يُعرف المؤذن بأنه الشخص الذي يقوم بتأدية الأذان للصلوات الخمس اليومية وصلاة الجمعة في الدين الإسلامي، ويشترط في المؤذِّن حسن الصوت وارتفاعه، كما يتطلب منه الانضباط في الأذان للصلوات في مواعيدها.
ومعروف عن اليمنيين حرصهم على بناء المساجد في مختلف قرى ومدن بلادهم، حيث أصبح لكل مسجد مؤذن أو مجموعة من المؤذنين الذين يمتازون بامتلاكهم أصواتًا مختلفة، منها الشجية التي تُعطر آذان السامعين وتُخشع ألبابهم، ومنها المميزة، وأصوات أخرى مثيرة للاختلاف والجدل.
هنا ترصد "خيوط"، أسماء أشهر مؤذني اليمن، قديمًا وحديثًا، وتعرض الفروق بين طقوس وألفاظ الأذان في المناطق اليمنية، وكيف ينظر المجتمع اليمني لمهنة المؤذن.
عائلات المؤذنين
تروي كتب السيرة الإسلامية التاريخية أن الصحابي معاذ بن جبل أول من رفع الأذان في اليمن بعد أن قام ببناء مسجد الجند بمحافظة تعز، حينما بعثه النبي محمد إلى اليمن في السنة السادسة للهجرة، وأول من أذن من اليمنيين هو الصحابي عبـدالله بن قيـس المكنى بأبي موسى الأشعري، الذي يروى عن النبي محمد قوله: "لقد أوتي أبو موسى مزمارًا من مزامير آل داود" بحسب ترجيح المؤرخ القاضي عرفات الحضرمي، خلال حديثه لـ"خيوط".
وفي فترات من تاريخ اليمن القديم، خاصة في المناطق الواقعة شمال البلاد، كان الجامع الكبير في صنعاء منبرًا لكثير من المؤذنين الذين تميزوا بأصوات شجية، منهم الصحابي وبر بن يحنس الأنصاري.
ويؤكد الباحث والمؤرخ محمد الجنداري، في حديثه لـ"خيوط"، أنه قبل أكثر من نصف قرن كان عدد من القضاة والفقهاء يصدحون بأصواتهم للدعوة إلى الصلاة في الجامع، خاصة أبان فترة حكم المملكة المتوكلية، أمثال القاضي محمد الأكوع، ونجله القاضي محمد، وخلفهما أحفادهما لفترة طويلة.
في مساجد مدينة تريم بمحافظة حضرموت، يتم رفع الأذان عبر أصوات يتم اختيارها بعناية من قبل القائمين على تلك المساجد، ويتم رفع الصوت بعدد من الألحان والمقامات التي تتناسب مع أوقات كل صلاة على حدة، حيث اعتاد المؤذنون هناك استخدام مقامي "السيكا" و"العشق".
وعقب اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962، تولى عدد من الفقهاء والقضاة أداء الأذان في الجامع الكبير والتاريخي بصنعاء، وكان أبرزهم: أحمد الحدم، وعلي البهلولي، وأحمد درهم، والقاضي حمود السفرجل، الذي استمر أكثر من 35 عامًا في رفع الأذان بالجامع الكبير، وخلفه من بعده عدد من أبنائه، منهم هلال ومحمد، حتى وقتنا الراهن.
صوت الأذان من الجامع الكبير، المؤذن محمد السفرجل :
وفي جامع الجند الواقع في محافظة تعز تعاقب على أداء رفع الأذان عدد من العائلات التي توارثت تلك المهنة منذ بناء الجامع حتى اليوم، أبرزهم: الفقيه ثابت الذي استمر في رفع الأذان هناك لأكثر من 40 عامًا، وبعد وفاته خلفه نجله فضل الذي استمر في رفع الأذان عشرين عامًا، ومن بعده شقيقه مجيب، ومِن ثَمّ الشيخ عبدالرحمن عبده، ومن ثم عاود مجيب الفقيه رفع الأذان، وهو مستمر حتى اليوم .
رفع متوارث
خلال التاريخ المعاصر أيضًا، برزت أصوات عُرفت بقوتها وجزالة أدائها للأذان في عدد من المحافظات اليمنية، ففي محافظة صعدة اعتاد الناس هناك على صوت عبدالله الضوء. وفي مدينة تريم التي تم اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2010 من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، برز في جامع المحضار الذي بُنِيَ في أوائل القرن الرابع عشر الهجري كلٌّ من: الشيخ عمر باحرمي، حيث عمل على تأدية الأذان هناك 20 عامًا حتى أصيب بوعكة صحية منعته من الاستمرار، ليخلفه من بعده الشيخ أنيس الحبشي في العام 2015 حتى وقتنا الراهن.
في مدن ومناطق محافظة الحديدة (شمال غربي اليمن)، كمنطقة زبيد التاريخية التي تُعد أول مدينة إسلامية وعاصمة لليمن، برز عددٌ من المؤذنين الذين وصل صيتهم إلى أصقاع المعمورة، أمثال: محمد الحضرمي، ومحمد الحجري، ووهيب البرعي، وعبدالله هبة.
رابط صوت المؤذن عبدالله هبة، الحديدة:
وفي مدينة عدن عرف الناس المؤذن عبده عجينة في جامع أبان التاريخي، في حين برز في الضالع الشيخ رشاد، والحاج علي حسين الفهد، اللذان كانا يتمتعان بصوت جميل، بحسب وصف مرتادي المسجد الكبير في الضالع (جنوب اليمن).
خلال فترة ما قبل تسعينيات القرن المنصرم، لم تكن هناك قنوات فضائية في اليمن، وكان التلفزيون الرسمي محتكرًا على الحكومة شمالًا وجنوبًا، ففي تلفزيون صنعاء الرسمي كان الأذان يُبث من الجامع الكبير بصوت الشيخ حمود السفرجل، ومن ثَم بصوت الشيخ بشير الإبي من جامع الشهداء. وفي مدينة عدن كان ينقل التلفزيون هناك الأذان بصوت المؤذن عبده عجينة من مسجد أبان بن عفان في كريتر، ومسجد الضياء في شعب العيدروس.
رابط لصوت المؤذن بشير الإبي:
ألفاظ وطقوس
تختلف صيغة وألفاظ الأذان لكافة الصلوات الخمس في اليمن، ففي محافظة عدن وغالبية المناطق في جنوب اليمن، تكون الصيغة هي المتعارف عليها لدى أتباع المذهب الشافعي والحنبلي، ويتفق معهم أتباع الصوفية في مناطق تعز وإب وحضرموت، بينما تختلف في بعض مساجد صنعاء والمناطق الشمالية، حيث يزيد المؤذن عبارة "حي على خير العمل" في آخر الأذان. وفي الآونة الأخيرة منع أتباع السلفية الصلاة على النبي محمد في آخر الأذان كما هو معمول به في معظم المساجد في اليمن، كما تختلف ألفاظ الأذان لدى أتباع الطائفة الإسماعيلية في اليمن .
بالمقابل، في بعض المساجد بصنعاء، وبالأخص في الجامع الكبير، كان الأذان يُرفع بمؤذنين اثنين؛ أحدهما في المئذنة الشرقية، والآخر في المئذنة الغربية، بسبب عدم وجود صوتيات أو مكبرات للصوت.
في الوقت الراهن، يؤذن الشيخ حمود السفرجل بالصومعة الشرقية، ويتم مساعدته من قبل أبنائه محمد وهلال وأحمد وأنس، بالصومعة المربوطة بالإذاعة والفضائيات الناقلة لبث الأذان، كما يؤكد ذلك لـ"خيوط"، محمد السفرجل نجل الشيخ المؤذن حمود السفرجل.
وفي جامع الجند بمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، كانت تقام طقوس المناجاة وفيها يتم الدعاء إلى الله ومناجاته بعبارات طلب العفو والمغفرة، تلك الطقوس كانت تُقام من قبل المؤذنين في ذلك الجامع المقدس قبيل صلاة الفجر.
رابط لصوت مناجاة من جامع الجند، للمؤذن عبدالرحمن عبده:
وفي مساجد مدينة تريم بمحافظة حضرموت، يتم رفع الأذان عبر أصوات يتم اختيارها بعناية من قبل القائمين على تلك المساجد، ويتم رفع الصوت بعدد من الألحان والمقامات التي تتناسب مع أوقات كل صلاة على حدة، حيث اعتاد المؤذنون هناك استخدام مقامي "السيكا" و"العشق"، كما يتحدث الشيخ محسن بن شهاب ناظر مسجد المحضار بمدينة تريم حضرموت.
ويلفت بن شهاب في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن للمؤذنين في تريم طقوسًا تقام كل ليلة، وهي أن يصدح المؤذنون من بعد منتصف الليل بالدعاء، ويتم الدعاء بحسب تقسيم الوقت؛ الربع الأول من الليل، والربع الثاني، والنصف، وآخر الليل، كما يجتهد المؤذنون هناك في دعوة الناس وترغيبهم لأداء صلاة الفجر من خلال انتقاء أجمل الأصوات لرفع الأذان .
رابط لصوت الأذان في مسجد المحضار بتريم:
الوضع الراهن
يتطلب من المؤذن الحضور إلى الجامع قبل موعد الأذان بنصف ساعة، ويجب على المؤذن أن يكون مجتهدًا وملتزمًا بأداء الأذان خلال الصلوات الخمس، كما يجب أن يكون متفرغًا وظيفيًّا للأذان، كما يقول لـ"خيوط" الشيخ إبراهيم الحواني، مؤذن وإمام جامع الحمد بصنعاء.
ويحصل بعض المؤذنين على مرتب شهريّ من وزارة الأوقاف الحكومية ومكاتب الأوقاف بالمحافظات اليمنية، إذ يتراوح بين 10 آلاف إلى 30 ألف ريال، لذا فإن غالبية المؤذنين عادة ما تكون ظروفهم المادية صعبة، وفي بعض المساجد يتكفل بعض فاعلي الخير والميسورين من التجار بدفع مبالغ مالية معينة كإعاشة شهرية للمؤذنين.
في السياق، يرى الباحث سلام الموجري، في تصريح لـ"خيوط"، أنّ المؤذن في المجتمع اليمني لا يحظى بالمكانة التي يتمتع بها إمام أو خطيب المسجد، لأسباب غير معلومة ولا واضحة، مشيرًا إلى اختلاف نظرة اليمنيين وتعاملهم مع المؤذنين، إذ إنّ كثيرًا من الناس ينظرون إلى المؤذن نظرة "بخس" على الرغم من المكانة الكبيرة التي أشار لها الدين الإسلامي للمؤذن.
المصادر:
مصدر الصور: علي السنيدار، الجامع الكبير بصنعاء.
مصدر الصور: عبدالرحمن باجبير، جامع المحضار، تريم.