يحل على اليمنيّات واليمنيّين عيدُ الفطر المبارك بعد أكثر من تسعة أعوام من الحرب وارتداداتها القاتلة، ولم يزل الجميع يحلم بسلام دائم يعم البلاد التي أنهكها المتحاربون، ويتطلعون في الوقت ذاته إلى حياة طبيعية لا تنغصها حالة الطرقات المقطوعة بين المحافظات التي حوّلت تنقلات السكان إلى جحيم حقيقي، ويتطلعون أيضًا إلى صرف مرتبات الموظفين العموميين الذين حولتهم السنين الطويلة إلى جوعى ومتسولين، ويتطلعون إلى خدمات أساسية مشاعة كفلتها القوانين، كالحق في التعليم والتطبيب، ولا يشكّل احتكارها وتسليعها وإدارتها بعقلية التاجر اللئيم خطرًا على الأجيال، مثل التسرب من التعليم أو الموت بسبب الأوبئة، التي عاودت الظهور، بعد أن منعت السلطات توزيع اللقاحات بوصفها مؤامرة غربية على الأجيال، كما تقول، أو تحويل الأطفال والمحتاجين إلى وقود حرب في الجبهات.
احتكار الوظيفة العامة ومنحها للمحاسيب والموالين داخل بنى سلطات الأمر الواقع، واحدة من إفرازات التهتك وفساد القوى المتحكمة على الأرض، مثلها مثل تعاظم أدوات الجباية المختلفة، التي تُفرض على الأقوات، ولم تصل بعد إلى هواء وشمس اليمنيين، ولو أنّ الأمر بيد هذه السلطات لفعلتها.
المخفيون قسرًا والمعتقلون تكتظ بهم زنازين وأقبية الأذرع الأمنية والاستخباراتية التي استنبتت في عموم البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى الجنوب، وجعلت حياة أُسَر هؤلاء تعيش أهوال الفقد العظيمة، خصوصًا أولئك الذين لم تُعرف مصائرهم بعد سنوات من الاختفاء.
تكميم الأفواه ومصادرة الفضاء العام لصالح خطاب تشنُّجيّ يُجرِّم المختلفين معه لأسباب دينية ومناطقية فجة، واحدة من تجلياتها الحالة التي أنتجتها هذه السنوات، وقَوَّتْها مسالكُ الاحتكار تحت شعارات تصاغ بعناية لإيقاع بنى المجتمع في شراك العنف والفوضى والاحتراب.
من يشاهد الجوع المتفشي بين الناس، الذي تعكسه مظاهر التسول للنساء والأطفال والمسنِّين، سيكتشف كم هي هذه السلطات بشعة ومتجردة من إنسانيتها؛ تجتبي الزكاة ومتحصلات الضرائب والجمارك والرسوم والإتاوات، وتنفقها على نافذيها وأجهزتها، لبناء سلطة عصبوية احتكارية مغلقة، وليس بناء دولة قوية مستقلة، كما تدعي.
اليمنيون على الدوام، يتطلعون إلى بناء دولة قوية متماسكة، تعبِّر عنها مؤسسات لا تجرفها المحاصصات من أيِّ نوعٍ كان، وقبل ذلك تنتجها الحاجة الداخلية لعموم السكان من إناث وذكور، وليس رغبة فئة تستقوي بالسلاح والتأثير، وفي الوقت ذاته ليس رغبة خارجية تسعى للتأثير بمجمل قراراتها، دولة تمتلك قرارها السيادي واحتكار القوة، والوقوف على مسافة واحدة من جميع أطياف المجتمع.
دولة بمؤسسات تستطيع تجاوز تهتك الجهاز المصرفي والمالي وانقسامه، الذي يتغذى بقرارات مصرفية غير مسؤولة وارتجالية تمهّد لتقسيم البلاد، ليس إلى دولتين كما كان الحال قبل مايو/ أيار 1990، بل إلى كانتونات متشعبة تتحكم بها عصبيات ما قبل الدولة والمواطنة.
قد تبدو مثل هذه العبارات أمنيات صعبة التحقق بسبب ما آل إليه الحال من بؤس وتهتك، لكنها تبقى مشتركًا جامعًا عند عموم اليمنيات واليمنيين، وتعبر عنها القوى الحية التي لم تلوّثها الحرب ومنافعها التي تتعاظم بالاستدامة.
كل عام والجميع بخير