هل باعوا ما يخصهم من اليمن؟

يلتهمون الموارد وينفقونها على أتباعهم ومقاتليهم
سعيد الصوفي
July 28, 2024

هل باعوا ما يخصهم من اليمن؟

يلتهمون الموارد وينفقونها على أتباعهم ومقاتليهم
سعيد الصوفي
July 28, 2024
.

بُليَت اليمن بكارثة متعدّدة الأطراف والوجوه، ويبدو أنّ الفكاك منها سيكون صعبًا على المدى القريب، فكلُّ طرف يبدو متمسِّكًا بما يقع تحت سيطرته، ومن الصعب أن يلتقيا للبحث عن مخارج وحلول مناسبة لصالح أكثر من ثلاثين مليون مواطن، فيما زادت التدخلات الإقليمية والدولية من صعوبة هذا اللقاء، في حين أنّ الشعب اليمني أو ما يعرف بـ"الوسط العظيم"، أصبحت قدراته مشلولة، وصفوفه مفككة.

الحوثيون يسيطرون على كل موارد الدولة في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، ويأخذون الضرائب والجمارك والرسوم وإيرادات الموانئ، وعائدات أملاك الدولة المختلفة، وإيرادات واجبات الزكاة، ويفرضون إتاوات على كل الأنشطة التجارية بشكل غير قانوني، ويبنون اقتصاد الجماعة الموازي. وفي الوقت الذي يصرفون فيه مبالغ مالية كبيرة للمسؤولين المعيّنين من قبلهم، بالإضافة إلى مرتبات وحوافز شهرية للمقربين ممن يعملون في تحصيل الإيرادات المالية ومقاتليهم في الجبهات، يمتنعون عن صرف رواتب الموظفين، باستثناء ثلاثة أنصاف شهرية تصرف خلال السنة في بعض المناسبات الدينية وليس كلها، وهي مبالغ زهيدة لا تكاد تقيم أَود دجاجة، حتى يأتي موعد صرف النصف التالي من الراتب الشهري، الذي تحول تحت سلطتهم إلى مجرد حسنة سنوية. فضلًا عمّا تم سلبه مما كان الموظفون، وغيرهم من المواطنين، قد جمعوه طوال السنوات السابقة، بما في ذلك الأراضي، التي كانوا قد دفعوا قيمتها من عرقهم ودمهم، كي يتمكنوا من بناء منازل متواضعة تضمّ أبناءهم وأسرهم مِن بَعدهم، ولكن كل ذلك ذهب كسراب بقيعة، وأصبح الآباء عاجزين عن توفير السكن، ونفقات التعليم، والصحة، فضلًا عن توفير المصاريف اليومية، لأفراد أسرهم.

الحوثيون يسيطرون على كل موارد الدولة في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، وفيما يصرفون مبالغ مالية كبيرة للمسؤولين المعيّنين من قبلهم، بالإضافة إلى مرتبات وحوافز شهرية للمقربين ومقاتليهم في الجبهات، يمتنعون عن صرف رواتب الموظفين.

 ملاجئ الأقارب

في حين تقوم ما يسمى بالشرعية، بتحصيل إيرادات الدولة، من الضرائب، والجمارك، والرسوم المفروضة، من الموانئ، والمنافذ، والمطارات، وموارد إيرادات الزكاة، في المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة قوّاتها، بالإضافة إلى عائدات تصدير النفط والغاز قبل توقفها، وتصدير الأسماك إلى الأسواق العالمية، وتستقبل المساعدات والقروض الخارجية، ولا تصرف غير رواتب أتباعها والموالين لها في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، والرواتب عندها يتم صرفها على نوعين: النوع الأول يصرف بالدولار وبفئات كبيرة لمسؤولي السلطة العليا، والعاملين في السفارات خارج البلاد، وهي -أي السفارات- قد تحولت إلى ما يشبه الملاجئ، لاستيعاب الأبناء والزوجات والعشيقات، أما النوع الثاني من الراتب فيُصرف بالريال "القعيطي" الذي تضاءلت قيمته بحكم تراجعها أمام تصاعد قيمة العملات الأجنبية، حيث أصبحت قيمة الدولار في عدن الآن تفوق ما قيمته أكثر من 1800 ريال قعيطي للدولار الواحد، وما يفوق 475 ريالًا يمنيًّا قعيطيًّا، مقابل الريال السعودي، حيث أصبح الراتب الشهري لموظفي الريال "القعيطي"، لا يكاد يقيم أود أسرة واحدة بدون أبناء، فضلًا عن أُسَر مكونة من سبعة إلى عشرة أشخاص على أقل تقدير.

فيما تصدمنا الأخبار المتواترة بحصول القيادات المنضوية تحت سيطرة الحكومة الشرعية على مرتبات باهظة، تفوق مرتبات زعماء العالم، بمن فيهم زعماء مجموعة السبع الصناعية الكبار في العالم، ولا قِبَل لميزانيات اليمن، التي تعدّ أفقر دولة في العالم على الإطلاق، باستيعابها في المستقبل، حيث تشير صحيفة النداء الصادرة من القاهرة إلى أنّ ميزانية مجلس القيادة الرئاسي شهريًّا تبلغ 25.000.000 (خمسة وعشرين مليون ريال سعودي)؛ بما يعادل 6.666.666 دولار أمريكي، منها ثلاثة ملايين ريال سعودي راتب رئيس المجلس الرئاسي، بما يعادل 800 ألف دولار أمريكي، وهذا المبلغ الشهري يعادل راتب عامَين كاملَين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومليون ريال سعودي مرتب لكلّ نائب/ عضو في المجلس القيادي الرئاسي، بالشهر الواحد، وهو ما يعادل 266.666 دولار أمريكي لكل عضو تقريبًا، وهذا المبلغ يتجاوز سنويًّا راتب رئيس وزراء لوكسمبورغ، الذي يتجاوز مليون دولار بالسنة، بحسب المعلومات المتوفرة. أما المبلغ المتبقي، وهو خمسة عشر مليون ريال سعودي (15.000.000) بما يعادل 4.000.000 دولار أمريكي، فمنه مرتب مدير مكتب رئيس المجلس والسكرتير، والبقية نثريات تثير حولها الكثير من الصراعات. والمبلغ المذكور هو خارج نفقات السفريات والضيافات المقدمة لرئيس المجلس ولأعضاء المجلس القيادي الرئاسي، أثناء زياراتهم خارج البلاد.

كشوفات إماراتية

ومن جهة أخرى، هناك كشوفات صادرة عن وزارة المالية الإماراتية، تم توزيعها مؤخرًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي -إن صح ذلك النشر- ترصد رواتب قيادات المجلس الانتقالي، التي تبدأ براتب رئيس المجلس الانتقالي، المقدر بـــ335.000 دولار أمريكي، للشهر الواحد، وهي رواتب تبدأ بالصعود من 25.000 دولار أمريكي لستة أشخاص، إلى 37.500 دولار لعشرة أشخاص، ثم إلى 45.000 دولار لشخصين، و50.000 ألف دولار لشخص واحد، و145.000 دولار لشخص واحد أيضًا، وصولًا إلى 335.000 دولار، لرئيس المجلس الانتقالي، وبمبلغ إجمالي يصل إلى 1.145.000 دولار شهريًّا.

فيما يشمل الكشف الثاني القيادات العسكرية، التي تبدأ باسم شلال علي شائع، وبراتب إجمالي 95.500 دولار لثلاثة أشخاص فقط، هبوطًا إلى 72.500 دولار لشخصين، و52.500 دولار لأربعة أشخاص، وصولًا إلى 42.500 دولار لسبعة أشخاص، وبمبلغ إجمالي يقدر بــ945.000 دولار شهريًّا.

أما الكشف الثالث فهو مخصص للقيادات الإعلامية، ومعظمها تعمل على النت وشبكات التواصل الاجتماعي، ويبدأ الكشف باسم عبدالعزيز الشيخ الزبيدي، وبراتب إجمالي يقدر بــ22.000 ألف دولار شهريًّا، هبوطًا إلى 15.000 دولار شهريًّا لشخص واحد، و12.000 دولار شهريًّا لتسعة أشخاص، و6.000 دولار شهريًّا لسبعة أشخاص، وينتهي الكشف بأقل راتب، بـ3.000 دولار شهريًّا لثلاثة أشخاص فقط، ويحتوي الكشف على مبلغ إجمالي يقدر بــ1500(ألف وخمس مئة دولار). ويصل المبلغ الإجمالي للكشوفات الثلاثة إلى 2.297.500 دولار شهريًّا؛ أي مليونان ومئتان وسبعة وتسعون ألفًا وخمس مئة دولار، تصرف رواتب شهرية لقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، وعسكريِّيه وإعلاميّيه، مع ملاحظة أنّ هذه المبالغ تُصرف شهريًّا لـ59 شخصًا فقط، من بينهم ثلاث نساء في كشف الإعلاميين.

أما في المخا، فهناك ميزانية أخرى، معتمدة لما يسمى بحراس الجمهورية، وتصرف لقياديّيه وعسكريِّيه وإعلاميّيه، حيث يستلم الجنود المستجدون ألف ريال سعودي، راتبًا شهريًّا، فيما يقوم العميد/ طارق عفاش، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ببناء المدن السكنية لمنتسبِي حراس الجمهورية، ويقوم أيضًا بتوزيع مبالغَ كبيرة بالعملات الأجنبية، بالإضافة إلى سيارات فارهة، لمن يزورونه في المخا، وكل هذه الميزانيات تدفعها دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى إيرادات المناطق الواقعة تحت سيطرة ألوية حراس الجمهورية. 

كل هذه النفقات التي معظمها يأتي من دول ما يسمى بالتحالف العربي، وبالأخص السعودية والإمارات، ستقف عائقًا كبيرًا، أمام حل المشكلة اليمنية، أو التفكير في إعادة ترميم الوحدة اليمنية، أو حتى التفكير بقيام كيانَين يمنيَّين مستقِلَّين، فالتفكير بإعادة الكيان اليمني الموحد، تقف أمامه تحديات ضخمة وكبيرة.

المال العائق

وتأتي أخيرًا، ميزانية ما يسمى بالجيش الوطني، ونفقات السلطات المحلية القائمة في محافظتَي مأرب وتعز، بالإضافة إلى ميزانية الأَلْوية السلفية، وقوات درع الوطن، المشكَّلة من قبل السعودية، وهي قوة تابعة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، وتأتي ميزانيتها من موارد النفط والغاز، وإيرادات المناطق الواقعة تحت السيطرة، علاوة على التمويل والدعم المقدم من دول التحالف، وخاصة السعودية.

كل هذه النفقات، التي معظمها يأتي من دول ما يسمى بالتحالف العربي، وبالأخص السعودية والإمارات، ستقف عائقًا كبيرًا، أمام حل المشكلة اليمنية، أو التفكير في إعادة ترميم الوحدة اليمنية، أو حتى التفكير بقيام كيانَين يمنيّين مستقِلَّين، فالتفكير بإعادة الكيان اليمني الموحد، تقف أمامه تحديات ضخمة وكبيرة، لعل أهمّها عدم قدرة أيّ ميزانية يمنية مستقبلية، على تلبية هذه الرواتب الضخمة، والميزانيات المتعددة؛ ممّا سيجعل اليمن، لعدد من الأجيال القادمة، في حالة ارتهان مطلق لدول التحالف العربي ومن إليها، فهما فقط السعودية والإمارات، القادرتان على توفير هذه الرواتب الخيالية والميزانيات الثقيلة، مقابل بقاء اليمن مرتهنة لذلك. وهذا الأمر يعيد إلى الأذهان ما كان قد فعله الاحتلال البريطاني، عند قبوله باستقلال الجنوب اليمني، حيث لجأ حينها إلى رفع رواتب الموظفين قبل الانسحاب ليخنق دولة الاستقلال، وهو الأمر الذي دفع بالجبهة القومية حينها إلى القيام بتسيير المظاهرات اليومية تحت شعار "تخفيض الراتب واجب".

وأخيرًا، هل سنبقى نحن أبناء "الوسط العظيم"، الذين سُلبت رواتبنا، وفقدنا فرص العمل المناسبة، وتوقف أبناؤنا عن مواصلة دراساتهم في الجامعات والمعاهد العليا، وفقدوا مستقبلهم، هكذا متفرجين إلى ما لا نهاية؟! وما حيلتنا نحن الآباء وأولياء الأمور، الذين نقف فاقدين للقدرة، حتى على تلبية الاحتياجات الأساسية لأسرنا، بما في ذلك إيجارات المنازل التي نسكنها؟!

ولكن السؤال المركزي المطروح أمامنا الآن: هل باعت هذه الزمر القليلة، ما يخصهم من الوطن، أو أنها رهنت الوطن بما فيه، حتى آخر الزمان؟!

•••
سعيد الصوفي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English