يمن موبايل؛ في الميزان

بيانات وحسابات الشركة تحت المجهر
صفية مهدي
December 31, 2024

يمن موبايل؛ في الميزان

بيانات وحسابات الشركة تحت المجهر
صفية مهدي
December 31, 2024

لا تكاد تمر أسابيع دون أن تتصدر شركة يمن موبايل تعليقات اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها الشركة الوطنية الأكبر والأوسع انتشارًا، الأمر الذي يجعلها محط الأنظار والتقييمات وحتى الإشاعات. بينما تحاول الشركة أن تتجنب الجدل قدر الإمكان، فإنها في الوقت نفسه، تصدر توضيحات بين الحين والآخر، وتحافظ على موقعها في الصدارة من حيث تقديم الخدمات، على الأقل مقارنة ببقية الشركات العاملة في اليمن.

وعقب الإعلان عن زيادة في أسعار باقات الإنترنت الفترة الماضية، تحولت "يمن موبايل" إلى حديث الساعة، حيث واجهت موجة من الانتقادات مقابل تبريرات تدافع عن الشركة، وترى أن الزيادة لها مبرراتها. لكن أم مرام، البالغة من العمر 37 عامًا، ما تزال تشكو من قيام الشركة بإلغاء "الباقة" بعد شرائها بمبلغ 1300 ريال. هذه الحالة تعد واحدة من بين العديد من الشكاوى المتداولة، التي تتضمن أيضًا انتقادات حول سحب "الرصيد". 

في هذا الصدد، سألت "خيوط" جبريل محمد، أحد العاملين في محال الهواتف، عن حقيقة ما يتردد، فأفاد أن ذلك يحدث عندما يكون المستخدم مدينًا بتسديد خدمة شهرية مثل النغمات أو غيرها، وعند قيامه بتسديد قيمة الباقة فقط، تلغي الشركة الاشتراك وتخصم الرسوم، ثم تعيد ما تبقى كرصيد.

في ضوء التساؤلات التي أثيرت مع حديث رفع الأسعار عن باقات الإنترنت؛ توجهت مُعِدّة التحقيق إلى تحليل البيانات الرسمية للشركة الخاصة بالإيرادات وغيرها، للحصول على إجابات بشأن "يمن موبايل"، التي تُعد شركة الهاتف النقال الوحيدة التي ما تزال تعمل في كل مناطق اليمن، على عكس بقية الشركات، مثل "سبأفون" التي انقسمت بين إدارتين أو "يو" -إم تي إن سابقًا- التي تعرضت للإغلاق في عدن ومدن أخرى

البداية صوب الصدارة

تأسست "يمن موبايل" في العام 2004، وهي أول شركة هاتف نقال حكومية في اليمن، بصفتها استثمارًا تابعًا للمؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية، وقدمت خدمات CDMA بسعر أقل وخدمات أوسع. 

تتفق أغلب الآراء، على الأهمية التي تمثلها "يمن موبايل"، وعلى الظروف الصعبة التي تحاول أن تعمل خلالها الشركة، وتحاول الحفاظ على موقعها بكونها شركة رائدة في التغطية بكل مناطق اليمن، وصولًا إلى الخدمات، في ظروف سياسية وأمنية غير مستقرة، لكن ذلك لا يجعل من كل ما تتخذه أمرًا مبررًا في جميع الأحوال.

في يوليو 2006، بدأت إجراءات تحويل يمن موبايل للهاتف النقال إلى شركة مساهمة يمنية عامة، بموجب قانون الشركات التجارية اليمني رقم (22) لسنة 1997، وتعديلاته.

وتم إشهارها رسميًّا في يناير 2007، بصفتها شركة مساهمة عامة برأس مال قدره 43 مليار ريال يمني، موزعة على أسهم بقيمة 500 ريال للسهم الواحد.

رأس المال وهيكل المساهمين

وفقًا لبيانات الشركة التي قامت "خيوط" بمراجعتها وتحليلها، وصل رأس مال "يمن موبايل" مع العام 2023، إلى 86 مليارًا و524 مليون ريال يمني، مسجلة في 40 ألفًا و985 شهادة، حيث أظهرت البيانات وجود أربع فئات من المساهمين:

  • فئة المؤسسين (المؤسسات والهيئات الحكومية): تمتلك أكثر من 66 مليونًا و157 ألف سهم، تتصدر فيها المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية بنسبة تقارب 60%.
  • فئة الأفراد (المواطنون): تمتلك أكثر من 11 مليون سهم مع نهاية العام 2023، وتمثل ما يقرب من 13% من إجمالي الأسهم.
  • فئة الشركات وما في حكمها: تمتلك أكثر من 6 ملايين و855 ألف سهم، تمثل 7.92% من إجمالي الأسهم.
  • فئة موظفي قطاع الاتصالات: تمتلك أكثر من مليونين و229 ألف سهم، بما يعادل 2.74% من إجمالي الأسهم.

الأداء المالي للشركة 

أظهرت البيانات التي قامت معدة التحقيق بتحليلها، تزايدًا مطّردًا في إجمالي إيرادات الشركة السنوية، منذ العام 2009، لتصل ذروتها في العام 2023، الذي بلغت إيراداته ما نسبته 15% من إجمالي الإيرادات طوال هذه السنوات. 

ووفقًا للبيانات، تتنوع إيرادات الشركة بين النشاط التجاري، والمبيعات، والعائد من الأموال المستثمرة. بلغ إجمالي الإيرادات للفترة (2009-2023) تريليونًا و661 مليارًا و563 مليونًا و370 ألف ريال، محققًا زيادة بنسبة 85% بين عامي 2009 و2023. هذا النمو يعكس قدرة الشركة على الاستفادة من فرص السوق وزيادة دخلها على الرغم من التحديات الاقتصادية.

في مقابل هذا الارتفاع في الإيرادات، شهدت المصروفات أيضًا زيادة ملحوظة خلال الفترة (2012-2023). ففي عام 2012، بلغت المصروفات 45% من الإيرادات، بينما ارتفعت إلى 72% في عام 2023. هذه الزيادة في المصروفات تشير إلى ارتفاع تكاليف التشغيل والخدمات، مما أثر بشكل مباشر على صافي الربح.

ضرائب وزكاة وأرباح

بتحليل بيانات الأداء المالي للفترة من 2012 إلى 2023، نجد أن ضريبة الدخل والزكاة تزايدت بشكل طردي مع مرور السنوات، حيث بلغ إجمالي ضريبة الدخل خلال هذه الفترة 289 مليارًا و609 ملايين و340 ألف ريال، بنسبة تغير بين العامين 2012 و2023 وصلت إلى 254%، وقد احتل العام 2022 المرتبة الأولى بمبلغ 34 مليارًا و674 مليونًا و260 ألف ريال، بنسبة 12% من إجمالي الفترة. في المقابل، كان العام 2012 الأقل بمبلغ 9 مليارات و193 مليونًا و290 ألف ريال.

أما مصروفات الزكاة، التي ارتفعت هي الأخرى بشكل لافت، فقد وصل إجماليها خلال الفترة إلى 41 مليارًا و574 مليونًا و128 ألف ريال، بنسبة تغير بين العامين 2012 و2023، بلغت 210%، حيث تصدر الحصيلة، العام 2020 بمبلغ 7 مليار و756 مليون و317 ألف ريال، ما يمثل تقريبًا 19% من إجمالي الفترة، في مقابل العام 2013 الذي كان الأدنى بمبلغ مليار و380 مليونًا و994 ألف ريال، بنسبة 3%.

وعلى صعيد الأرباح، نجد بعض المفارقات، فعلى الرغم من كون العام 2023 هو الأعلى من حيث الإيرادات، فإن العام الذي سبقه كان الأعلى في الأرباح، حيث تصدر العام 2022 المرتبة الأولى بمبلغ 44 مليارًا و619 مليونًا و222 ألف ريال، بنسبة 13% من إجمالي الأرباح بين عامي 2012 و2023، البالغة 332 مليارًا و857 مليونًا و102 ألف ريال، وقد جاء العام 2015 في فئة الأدنى ربحًا بمبلغ 19 مليارًا و469 مليونًا و924 ألف ريال، بنسبة 6%.

نصيب السهم الواحد

تأرجحت قيمة الربح الموزع للسهم الواحد بين الزيادة والنقصان، حيث بلغت ذروتها في عامي 2010 و2023، بمبلغ 200 ريال للسهم، وأقل قيمة كانت 150 ريالًا في الأعوام 2013 و2015 و2016 و2017. هذا التأرجح يعكس تأثير العوامل الاقتصادية والسياسية في قدرة الشركة على توزيع الأرباح بشكل مستدام. لكن اللافت أن قيمة السهم، لم يشهد زيادة تتناسب مع التغييرات في سعر العملة وارتفاع إيرادات الشركة. وقد توجّهت مُعدة التحقيق للشركة بأسئلة في هذا الشأن، إلا أنها أفادت بوجود توجيهات بعدم إطلاق تصريحات صحفية خلال هذه المرحلة.

مصروفات في تزايد 

تحليل الأداء المالي للشركة، من خلال جمع وتحليل بيانات المصروفات للفترة (2014-2023)، التي تنشر في التقارير السنوية لشركة يمن موبايل على موقعها الإلكتروني، أظهرت النتائج أن تكلفة الخدمات الصادرة تزايدت طرديًّا، وهي الأعلى، ووصلت في العام 2023 إلى 49 مليارًا و342 مليونًا و642 ألف ريال، كذلك مصروفات التشغيل تزايدت، وكان ذات العام هو الأعلى بمبلغ 40 مليارًا و104 ملايين وسبع مئة ألف ريال، وفي بقية المخصصات كان هناك ارتفاع بنسب متفاوتة، لكنها غير واضحة بشكل كبير، كما اتضح فيما سبق، فروقات أسعار صرف العملات الأجنبية.

تزايدت فروقات سعر صرف العملات الاجنبية والتي تضاف الى المصروفات حسب التقارير التي تم تحليلها وبلغ إجمالي الفترة (2014-2023) 91 مليارًا و259 مليونًا و233 ألف ريال، واحتل العام 2020 المرتبة الأولى بنسبة 32% بمبلغ 29 مليارًا و279 مليونًا و334 ألف ريال، فيما العام 2014 هو الأقل بمبلغ مليونين و208 ألف ريال.

مصاريف التشغيل

تزايدت تكلفة الخدمات الصادرة والمصروفات التشغيلية بشكل مستمر خلال السنوات الماضية،ـ حيث بلغت تكلفة الخدمات الصادرة 49 مليارًا و342 مليونًا و642 ألف ريال في عام 2023، بينما بلغت مصروفات التشغيل 40 مليارًا و104 ملايين و700 ألف ريال. هذه الزيادة الكبيرة في مصروفات التشغيل، وفقًا لمحللين، تعكس التحديات التي تواجهها الشركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

المصاريف الإدارية والعمومية

بلغ إجمالي المصروفات الإدارية والعمومية 16 مليارًا و150 مليون ريال، خلال الفترة (2015-2023)، حيث ذهب أكثر من ربعها إلى التبرعات بمبلغ 4 مليارات و487 مليونًا و489 ألف ريال. يعكس هذا البند اهتمام الشركة بالمساهمات الاجتماعية، ولكن يشير أيضًا إلى حجم المصروفات غير المرتبطة مباشرة بالنشاط التشغيلي.

  • منافع الموظفين وتكاليف ذات صلة

بلغت مخصصات منافع الموظفين، بما في ذلك الرواتب والأجور، حوالي 3 مليارات ريال في عام 2023، وكانت الحوافز التشجيعية تشكل نسبة 15% من هذه المخصصات، مما يوضح التزام الشركة بدعم كوادرها البشرية وتحفيزهم، لكن التدريب والتأهيل، على سبيل المثال، جاء في المرتبة ما قبل الأخيرة بنسبة 3%، وتحفظت الشركة عن الرد على التوضيحات التي توجهنا بها إليها في هذا الخصوص. 

المركز المالي والموجودات

  • الموجودات المتداولة وغير المتداولة

تشمل الموجودات المتداولة: النقدية، الحسابات الدائنة، المخزون، الاستثمارات قصيرة الأجل. أما الموجودات غير المتداولة فتشمل: المعدات والأدوات، الممتلكات العقارية، الاستثمارات طويلة الأجل، الشهرة التجارية، الأصول غير الملموسة الأخرى. 

وبمراجعة البيانات، بلغت قيمة الموجودات غير المتداولة ارتفاعًا من 38 مليارًا و853 مليون ريال في عام 2010 إلى 251 مليارًا و44 مليون ريال في عام 2023. وكان عام 2021 الأعلى في قيمة الموجودات المتداولة بأكثر من 254 مليار ريال، مما يعكس استثمارات الشركة في تحسين بنيتها التحتية وتعزيز قدراتها التشغيلية.

  • حقوق الملكية والمطلوبات المتداولة

تشمل حقوق الملكية: رأس المال، الأرباح المحتجزة، احتياطيات الشركة. في المقابل، تتضمن المطلوبات المتداولة: الحسابات الدائنة، القروض قصيرة الأجل، الضرائب المستحقة، المستحقات الأخرى. هذا التوازن بين حقوق الملكية والمطلوبات يعكس الإدارة المالية للشركة في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة.

الموقف الضريبي

تكشف البيانات المالية للشركة، عن أزمات ضريبية وصلت إلى المحاكم أحيانًا، واجهتها ممتدة على مدى سنوات عديدة، بدءًا من أغسطس 2006 وحتى مايو 2012، كما تسلمت الشركة إخطارات بربوط ضريبية طوال عدة سنوات تشمل (2007-2011) و(2012-2013) و(2014-2016) و(2017-2021) و(2022-2024)، وتقدمت بطلبات تظلم لكل ربط ضريبي على حدة.

فيما يتعلق بضريبة المبيعات، واجهت الشركة أيضًا نزاعات خلال الفترة من 2012 إلى 2018، حيث تم إلغاء بعض الربوط الضريبية، وإعادة الفحص لبعض البنود محل الخلاف. تقدمت الشركة أيضًا، بطلبات تظلم لكل ربط ضريبي لضريبة المبيعات خلال الفترة من 2013 إلى 2017، مؤكدةً عدم حدوث أي تعديلات جوهرية على الحالة.

لدى طرح معدة التحقيق، أسئلة على الخبراء والمحللين الاقتصاديين، تتفق أغلب الآراء، على الأهمية التي تمثلها "يمن موبايل"، وعلى الظروف الصعبة التي تحاول أن تعمل خلالها الشركة وتحاول الحفاظ على موقعها بصفتها شركة رائدة في التغطية بكل مناطق اليمن، وصولًا إلى الخدمات، في ظروف سياسية وأمنية غير مستقرة، لكن ذلك لا يجعل من كل ما تتخذه أمرًا مبررًا في جميع الأحوال، بل يرونها إجراءات صادمة.

في حديثه لـ"خيوط"، يرى المحلل الاقتصادي فاروق الكمالي، أن قرار رفع أسعار باقات الإنترنت في "يمن موبايل" يندرج ضمن سعي السلطة في صنعاء لتعويض مواردها المالية المفقودة، مستغلة انتشار الشركة الواسع في مختلف مناطق اليمن، ويرى أن ثبات سعر سهم "يمن موبايل" منذ عام 2013، مسألة تعود إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تمر بها البلاد، وما نتج عنها من فقدان الثقة في قدرة الشركة على تحقيق الأرباح. ويشير إلى أن الوضع الراهن عطل الجدوى الاقتصادية من كون "يمن موبايل" شركة مساهمة.

وينتقد الكمالي بشدة، ارتفاع قيمة الموجودات المتداولة وغير المتداولة في الشركة، مرجحًا أن يكون ذلك نتيجة انتقال "يمن موبايل" إلى الجيل الرابع، وما تبعه من شراء معدات لم يتم استخدامها بعد، مما أدى إلى تجميد رأس المال دون تحقيق عوائد تذكر.

من جانبه، يشير الباحث الاقتصادي رشيد الحداد لـ"خيوط"، إلى وجود حالة من الصدمة لدى المساهمين في "يمن موبايل"، إذ كانوا يتوقعون ارتفاع سعر السهم تدريجيًّا مع زيادة رأس مال الشركة وتطورها.

ومع ذلك، يشدّد الحداد على أن "يمن موبايل"، رغم التحديات التي واجهتها خلال السنوات الماضية، حافظت على مستوى جيد وحقّقت أرباحًا كبيرة، وكان يفترض أن تنعكس هذه الإيجابيات على سعر السهم. ويشدّد على أن "يمن موبايل" كانت تعد نموذجًا ناجحًا لشركات المساهمة العامة في اليمن، وكان يعول عليها في قيادة هذا القطاع، إلا أن القرارات الأخيرة أحدثت خللًا كبيرًا في هذه الصورة، وأثارت تساؤلات حول إدارة الشركة وشفافيتها.

وعلى الصعيد ذاته، يذهب المحلل الاقتصادي في حديثه لـ"خيوط"، إلى أن قرار "يمن موبايل" المتعلق برفع أسعار الإنترنت، يعود إلى عوامل عدة، منها: الانقسام المالي والنقدي في البلاد، ومحاولة الشركة توحيد أسعار خدماتها في مختلف المحافظات، إضافة إلى تضاعف الرسوم المفروضة عليها من "جماعة الحوثي" في صنعاء. ويشير إلى وجود شركات منافسة تحظى بتسهيلات كبيرة، أسهمت هي الأخرى، بنظره، في التأثير على قرارات "يمن موبايل"، ودفعها لمحاولة رفع إيراداتها السنوية. 

لكن وفقًا لصالح، فإن هذه المساعي تأتي بنتائج عكسية وتثير سخط المشتركين، خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وتدني القدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين، وقد تؤدي إلى فقدان الشركة لجزء من حصتها السوقية لصالح المنافسين.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English