الاقتصاد اليمني؛ يغرق في أزمات الحروب وتبعاتها

هل ما تنتظرنا هي فِخاخ محكمة صنعها المتحاربون؟
محمد فيصل حيدر
October 27, 2024

الاقتصاد اليمني؛ يغرق في أزمات الحروب وتبعاتها

هل ما تنتظرنا هي فِخاخ محكمة صنعها المتحاربون؟
محمد فيصل حيدر
October 27, 2024
الصورة لـ أحمد باشا - خيوط

صحيح أنّ الاقتصاد اليمني لم يكن قويًّا قبل مارس/ آذار 2015، ولكن كان لدى الكثير من اليمنيين آمالٌ طبيعية في مستقبل أفضل؛ حيث كانت النسبة الأكبر منهم تعتمد على وظائف مختلفة في القطاعين الحكومي والخاص، كما كان هنالك فرص عمل متاحة في كليهما، وبالرغم من الفساد الذي كان يترافق مع توزيعها، فإنها كانت موجودة. ليس كذلك وحسب، فقد كانت بعض الوزارات الإيرادية، والشركات النفطية على سبيل المثال، تشكّل أهدافًا ذهبية لبعض الطامحين!

اقتصاد العقارات والصرافة

بعد مارس/ آذار 2015، اختلف الوضع كليًّا، فقد تسببت الحرب في تضرر القطاع الحكومي وكذلك القطاع الخاص بالتبعية، فالشلل الذي أصاب أجهزة الدولة تسبَّب في توقف رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، وكذلك كانت التغيرات السياسية السببَ الرئيسي في إحلال كثيرٍ من الموظفين في هذا القطاع، ما تسبّب أيضًا في تدهور القطاع الخاص وتعرضه لأضرار كبيرة؛ لنرى الكثير من الشركات تسرّح موظفيها وأخرى تقلّص عدد الموظفين، بل إن بعضها تعرضت للإفلاس والإغلاق .

في كل مرة، كان الوضع يزداد تعقيدًا ليجد اليمنيون أنفسهم يتجهون إلى التركيز على ما قد يجعلهم يصمدون في كل أزمة جديدة، فلا يكادون ينفكّون من تحدٍّ إلا ونشأ تحدٍّ آخر مجهول المعالم، وإنني بهذا الصدد، أتساءل ومعي 30 مليون يمني آخر: يا ترى كيف سيكون شكل الاقتصاد اليمني خلال السنوات الخمس القادمة، وكيف سيتعافى القطاع الخاص؟

ونتيجة لهذا الوضع اتجه بعض اليمنيين إلى صرف مدخراتهم وبيع أصولهم وأراضيهم، وبعضهم اعتمد اعتمادًا كليًّا على حوالات ذويهم من المغتربين خارج الوطن، ليتحول بعدها شكل الاقتصاد كليًّا، وتتغير مصادر رزق الناس، فمن كان حينها يمتلك رأس المال استفاد من انخفاض أسعار العقارات، ووجد في العقار ملاذًا آمنًا، فالاقتصاد غير الرسمي الذي نشأ نتيجة لهذه التغيرات تسبَّب في انعدام ثقة الكثيرين في البنوك والجهات الرسمية والشركات؛ الأمر الذي شكّل ما أسميه "اقتصاد العقارات ومحلات الصرافة".

تزامن ذلك مع ازدياد واضح لمشاريع المنظمات الدولية الإنسانية والإغاثية ومنظمات المجتمع المدني، مما خلق العديد من فرص العمل، وأثّر بشكلٍ إيجابيّ على مختلف الجهات، مثل الشركات التي تقدّم خدماتها لهذه المنظمات وبعض الموردين وغيرهم الكثير، الأمر الذي ساهم في تحسن الأوضاع إلى حدٍّ ما.

وأعتقد أنّ هذا التحسن هو الذي شجّع الكثير من الشباب على بَدء مشاريع ريادية، حقّق بعضٌ منها نجاحات مشهودة، رأينا على إثرها الكثير من القصص على السوشيال ميديا. 

مشهدٌ ضبابيّ يبدّد الآمال

لكن مع حلول العام 2022، بدأنا نسمع الكثير من الأصوات التي تشتكي من الركود، وانخفاض حركة البيع والشراء، وأعتقد أنّ الكثيرين لمسوا ذلك على جميع المستويات.

هنالك الكثير من القراءات التي تفسّر هذا التحسن الطفيف الذي حدث منذ العام 2018، حتى العام 2022، غير أنّ السبب في ذلك -كما أرى- يرجع إلى دور المنظمات الدولية، التي تراجَعَ زخم مشاريعها في اليمن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، فقد حدث بعدها تحول ملحوظ لأموال الدعم الدولي باتجاه أوكرانيا، وتسبّبَ هذا في تقليص عدد ميزانيات الكثير من المنظمات الدولية العاملة في اليمن، ومن ثم تقليص المشاريع وعدد الموظفين وعدد المستفيدين من هذه المشاريع.

ولا ننسى أيضًا موقف سلطة صنعاء من أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يعتقد الكثيرون أنه تسبّب في تعقيد المشهد في الداخل أكثر وأكثر. ليعود الكثير إلى عرض أصوله للبيع مجدّدًا، ولكن مع وفرة كبيرة في العرض، وشبه انعدام للطلب هذه المرة!

مخاوف مستقبلية وتساؤلات

تخلل هذه المراحل والتغيرات التي عاشها اليمنيون منذ مارس/ آذار 2015، الكثيرُ من الآمال لانفراجات وتقاربات سياسية من شأنها أن تخفف من المعاناة.

لكن في كل مرة، كان الوضع يزداد تعقيدًا ليجد اليمنيون أنفسَهم يتجهون إلى التركيز على ما قد يجعلهم يصمدون في كل أزمة جديدة، فلا يكادون ينفكون من تحدٍّ إلّا ونشأ تحدٍّ آخر مجهول المعالم. وإنني بهذا الصدد؛ أتساءل ومعي 30 مليون يمني آخر: يا ترى، كيف سيكون شكل الاقتصاد اليمني خلال السنوات الخمس القادمة، وكيف سيتعافى القطاع الخاص، ويتعافى روّاد الأعمال الذين تدهورت أعمالهم نتيجة للوضع الراهن؟ 

أيضًا، إلى أين سوف تتجه الأيدي العاملة التي فقدت مصادر دخلها؟ وكيف سيكون شكل مصادر الدخل في المستقبل القريب في اليمن؟

هل هنالك بوادر مبشرة؟

لم تكن الإجابة عن هذا السؤال إيجابية حتى يوليو/ تموز المنصرم، فالمعركة التي حدثت بين حكومة عدن وحكومة صنعاء، أشعَرَت الكثير بالإحباط. ومع تصاعُد المعركة بين البنك المركزي في عدن والبنك المركزي في صنعاء، كان الكثير يتوقع اشتعال الكثير من الجبهات مجدّدًا، حتى مع تصاعد وتيرة التوترات والتهديدات نسمع ما يرافقها من أن هنالك تراجعًا عن كل هذه التصعيدات، بل إنّ هنالك بوادر وتقاربات مبشرة في مشهد يشبه الطلوع والنزول في تلك الشارات المجنونة لبورصة العملات المشفرة!

في النهاية، نرجو أن تتوفر الإرادة والنية السليمة بين أطراف الصراع في اليمن، للخروج من هذا الوضع الكارثي، لأنني بصفتي شابًّا يمنيًّا، لا أعلم حقيقة ما إذا كان ما نشاهده من وقت لآخر بوادر وتقاربات مبشرة أم أن الأمر لا يعدو كونه فخاخًا محكمة صنَعَها المتحاربون، وتنتظرنا في كل طريق.

•••
محمد فيصل حيدر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English