"الحزب الاشتراكي اليمني" وذكرى التأسيس

تجربة سياسية اختزلت تضاريس البلاد الوعرة وأجواءها المتقلبة
فؤاد مسعد
October 14, 2024

"الحزب الاشتراكي اليمني" وذكرى التأسيس

تجربة سياسية اختزلت تضاريس البلاد الوعرة وأجواءها المتقلبة
فؤاد مسعد
October 14, 2024
.

في الحديث عن الحزب الاشتراكي اليمني وتأسيسه، لا يمكن إغفال ارتباط قياداته التاريخية ومؤسسيه الأوائل بثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963، وكونه جاء امتدادًا للثورة والثوار الذين تبنوا مواجهة أعتى إمبراطورية استعمارية في النصف الثاني من القرن العشرين.

كان قد تأسس أواخر الخمسينيات الفرع اليمني لحركة القوميين العرب، وفي أغسطس 1963 عقدت قيادة الفرع اجتماعًا لها في صنعاء، وأقرّت خلاله تشكيل "الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني"، التي تبنّت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وأعلنت مسؤوليتها عن انطلاق الثورة التي أشعلها في جبال ردفان الشيخ الشهيد غالب بن راجح لبوزة. وكانت الجبهة القومية تتكون من خليط من التيارات الفكرية، يجمعها هدفٌ واحد يتمثل في النضال ضد الاستعمار الأجنبي وتحرير الجنوب. وأعلنت الجبهة أنها "ليست تنظيمًا حزبيًّا، بل إنها جبهة مفتوحة أمام كل وطني يؤمن بالكفاح المسلح" (الحركة الوطنية اليمنية، سعيد الجناحي). 

عبد الفتاح اسماعيل متوسطا مقبل وانيس حسن يحي

بعد استقلال الجنوب وتأسيس دولته بقيادة الجبهة القومية عام 1967، عقدت الجبهة مؤتمرات ومراجعات عدة؛ أهمُّها المؤتمر الرابع للجبهة عام 1968، وهو أول مؤتمر تعقده الجبهة بعد استيلائها على السلطة، وأفضت تلك المراجعات إلى تبني التوجه الماركسي اللينيني، واستبعاد المناوئين لهذا التوجه.

في أكتوبر 1978، انعقد المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي اليمني، بدمج فصائل اليسار اليمني (التنظيم السياسي للجبهة القومية، وحزب الوحدة الشعبية)، وأصبح الحزب يضم كل فصائل اليسار في شمال الوطن وجنوبه، مع ملاحظة أن الاشتراكيين الموجودين في شمال اليمن كانوا يواجهون أوضاعًا صعبة بسبب المواجهات مع السلطة الحاكمة. 

من التنظيم الموحد إلى الحزب الواحد

في السبعينيات، حملت قيادة الجبهة القومية على كاهلها مهمة توحيد فصائل اليسار في كيان سياسي واحد، فعقدت المؤتمر التوحيدي في أكتوبر 1975، واندمجت التنظيمات الثلاثة: الجبهة القومية، والاتحاد الشعبي الديمقراطي بقيادة عبدالله باذيب، وحزب الطليعة الشعبية (البعث سابقًا) بقيادة أنيس حسن يحيى، في مكون سياسي واحد هو التنظيم السياسي الموحد- الجبهة القومية.

في شمال اليمن، كانت قد برزت خمس فصائل يسارية، هي: الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، والاتحاد الشعبي الديمقراطي، وحزب الطليعة الشعبية، وحزب العمل، ومنظمة المقاومين الثوريين. وفي منتصف السبعينيات، اجتمع ممثلون عن الأحزاب الخمسة، وشكّلوا لجنة للحوار والتنسيق، على طريق التوحد، وذلك بالتوازي والتوافق مع قيادة التنظيم السياسي للجبهة القومية، تمهيدًا للتوحيد النهائي لجميع فصائل اليسار اليمني في الجنوب والشمال، حيث انعقد اجتماع في عدن ضم ممثلين عن كل فصائل اليسار، وأقر توحيد أحزاب اليسار على مستوى اليمن، وتوحدت فصائل اليسار في الشمال، في حزب جديد هو حزب الوحدة الشعبية.

المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي

وفي 11–13 أكتوبر 1978، انعقد المؤتمر العام الأول للحزب الاشتراكي اليمني، بدمج فصائل اليسار اليمني (التنظيم السياسي للجبهة القومية، وحزب الوحدة الشعبية)، وأصبح الحزب يضم كل فصائل اليسار في شمال الوطن وجنوبه، مع ملاحظة أن الاشتراكيين الموجودين في شمال اليمن كانوا يواجهون أوضاعًا صعبة بسبب المواجهات مع السلطة الحاكمة في صنعاء، وبسبب حظر الأنشطة الحزبية بشكل عام، وملاحقة اليساريين ضمن موجة العداء والخصومة التي لازمت السلطة الحاكمة منذ أحداث أغسطس 1968، مع أن وتيرة العداء والمواجهات بين الطرفين كانت تخف في فترات زمنية محددة، خصوصًا في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي تولى السلطة في يونيو 1974، وبدأ خطوات التقارب مع السلطة الحاكمة في عدن، على طريق الوحدة اليمنية، قبل أن يتعرض للاغتيال في 11 أكتوبر 1977، عشية سفره إلى عدن للاحتفال بذكرى ثورة أكتوبر وتسريع إجراءات توحيد شطري اليمن.

مع أن الاشتراكي رفع شعار الوحدة اليمنية باعتبارها امتدادًا للثورة اليمنية سبتمبر 1962، وأكتوبر 1963، وتتويجًا لنضال اليمنيين خلال الفترة الماضية، وحَكَم جنوب اليمن قبل تحقيق الوحدة، غير أنه واجه الكثير من المعوقات والعراقيل ارتبط بعضها بالخلافات والصراعات الداخلية بين قيادات الحزب وداخل مؤسسات الدولة التي يقودها، وارتبط بعضها الآخر بالظروف والتحديات الخارجية، والصراعات التي اقترنت بها ونجمت عنها، خاصة أن الحزب الاشتراكي انفرد –على مستوى المنطقة العربية– في تبني الفكر الماركسي والارتباط بالمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي، ما جعله في حالة عداء واستنفار في مواجهة خصوم المعسكر الشرقي والأفكار الشيوعية، وفي مقدمتهم دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية- أبرز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وكان لها نفوذٌ قوي على صناع القرار في سلطة صنعاء، ما يعني وجود حدود تماس بين المعسكرين الشرقي والغربي، في الحدود بين شمال اليمن وجنوبه.

بعد حرب صيف 1994، أبدى الاشتراكي حينها قدرًا كبيرًا من التماسك، وعقد مؤتمره الرابع، وآلت قيادته إلى شخصية استثنائية ممثلة بالمناضل علي صالح عباد (مقبل)، الذي استطاع أن يقود الحزب ويحافظ على وحدته التنظيمية وقراره السياسي في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة.

تحديات الاشتراكي في عقده الخامس

بعد أربع سنوات، سيكون قد مضى من عمر الحزب الاشتراكي خمسون عامًا، أي نصف قرن قضاها في تضاريس البلاد الوعرة وأجوائها المتقلبة.

وقد واجه الحزب الاشتراكي تحديات كثيرة جراء الصراعات التي نشبت داخله من جهة، وبسبب التغيرات التي طرأت من حوله على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، حتى شارك في تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، ودخل في شراكة سياسية حكمت الفترة الانتقالية لليمن الموحد ثلاث سنوات، قبل أن تتعرض هذه الشراكة للاهتزازات العنيفة التي أفضت إلى نشوب الحرب في صيف العام 1994، ثم إبعاد الحزب الاشتراكي، بكونه شريكًا في الوحدة، وملاحقة عناصره والتضييق عليهم.

أبدى الاشتراكي حينها قدرًا كبيرًا من التماسك، وعقدَ مؤتمره الرابع، وآلت قيادته إلى شخصية استثنائية ممثلة بالمناضل علي صالح عباد (مقبل)، الذي استطاع أن يقود الحزب ويحافظ على وحدته التنظيمية وقراره السياسي في ظروف بالغة التعقيد والصعوبة.

المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي

بالإضافة إلى نجاح الحزب في المحافظة على وحدته، نجح أيضًا في نسج علاقات بدأت بالتنسيق مع أحزاب المعارضة ثم تطورت إلى التحالف والتكتل ضمن "اللقاء المشترك" الذي ضم إلى جانب الاشتراكي خمسة أحزاب، مثلت التيار الإسلامي (حزب الإصلاح)، والناصريين والبعثيين، وحزبي الحق واتحاد القوى الشعبية. غير أنه مُنيَ بخسارة فادحة عندما تعرض أمينه العام المساعد القيادي البارز جار الله عمر للاغتيال برصاص أحد المتطرفين في أواخر العام 2002، وفيما بدا أن الضربة الموجعة كان يراد منها التخلص من شخصية قيادية جامعة وفذة، وضرب حزبه الاشتراكي، ثم النيل من تكتل اللقاء المشترك بالنظر إلى وقوع الاغتيال أثناء انعقاد المؤتمر العام الثالث لحزب الإصلاح، وبعد ما أنهى جار الله كلمته التي أكد فيها أن اللقاء المشترك أصبح إحدى حقائق الحياة السياسية.

بعد الثورة الشعبية اليمنية التي اندلعت بداية العام 2011، تمكن الاشتراكي من تعزيز حضوره السياسي والإعلامي ضمن القوى والتكتلات الثورية، عدا وجوده في اللقاء المشترك الذي أعلن دعم الثورة، بيد أن مؤتمر الحوار الوطني وما أعقبه من أحداث وتطورات، كان لها أثرها الكبير على مختلف القوى السياسية، بما فيها الحزب الاشتراكي اليمني، الذي بات –مثل بقية التنظيمات السياسية- محكومًا بواقع التجزئة والتمزيق الذي ينشب أظافره في رقعة اليمن منذ نحو عشر سنوات، وعلى الرغم من تماسك قيادة الحزب ضمن القوى السياسية المؤيدة للحكومة المعترف بها دوليًّا، فإن بعض القيادات الاشتراكية –خصوصًا الموجودين في مناطق سيطرة الحوثيين – لهم موقف آخر، والأمر نفسه يكاد ينطبق على شخصيات اشتراكية بدت متماهية مع مشاريع ورؤى تقف على النقيض من الحزب الاشتراكي وموقفه ورؤيته. 

وهناك تحديات تطال القضايا الرئيسية التي دافع عنها الاشتراكي منذ تأسيسه، باعتباره حامل راية اليسار اليمني، وعلى كاهله تقع المهام المرتبطة بالعمّال والفلاحين والمرأة، وغيرها من القضايا المتصلة بحياة المجتمع التي تراجعت كثيرًا في السنوات الأخيرة بسبب الحرب والصراعات المسلحة التي شلت قدرة القوى والأحزاب السياسية، وأجبرتها على الانخراط في أتونها، وهو وضعٌ يتعين على القوى الوطنية العمل طويلًا للخروج منه إلى فضاء العمل السياسي وفي الأجواء الطبيعية التي تكون فيها المنظومة السياسية قادرة على إدارة خلافاتها بطريقة سلمية وفي ظروف آمنة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English