررة قانونًا التي نص عليها القانون، التي كانت محددة بمبلغ خمسة آلاف ريال يمني، تلك هي الرسوم التي تحتاجها لاستخراج جواز سفرك، لكن ما تمر به البلاد من ظروف، أنتج هذا الواقع المرير". 

تواصلنا مع عدة مسؤولين في مصلحة الجوازات في كلٍّ من مأرب وعدن، لتوضيح سبب هذا التأخير في معاملات استخراج الجوازات، وكمية الدفاتر التي توفرت في الوقت الراهن، التي لا تلبي الطلب الحاصل. اكتفى العقيد نصر الشاوش، من مصلحة الجوازات- فرع عدن، بالتأكيد لـ"خيوط"، أنّ ذلك "بسبب الكثافة السكانية المرتفعة، وبدء موسم الحج والعمرة".

جوازات عن بُعد، باهظة الثمن

في سياق الاضطرار إلى الحصول على جواز سفر؛ تواصل خطيب الفتاة إيمان عبدالكريم، الذي يعيش خارج اليمن منذ زمن طويل، بوالدها، وأكّد له ضرورة الإسراع في إتمام عقد الزواج من أجل البدء في معاملة دخولها إلى البلد الذي يعيش فيه، وهذا ما دفع والد الفتاة إلى خيار قطع الجواز عبر أحد مكاتب السفر في صنعاء "عن بعد"، وكلفه ذلك مبلغًا يصل إلى نحو 1800 ريال سعودي، مقابل استلام جواز السفر خلال مدة تصل إلى 30 يومًا؛ وذلك من أجل الإسراع في استخراج الجواز وإتمام عقد الزواج.

ظهر هذا النوع من الإجراءات والمعاملات (جوازات سفر عن بعد) في الآونة الأخيرة؛ نتيجة للانقسام السياسي والاقتصادي والمؤسسي، وكذا الجغرافي، الحاصل في اليمن، وصعوبة السفر والتنقل بين المحافظات.

بالنسبة للمبالغ المطلوبة لإصدار جواز سفر عن بُعد، يؤكد عاملون في هذا المجال أنها تشمل قيمة الجواز، ورسوم الحصول عليه، لكن المواطن يحسبها من زاوية ثانية؛ وهي أن انتقاله إلى محافظة أخرى يتطلب تفرغًا ومصاريف وأجور نقل، إضافة إلى مخاطر السفر في ظلّ هذا الانقسام، وهذا الوضع، الذي تستفيد منه بعض المكاتب والسماسرة، لكنه ليس وضعًا سليمًا، بحسب القوانين.

نتيجة لذلك، نشطت "مكاتب سفر" عديدة، تعرض خدماتها على المواطنين الذين لا يستطيعون السفر والحضور شخصيًّا من أجل إجراءات معاملة قطع الجواز؛ وهو ما يسمى "جواز عن بعد"، عندها يُطلَب من الشخص جميع وثائقه اللازمة لقطع الجواز، وصور شخصية له، ومبلغ قد يصل إلى 2500 ريال سعودي. 

يتساءل القرشي عن مدى سلامة الجواز عن بُعد، قانونيًّا، في ظل ما يعيشه اليمن من وضع استثنائي بسبب الحرب والصراع، وهذا الانقسام الحاصل في البلاد، الذي أنتج واقعًا صعبًا، يدفع فاتورته المواطنون.

أدّى إغلاق مطار صنعاء إلى ظهور مشكلة عدم اعتماد الجوازات الصادرة من صنعاء وبعض المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)؛ عندها وجد المواطن اليمني نفسه أمام معضلة الحاجة لجواز سفر يمكن أن يُقبل في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، إذ أدّى ذلك إلى انتشار ونشاط واسع للمكاتب التي توفر جوازات السفر بحضور الشخص نفسه في حالات، وفي حالات أخرى لا يشترط الحضور، فالأهم هو توفير صورة للوثائق الشخصية الصحيحة للحصول على جواز السفر. 

يقول القرشي: "في اليمن هناك مصلحة للهجرة والجوازات والجنسية، من ضمن مهامها إصدار جوازات السفر للمواطنين، من خلال مركزها الرئيسي وفروع المصلحة في عموم المحافظات، لكن الانقسام الحاصل هو من يقف خلف ظهور مشكلة الحصول على جواز السفر، لافتًا إلى أنّ ما يُنظّم إصدار الجوازات هو القانون واللوائح المنظمة لعمل مصلحة الهجرة والجوازات".

في اليمن، هناك قانون رقم (7) لسنة 1999 بشأن الجوازات، في حين لا توجد أيّ لوائح تنظم الحصول على الجواز عن بُعد على الإطلاق، وهذا الأمر -وفق القرشي- مخالفٌ للقانون؛ إذ إنّ الأصل حضور المواطن بشخصه للحصول على جواز السفر، بعد تقديم الوثائق المطلوبة لإصدار الجواز.

وبالنسبة للمبالغ المطلوبة لإصدار جواز سفر عن بُعد، يؤكّد عاملون في هذا المجال أنها تشمل قيمة الجواز، ورسوم الحصول عليه، لكن المواطن يحسبها من زاوية ثانية، وهو أنّ انتقاله إلى محافظة أخرى يتطلب تفرغًا ومصاريف وأجور نقل، إضافة إلى مخاطر السفر في ظلّ هذا الانقسام، وهذا الوضع، الذي تستفيد منه بعض المكاتب والسماسرة، لكنه ليس وضعًا سليمًا، بحسب القوانين المعمول بها في اليمن.

لم تجد "خيوط"، التي تواصلت مع عدة مسؤولين في مصلحة الهجرة والجوازات، أيَّ تجاوبٍ بخصوص قانونيّة ومدى سلامة إجراءات استخراج الجواز عن بُعد.

خيارات ومسافات شاقة

تواصلنا مع عدة مكاتب تعمل في مجال السفر والعمرة والحج، من أجل الاستفسار عن أسعار وكيفية قطع الجواز عن بعد، فكان متوسط التكلفة الإجمالية للجواز الواحد، ما بين 1800 إلى 2200 ريال سعودي.

يقول عادل سالم (اسم مستعار)، مدير مكتب سفريات، لـ"خيوط": "يوجد لدينا خدمتان بخصوص قطع الجواز؛ الأولى بحضور الشخص نفسه، وتكلف 600 ريال سعودي شاملة النقل والسكن ورسوم الجواز ومبلغ للعاملين في الجوازات، من أجل التسريع في طباعة الدفتر، خلال فترة من شهر إلى شهرين". 

وعندما وجّهنا له استفسارًا عن مدة الحصول على الجواز في حال سفر الشخص واتّباعه جميع الإجراءات التي تقوم بها مثل هذه المكاتب دون دفع أيّ ثمن خارج الرسوم الرسمية للجواز، ردّ بالقول: "لا يُطبع أيّ دفتر إلا إذا دفعت لهم مبلغًا معينًا". 

والطريقة الأخرى عن بُعد؛ يوفر فيها الشخص جميعَ أوراقه ووثائقه الصحيحة من بطاقة شخصية، وشهادة ميلاد إذا كان طفلًا، وجواز سفر الوالد أو بطاقته أو عقد الزواج إذا كانت فتاة، ويصدر الجواز في مدة تصل إلى عشرة أيام؛ بحسب قول مدير هذا المكتب.

يستغرب الكثير قرارَ عدم التعامل مع الجوازات الصادرة من صنعاء والمحافظات الأخرى في شمال اليمن، من أجل عدم السماح لسلطة الحوثيين بإصدار العديد من جوازات السفر والتزوير، في حين أنّ البطائق الشخصية التي تعتبر الهُويةَ المعرِّفة بالمواطن، تُعتمَد في قطع الجواز، مع أنّها تصدر من الأحوال المدنية في صنعاء. 

وفي ظلّ الاستغلال والمعاناة المضاعفة، هناك من يرى أنّ قطع الجواز عن بُعد حلٌّ جيد، بعيدًا عن الاستغلال الذي يتعرض له المواطن، غير أنّها تبقى الحل الوحيد لبعض المرضى، بالأخص الذين لا يستطيعون السفر وقطع كل تلك المسافات الشاقة والوعرة التي فُرضت على اليمنيين.

•••
انتصار مثنى

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English