منذ قرابة عقد، طغى المناخ الحربي في اليمن على غيره من مناخات الحياة، فصنع فجوة كبيرة، تمثلت في تفاوت واضح بين التطلعات العالمية نحو تحسين البقاء على الكوكب، والاهتمام المحلي الغارق في النجاة من الموت، في هذه الفجوة عاش المجتمع تراجعًا كبيرًا عن قضايا ذات اهتمامات إقليمية ودولية، مثل التغيرات المناخية، التي أصبحت مثار نقاشات يومًا بعد آخر في سبيل إيجاد حلول لمشكلاتها التي تحوط العالم برمته. ولهذا الغرض يقام سنويًّا مؤتمرًا عالميًّا للمناخ، تسبقه فعاليات في كل دول العالم، باستثناء البلدان الغارقة في الحروب والفوضى مثل اليمن، والتي التحقت هذا العام بمؤتمر شبابي عن المناخ، جزءٌ منه واقعي، والجزء الآخر افتراضي، في اول مواكبة للحدث بعد انقطاع دام ثمانية عشر عامًا.
مبادرة شبابية
خلال قرابة عقدين، كان هناك القليل من الأنشطة المتعلقة بالمناخ في اليمن، غير أنّ مبادرة شبابية كبيرة التقطت الحدث العالمي وأقامت مؤتمرًا في صنعاء، ولم يكن هذا المؤتمر من باب المواكبة فحسب، بل لإظهار قضايا هي في عمق الطبيعة المناخية لليمن.
عن هدف المؤتمر، يقول طارق حسان، منظم الحدث: "يهدف في الأساس إلى تمكين الشباب في هذا المجال الحيوي، وخلق منصة تقدم معرفة كاملة بشأن مواضيع التغيرات المناخية، وآلية مواجهة آثار هذه التغيرات، ووضع استراتيجيات لتقديم حلول من شأنها التخفيف، والتكيف مع المستجدات".
ويضيف طارق بأن المؤتمر قد حقّق نجاحًا ملموسًا من خلال تمكين مئات الشباب من مقاربة مواضيع كالأمن الغذائي، والتصحر، والأمن المائي، مع مناقشة الابتكارات التي يمكن القيام بها لمواجهة التغيرات المناخية.
كما أنّ مؤتمر المناخ حدث سنوي يقام في بلد ما، لكن، قبل ذلك، تقام مؤتمرات صغيرة في باقي البلدان، بدعم من مكون الشباب لدى اتفاقية الأمم المتحدة للأطراف، وضمن ذلك، أقيم مؤتمر المناخ في اليمن لأول مرة بعد أن سبق إقامته في بلدان العالم خلال السنوات العشرين المنصرمة.
عن أهمية الحدث، تقول أمينة بن طالب، وهي ناشطة بيئية، ومهتمة بقضايا المناخ: "اليمن ما زالت متأخرة في إقامة مؤتمرات تخص المناخ، وإقامة مؤتمر "إلكوي" لأول مرة في اليمن شيء جميل، وكان بالضرورة إقامته لالتحاق اليمن بالقضايا الدولية والإقليمية، وأهميته أنه سيساعد الشباب في فهم التغيرات المناخية بشكل أوضح، ويعرفون لماذا تقام أساسًا هذه المؤتمرات، ويمكِّنهُم بعد الحصول على هذا التصور، من أن يساعدوا على تقديم حلول".
بلد زراعي مثل اليمن يعتبر ضمن الدول التي تتضاعف فيها تهديدات الجفاف، وتدهور المخزون المائي، مما ينذر بأخطار على الأمن الغذائي والأمن المائي.
دولة متضررة
أهمية ما يدور حاليًّا في اليمن، من أنشطة، وفعاليات، تتمثل في تقديم صورة مكتملة عن الوضع المناخي، تتحدث عن ذلك أمينة بن طالب، قائلة: "صحيح اليمن لا تساهم في التلوث المناخي العالمي، ولكنها من الدول الأشد تضررًا من مخلفات الدول الأخرى، وتعيش أزمات مناخية، وفي الآونة الأخيرة تعرضت للكثير من الكوارث المناخية، منها: الأعاصير، والفيضانات، والأمطار الشديدة، بالإضافة إلى تغير كبير في درجة الحرارة بالصيف، والشتاء". وتضيف أمينة بأن بلدًا زراعيًّا مثل اليمن يعتبر ضمن الدول التي تتضاعف فيها تهديدات الجفاف، وتدهور المخزون المائي، مما ينذر بأخطار على الأمن الغذائي، والأمن المائي.
خطة طارئة
كما هو معروف، تعتبر اليمن ضمن الدول التي تأثرت بالتغيرات المناخية، عن ذلك يقول طارق حسان، عن الأولوية التي يمكن القيام بها لمعالجة الضرر الحاصل: "يجب وضع خطة وطنية طارئة لمواجهة أثار التغيرات المناخية، طبعًا هناك أعاصير، هناك فيضانات، ضربت البلد بشكل مروع خلال السنوات الماضية، مما سببت أضرارًا كبيرة، يتم ذلك مع العمل على مشاريع واقعية من شأنها أن تواجه أي خطر قادم، ويتم ذلك من خلال الدولة، مع شركائها من أصحاب المصلحة، المتمثل بالمنظمات الدولية والمحلية، والمجتمع الدولي بشكل عام".
وسائل وقاية
لمواجهة التغيرات المناخية في الوقت الحالي، يتطلب الأمر مساهمة جماعية من كافة الأطراف، لكن السؤال: ما هي الوسائل التي من شأنها تقديم حلول للمشكلة؟ يجيب عن ذلك طارق حسان، بقوله: "هناك وسيلتان؛ الأولى تتمثل بالتوعية والمناصرة من قبل الفاعلين من ناشطين، ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك الدولة، والإعلام البيئي، والأفراد بشكل عام، الوسيلة الثانية: وضع خطة جاهزة من قبل الدولة بالتنسيق مع المنظمات الدولية، وكذلك الصناديق الدولية التابعة للبنك الدولي، للقيام بمشاريع كبنية تحتية تسهم في مواجهة آثار التغيرات المناخية".
وعن المساهمات الآنية، والتي يجب القيام بها، تقول أمينة بن طالب بأنه يجب تعزيز الأمن الغذائي، والمائي عن طريق ترشيد الري من خلال تسخير التكنولوجيا، والوسائل الحديثة، وتضيف: "وكذلك إتاحة فرصة للشباب من خلال تشجيعهم على الابتكارات المساهمة في تحسين المناخ بكل جوانبه، وكذلك في ابتكارات من شأنها الاستفادة من المخلفات بكل أنواعه، وتحويلها إلى طاقة، ومواد جديدة مفيدة، وكذلك تعزيز السياحة البيئية من خلال استغلال التنوع الجغرافي، والمناخي".
مشاريع جديدة
لأن مفهوم التغيرات المناخية جديد إلى حد ما، وما زال من ينشط فيه قلة؛ من المهم تقديم رسالتهم إلى الجميع في كيفية الاستفادة من التوجه العالمي بشكل إيجابي، ومفيد، عن ذلك تقول أمينة بن طالب: "هناك توجه كبير للبيئة، ولحل مشكلات التغيرات المناخية، وهذا ملاحظ في كل ما حولنا، وهناك مشاريع جديدة أصبحت تمضي في هذا التوجه، ويرافقه وعي ينمو؛ لذا، من المهم المضي فيما يفيد البلد، ويساعد على تحسين البيئة الطبيعية لليمن، ورسالتي للسلطات؛ من المهم سن بعض القوانين، مثل منع استيراد البلاستيك، مع إعطاء فرصة للشباب من خلال تمويل بعض المشاريع، وتبني الأفكار الجديدة".
طارق حسان يطلب من المنظمات المحلية بناء قدراتها في مجال مشاريع التغيرات المناخية والبيئية بشكل عام، ويتمنى من المنظمات الدولية زيادة الدعم في هذا الجانب لتنفيذ مشاريع تستهدف البنية التحتية للبلد؛ كون اليمن ضمن البلدان المتضررة، مع بناء قدرات المؤسسات المحلية حتى تكون لديها القدرة لتنفيذ مشاريع تستطيع مواجهة التغيرات المناخية". ويضيف أنه، وخلال مؤتمر المناخ العالمي، سيكون هناك نقاش لإنشاء صندوق الأضرار والخسائر، ويتمنى أن تحصل اليمن على نصيبها منه.
في الأخير، تعتبر كل مساهمة في هذا التوجه مهمة للغاية، لِمَا من شأنها أن تترك أثرًا، ستأتي نتائجه مستقبلًا مع التراكم الذي قد يحصل؛ لأن اليمن من ضمن البلدان التي لا تعيش وضعًا مناخيًّا مطمئنًا، ومتأثرة بالتغيرات المناخية التي تحصل مؤخرًا، وفي قوانين المناخ، ما قد يبدو اليوم بسيطًا، سيكون في الغد كارثيًّا؛ لذا، تكمن أهمية هذا الحراك، في تعزيز الابتكارات الفردية، والتوجه الرسمي للحد من أي مخاطر مستقبلية.