برزت ظاهرة زواج اليمنيات من أجانب في العقد الأخير بشكل لافت ،بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها اليمن،حيث ازدادت معدلات زواج الفتيات اليمنيات من خليجيين وتحديدا من العمانيين بشكل كبير خاصة في المحافظات الحدودية كالمهرة وحضرموت، ظاهرة قد تبدو محاولة للفكاك من قبضة الوضع الاقتصادي المرير لكثير من الأسر ، لكنها تحمل في عمقها أبعاد كثيرة ،ونتائج عكسية ومدمرة.
من الحاجة لفم الوحش
عن مجمل الأسباب التي تدفع أسر كانت لا تزوج بناتها من خارج الأسرة عدا أنها تزوجهن من غير اليمنيين، تقول الناشطة المجتمعية، أروى العكبري لـ"خيوط":
"البحث عن تحسين الوضع الاقتصادي المتردي للأسرة بفعل الصراع الدائر في البلاد ،دفع أولياء أمور كثر إلى تزويج بناتهم لعرب خاصة من الجنسية العمانية الذين أتاح لهم جوارهم الجغرافي باليمن، ميزات للتواصل والدخول إلى العمق الاجتماعي في محافظتي المهرة وحضرموت تحديدا، والزواج بشروط ومواصفات ليس من بينها أي مراعاة لحقوق هؤلاء الفتيات اللواتي أصبحن بفعل غياب تفعيل قوانين ضامنة لآدميتهن وحقوقهن مجرد ضحايا للانفلات وضعف الحال".
تعاني كثير من الفتيات اللواتي سقطن في فخ هذه الزيجات ،من مسألة التأقلم مع بيئاتهن الجديدة التي قد تختلف عن بيئاتهن الأصلية كليا ، علاوة على عديد تحديات تواجهن على المدى المتوسط وما يصاحبها من استلاب لأبسط حقوقهن سواء كزوجات أو كأمهات .
الدكتور عمر باجردانه ،مدير مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية ، يسمي هذا النوع من الزيجات ، بالزواج بـ ( السياحي ) أو زواج الأجانب، ويركز على زواج الفتيات الحضرميات من العمانيين ، التي يقول ل"خيوط" أنها في أعلى مستوياتها بسبب الوضع الاقتصادي الذي قصم ظهر غالبية الحضارمة . بدأت هذه الظاهرة تنتشر بشكل واسع وملحوظ في أوساط المجتمع الحضرمي.
ألم الغربة وفداحة التعذيب
مها سعد-إسم مستعار- (18 سنة) من مدينة المكلا، ممن خضن غمار هذه التجربة، تروي ل"خيوط" ما تعرضت له بالقول:" لم أكن أتوقع البتة أني سأعيش أيام ثقيلة،كتلك التي عشتها عقب ارتباطي بزوج غير يمني، عانيت كثيرا ،تعرضت للضرب والإهانة، وحده القلق والخوف كان يتملكني،بينما كنت وحيدة منكسره بعيدا عن أهلي ووطني" .
بعد قرابة أسبوعين من عقد قراني تواصل زوجي بأهلي لإرسالي عروس إلى الحدود مع عمان ، على أنه سيكون بانتظاري هناك ،وبالفعل تمت الأمور حسب الأتفاق ، وما هي إلا أيام حتى اكتشفت أن الرجل يعاني من حالة نفسية مزمنة ،وأنه يقيد بالسلاسل ويعيش بمنزل بمفرده دون عائلته منذ زمن، ، وأنه تم تزويجه لكي أقوم بخدمته، والاعتناء به ،بصرف النظر عن المخاطر المترتبة علي
تستذكر سعد قصتها المأساوية منذ البدايات :" بعد قرابة أسبوعين من عقد قراني تواصل زوجي بأهلي لإرسالي عروس إلى الحدود مع عمان ، على أنه سيكون بانتظاري هناك ،وبالفعل تمت الأمور حسب الأتفاق ، وما هي إلا أيام حتى اكتشفت أن الرجل يعاني من حالة نفسية مزمنة ،وأنه يقيد بالسلاسل ويعيش بمنزل بمفرده دون عائلته منذ زمن، ، وأنه تم تزويجه لكي أقوم بخدمته، والاعتناء به ،بصرف النظر عن المخاطر المترتبة علي ،وهو ما جعلني أنهار وأفكر كيف أنجو بنفسي من هذا الجحيم الذي أعيشه كل ليلة".
مشهد فرار مها الحزين
ذات يوم تسنى لمها الخروج بالسر في ساعات الصباح الباكر ، خرجت خائفة كطريدة تتلفت يمنة ويسرة في طريق لا تعرفه، لكن السير في طريق مجهول كان خيارها للنجاة على أن تكمل حياتها مع زوج يسقط عقده النفسية عليها، أختبأت مها في كيس كبير مخصص للخضار على متن سيارة نقل خضار ، وفور وصوله المركبة للسوق العام في المدينة هربت دون أن يشعر بوجودها أحد، بعدها تواصلت مع أهلها لإنقاذها".
ما تزال التجربة عالقة في نفس مها، تاركة ندوب عميقة لم تتعافى ، وحدها الخيبة والخوف والقلق، ملازم لنظرتها للحياة.
مخاطر محتملة قد تفكك المجتمع
كثير من هذه الزيجات يتم دون وجود ضمانات قانونية كافية ، على الرغم أن القانون اليمني يشترط موافقة وزارة الداخلية والخارجية، ووضع عدة شروط من بينها التحقق من سلامة طالب الزواج العقلية، وحسن سيرته وسلوكه ، إلى جانب تحديد الفارق العمري بحيث لا يتجاوز الفارق 20 سنة ،لكن هذه الضوابط يتم الالتفاف عليها خاصة في العقد الأخير نتيجة غياب الدور الرسمي للحكومة ،وضعف الرقابة على الأمناء الشرعيين، إذ هناك الكثير من هؤلاء يعقدون الزواج دون توثيقه لدى وزارة العدل والداخلية".
باجردانه يسرد عدد من العواقب والآثار الوخيمة المترتبة على هذه الزيجات سواء على الأفراد أوالمجتمع ،في مقدمتها قضية الاعتراف بالأبناء ثمرة هذا الزواج، سيما وأن كثير من الحالات يتم تزويجهن دون استكمال الإجراءات القانونية والرسمية،ما يعني ضايع حقوق هؤلاء الأبناء.
ويتابع :" ناهيك عن الحقيقة المغايرة والمرة في كثير من الأحيان التي تواجهها الفتاة منفردة في مجتمع غريب، وما يتلو ذلك من رحلة بحث عن الأنفصال أو الهروب دون الظفر بأبسط الحقوق ، إلى جانب تفشي ظاهرة التفكك الأسري وازدياد حالات الأطفال المواليد غير المعترف بهم، وليسوا في السجلات الرسمية لبلدي الزوجين ".
متاجرة وارتزاق بأحلام الفتيات
هذه الظاهرة شكلت مصدر كسب سريع وسهل لبعض الناس الذين عملوا كسماسرة ودلالين ،إذ لم تقتصر الدلالة بالفترات على فئة النساء ،بل أخرى فيها حتى الأمناء الشرعيين كانوا جزء من انتشار هذه الظاهرة، لأنهم يقوموا بتوثيق زيجات دون استيفاء الشروط الرسمية، مما يجعل بنات العائلات محدودة الدخل و المعدمة عرضة للبيع والشراء في تصرف مشين يدل على مدى انتهاك حقوق المرأة وفي مقدمتها مصادرة حقها في الاختيار والقبول، والعيش بحرية وكرامة .
لم تقتصر الدلالة بالفترات على فئة النساء ،بل أخرى فيها حتى الأمناء الشرعيين كانوا جزء من انتشار هذه الظاهرة، لأنهم يقوموا بتوثيق زيجات دون استيفاء الشروط الرسمية، مما يجعل بنات العائلات محدودة الدخل و المعدمة عرضة للبيع والشراء في تصرف مشين يدل على مدى انتهاك حقوق المرأة وفي مقدمتها مصادرة حقها في الاختيار والقبول، والعيش بحرية وكرامة
من جانبه يشير القانوني، ماجد بن جعه، إلى وجود ثغرات قانونية تواجهها الفتيات اليمنيات المتزوجات بأجانب تتجلى بوجود اختلافات في الدين والمذهب، وهو ما يعقد الإجراءات القانونية اللازمة لانتزاع حق أو المطالبة بحضانة أو نفقة أو أي من هذه الأمور التفصيلية.ويتابع بن جعه حديثه ل"خيوط":"نحن كقانونيين ننصدم بواقع بدائي لا يوجد فيه أدنى المتطلبات القانونية ،وبالتالي نجد صعوبة بالغة في توثيق الزواج دوليا، وتصعيد الدعاوي القضائية ، وتنفيذ الأحكام وما إلى ذلك ".
وأضاف :" تُعد القوانين اليمنية المتعلقة بالأحوال الشخصية في بعض الأحيان قديمة وتحتاج إلى تعديل، خاصة فيما يتعلق بالزواج من الأجانب ،إذ يجب أن تتضمن نصوصا واضحة وصريحة تكفل للمرأة حقوقها بعد الزواج ،والنظر فيما قد تواجهه من صعوبات أثناء التقاضي،في حال كان الزوج يقيم في دولة لا توجد بها علاقات قانونية قوية مع اليمن" .
ويعلق بن جعه على إنه يتم استغلال الوضع الاقتصادي السيء للفتيات وعائلاتهن لترتيب زواج سريع مع رجال من الخارج دون دراسة معمقة أو ضمانات قانونية ، وفي بعض الأحيان، يتم إغراء العائلات بمبالغ مالية أو وعود بتحسين الوضع الاقتصادي، ولكن غالبًا ما يؤدي ذلك إلى مشكلات قانونية واجتماعية كبيرة لاحقًا.
ويقدم بن جعه عدداً من الحلول والتوصيات المقترحة منها تشديد القوانين المتعلقة بالزواج من الأجانب حيث يجب وضع شروط صارمة لضمان حقوق المرأة في حال حدوث أي نزاع، مثل توثيق الزواج بشكل صحيح وتحديد شروط النفقة والحضانة قبل الزواج، إلى جانب التوعية القانونية والحقوقية بما يساهم في تعزيز الوعي بمتطلبات الإقدام على خطوة كهذه، إلى جانب تعزيز التعاون القضائي مع دول أخرى لتسهيل تنفيذ الأحكام المتعلقة بالزواج والنفقة ، وإنشاء مراكز قانونية مختصة تدعم النساء اللواتي يعانين من مشكلات قانونية.
مؤشرات تنذر بكارثة
وكان مركز المعرفة والدراسات والأبحاث الاستراتيجية نفذ دراسة حول الزواج السياحي ( المختلط) على نطاق محافظة حضرموت في 17 أغسطس/آب 2023، أشار فيها إلى أنّ الزواج من جنسيات أخرى في اليمن بشكل عام، وفي حضرموت على وجه الخصوص لم يكن حديث الظهور، بل له جذور تاريخية ، لكن تزايد عدد الزيجات من جنسيات أخرى، خاصة من دول الخليج مؤخرا له علاقة بالصراع السياسي الدائر والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد إذ تراجع الريال اليمني مقابل الريال السعودي حتى 370 ريال، وأكثر من 1140 مقابل الدولار الأمريكي.
وهو ما يفسر الإحصائيات الكبيرة لعدد زيجات اليمنيات من أجانب في محافظة حضرموت، التي بلغت 167 زيحة خلال عامي 2018 /2019 فقط ، و45 زيجة سنة 2020، و67 في 2021 ، إلا أنّ العدد تراجع إلى 39 حالة خلال (2022، وكل هذه الإحصائيات هي التي تم رصدها عبر الأطر القانونية ،وماعدا ذلك أضعاف لم يتم توثيقها نتيجة الأسباب سابقة الذكر.
ونوهت الدراسة أن معظم الزيجات بأجانب ، يتقدم بها طالبو زواج من فئة كبار السن، وهم عادة ما يبحثون عن فتيات قاصرات في السن، وبحسب الاستبانة لمركز المعرفة والدراسات اتضح بإنّ أعمار الأزواج الذين تزوجوا من فتيات تتراوح أعمارهم ما بين (30-40 و40-50) فأكثر.