في الـ16 من مايو الماضي، تداولت وسائل إعلام ومنصات تواصل اجتماعي، صورًا لفعالية توقيع تمديد الوديعة السعودية للبنك المركزي اليمني، تجمع محافظ البنك المركزي اليمني، ومساعد وزير المالية السعودي، وبلوحة تعريفية ضوئية "أمامية، خلفية"، مدوّن عليها "الجمهورية العربية اليمنية".
شهرين، ولا يزال الحديث قائمًا حول صور هذه الفعالية، وما حقيقتها من زيفها، وأصبحت كمحور ارتكاز لقياس توجه المملكة العربية السعودية وموقفها تجاه مستقبل اليمن، هل كدولة واحدة بمسماها "الجمهورية اليمنية" منذ إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م، أم كما كانت دولتين؛ "الجمهورية العربية اليمنية" مسمى دولة الشمال، و"جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" مسمى دولة الجنوب.
أوردت الصور تساؤلات عديدة؛ ما إذا كان استخدام الجمهورية العربية اليمنية مقصودًا أم خطأ مطبعيًّا، وما إذا كانت الصورة حقيقية أم مزيفة، في حين اعتبر البعض بأن الصورة مزيفة بإضافة كلمة "العربية"، أو أنها خطأ مطبعي ولا يحمل دلالات سياسية، وتركزت أبرز التفسيرات بأنه عمل مرتب له، وخطأ مقصود يعكس نوايا السعودية لتشطير اليمن، فيما ذهبت تأويلات إلى أنه جسّ نبض الرأي العام تجاه تقسيم اليمن إلى دولتين والعودة إلى ما قبل العام 90، وأنّ السعودية تتعمد تعريف اليمن بالمسمى القديم، والحديث عن بلد غير موجود تعمل على صناعته في سياق الحرب التي تتبناها.
مع وضوح التعديل والتلاعب من خلال النظر إلى الصورتين بالعين المجردة، وبيان اختلال التناسق في اللوحة المدونة في واجهة طاولة التوقيع، وعدم توسيط السطر التالي عند حذف كلمة العربية، إلا أني عشية اليوم التالي لتداول الصور، استخدمت أدوات تقنية كشف التلاعب، واكتفيت بنتائجها لذاتي كصحفي.
يجب ألَّا يتم الاعتماد على الأدوات والبرامج التقنية، والتسليم بنتائجها، خاصة تلك المتوفرة بشكل مجاني، وللتأكد من حقيقة وصحة أي صورة، لا بد من العمل على أساليب وطرق أخرى تمكنُنا من الإمساك بطرف الخيط، ليتضح الأمر أكثر ونتوصل إلى مقاربات ونتائج أكثر دقة، وإحداها البحث العكسي للصور
ونظرًا للشدّ والجذب، الذي لا يزال، أعتبرُ أنّ هذا موضوع مثير للاهتمام للعمل عليه كتقرير موسع، برسم خارطة طريق للتحقق من الصورة والبحث في سياقاتها، ومحاولة التوصل إلى إجابات عن التساؤلات واستنتاج مقاربات للتفسيرات والتحليلات من ردود فعل يمنيين، صحفيين وإعلاميين، ناشطين ورواد منصات التواصل الاجتماعي.
وقادتنا الآراء المتضاربة إلى خارطة التحقق، تستند بمنهجيتها على:
استخدام الأدوات التقنية لكشف التلاعب
تساعد الأدوات البرمجية في كشف التلاعب والتعديلات الداخلة على الصورة، واستخدمت "خيوط" للتحقق من الصور المتداولة، أربعَ أدوات؛ هي: Fotoforensics، وForensically، وImage Verification Assistant، ومكون InVID.
وتحتوي هذه الأدوات على عديدٍ من المرشحات، تسمى أدوات الطب الشرعي Forensic، تم تحليل الصور المقصودة وفق تحليل مستوى الخطأ (ELA) Error Level Analysis، ومتوسط الضوضاءMedian Noise Residuals .
تحليل مستوى الخطأ يبرز المناطق التي تم التلاعب بها مختلِفةً عن باقي الصورة، وتُظهر نتائج التحليل أنّ الصورة رقم (1) في أدنى مستويات الخطأ، لبروز حواف النصوص في المناطق المشكوك فيها المحددة باللون الأحمر كما بقية حواف النصوص ببقية الصورة، فيما تظهر الصورة رقم (2) بمستويات خطأ أعلى، فالمناطق المشكوك فيها المحددة باللون الأحمر، مختلفة عن بقية مناطق الصورة.
فيما تحليل متوسط الضوضاء، يفيد بأنّ الصورة الحقيقة مليئة بالضوضاء، وتكون القيم فيها أكثر سطوعًا، وعندما يتم التلاعب بها، فغالبًا يُظهِر آثارًا وتكون المناطق المتلاعَب بها أقلّ سطوعًا، ونلاحظ في الصورة رقم (1) أنّ معظم الحواف عالية السطوع، ومتشابهة بعضها مع بعض، بينما متوسط ضوضاء الصورة رقم (2) أظهر آثارًا مختلفة بمناطق متفرقة في الصورة، وإذا دققنا في المناطق المشكوك فيها المحددة باللون الأحمر، سنلاحظ أنها أقل سطوعًا عن بقية المناطق المماثلة في الصورة.
وعليه، فإنّ نتائج الأدوات التقنية ترجح بأن الصورة رقم (1) المتضمنة لمسمى "الجمهورية العربية اليمنية"، هي الصحيحة، فيما الصورة رقم (2) التي تتضمن "الجمهورية اليمنية" مزيفة، تم التلاعب بها.
استخدام البحث العكسي للصور عبر الإنترنت
يجب ألّا يتم الاعتماد على الأدوات والبرامج التقنية، والتسليم بنتائجها، خاصة تلك المتوفرة بشكل مجاني، وللتأكد من حقيقة وصحة أي صورة، لا بد من العمل على أساليب وطرق أخرى تمكنُنا من الإمساك بطرف الخيط، ليتضح الأمر أكثر ونتوصل إلى مقاربات ونتائج أكثر دقة، وإحداها البحث العكسي للصور.
أوصلنا البحث العكسي للصور، إلى أنه تم نشر وتداول (3) صور متنوعة تحمل مسمى "الجمهورية العربية اليمنية"، و(4) صور متنوعة تحمل مسمى "الجمهورية اليمنية".
وتذكر نتائج البحث العكسي أنّ أول صورة تم نشرها تحمل مسمى "الجمهورية العربية اليمنية" عند 4:03 عصرًا، على حساب الصحفي عاصم الصبري بتويتر، مرفقة بنصٍّ من فقرة واحدة ذي صيغة خبرية، وذات النص والصورة منشوران في موقع كريتر سكاي عند 4:05 عصرًا، وتناقلته عددٌ من محركات بحث، خلال الدقائق العشر الأولى.
وتم رصد 3 صيغ خبرية الأكثر انتشارًا رفقة الصور المتداولة؛ الأولى لخبر مكوّن من 3 فقرات مقتضبة، مرفق به صورة واحدة تتضمن "الجمهورية العربية اليمنية"، وفقرته الأولى هي النص حرفيًّا المنشور على حساب عاصم الصبري بتويتر -مع فارق تصحيح لغوي لكلمتين- كما أنّ الصورة هي ذاتها. وكان أول الناشرين موقع البعد الرابع عند 4:09عصرًا.
أما الثانية لخبر مكوّنٍ من فقرتين، تم نشره على موقع البنك المركزي اليمني، وصفحته بالفيسبوك، عند 5:16 مساءً مرفق بصورتين تتضمّنان "الجمهورية العربية اليمنية"، وبعد أكثر من ساعة تم استبدالهما، بصورتين غير متجانستين مع السابقتين، من حيث التطابق، والألوان، وتتضمّنان "الجمهورية اليمنية".
فيما تأتي الصيغة الثالثة لخبر مكوّنٍ من 3 فقرات، نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس"، عند 7:35 مساءً، دون صورة. وتم تداول الخبر نقلًا عن "واس" في صحف ومواقع سعودية، بعضها مرفقة بصور تتضمن "الجمهورية اليمنية"، فيما أخرى أرفقت صورًا تتضمن "الجمهورية العربية اليمنية"، مثل: عاجل، صراحة، مهد الذهب، وصحيفة نبأ.
الصور التي تتضمن مسمى "الجمهورية العربية اليمنية"، هي الصحيحة، كما ترجح نتائج الأدوات التقنية، وتؤكدها نتائج البحث العكسي بأنها نُشرت أولًا، وبفارق زمني يقارب ساعتين، عن نشر الصور التي تتضمن "الجمهورية اليمنية"
كما أنّ إجراء البحث العكسي كشف لنا وجود صورٍ لفعاليات أخرى، تتطابق مع الصور التي تتضمن "الجمهورية العربية اليمنية"، من حيث التركيب اللوني والإضاءة، للقاعة والشاشة الضوئية ذاتها.
هل تم استخدام مسمى الجمهورية العربية اليمنية من قبل؟
لأنّ الصورة لا تكتمل إلا بسياقها، تساءلت "خيوط": "هل هي المرة الأولى التي تستخدم فيها السعودية مسمى "الجمهورية العربية اليمنية" في محفل رسمي، أو تعاطٍ إعلامي؟"، وتوصلت إلى:
تسمية اليمن في الخطابات الدبلوماسية السعودية
في سياق التعرف على مسمى اليمن في المذاكرات والخطابات الدبلوماسية، اطلعت "خيوط" على الوثائق السعودية المسربة التي نشرها موقع ويكيليكس، التي تأتي في سياق تقارير داخلية خاصة بالحكومة السعودية ورسائل متبادلة بين سفاراتها، بحسب بيان ويكيليكس، ورصدت المتعلقة منها باليمن، وتوصلت إلى وجود:
(الجمهورية العربية اليمنية، والجمهورية اليمنية)، كخطاب بريد إلكتروني (إيميل) من وزير الخارجية إلى وزير الثقافة والإعلام، ويشير مضمون البريد إلى أنّ إرساله كان في 2006م.
النتائج والاستنتاجات
بناء على البيانات الواردة أعلاه، خلصت "خيوط" إلى أنّ:
ويلخص عدد من المهتمين بالعلاقات الدولية -طلبت "خيوط" التعليق على استخدام السعودية لهذا المسمى- إلى: