عانى المدنيون في جميع أنحاء اليمن من عام صعب للغاية، مع تفاقم المعاناة والأزمات الإنسانية بشكل كبير، وتدهور الأوضاع الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية، وانتهاكات جسيمة دون أي مساءلة من قبل جميع الأطراف.
ووثق "فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المعني باليمن" ومجموعات حقوقية أخرى، مواصلة أطراف النزاع ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الانتهاكات التي من المحتمل أن ترقى إلى جرائم الحرب.
وقدّمت تحقيقات "هيومن رايتس ووتش" ومنظمات حقوقية أخرى أدلة متراكمة على تفشي الاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، وسوء المعاملة والتعذيب في مراكز الاحتجاز التي يرتكبها أطراف النزاع.
وتطرقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها السنوي "اليمن أحداث 2021"، أنه في 18 سبتمبر/ أيلول، أعدمت قوات أنصار الله (الحوثيين) في ميدان التحرير بصنعاء مجموعة من تسعة أشخاص، تفيد التقارير أن بينهم فتى عمره 17 عامًا. اتُّهِموا بتسهيل غارة جوية أسفرت عن مقتل قيادي حوثي في 2018. قالت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول 2021، إنه قد "حُكم على المتهمين بالإعدام في عملية قضائية انتَهَكَت حقوقهم الدستورية، ولم تحترم معايير المحاكمة العادلة بموجب القانون الدولي".
أوضاع مأساوية
قالت "هيومن رايتس ووتش" إن سلطات الحوثيين في 2021، واصلت اضطهاد الأقلية الدينية البهائية، واحتجزت ما لا يقل عن ألف امرأة بين 2017 و2020. منذ 2015، كما اعتقلت صحفيين وأفرادًا يمارسون حقهم في التعبير، وفقًا لتقرير "منظمة العفو الدولية" صدر عام 2021.
استمرار المخاطر بحق الصحافة والصحفيين، وسوء البيئة الإعلامية غير الآمنة والأكثر عدائية تجاه العمل الصحفي في كل اليمن
وذكر تقرير صادر عن مواطنة في 2021، أن الحوثيين والقوات المدعومة من الحكومة المعترف بها دوليًّا والقوات المدعومة من الإمارات، قامت بتعذيب المحتجزين حتى الموت في سجون سرية يسيطرون عليها منذ بدء النزاع.
وأفادت "هيومن رايتس ووتش" في 2021، أن قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعومة من الإمارات قامت باحتجاز وتعذيب صحفي -على ما يبدو- بسبب تقاريره النقدية. فيما واصل التحالف بقيادة السعودية والإمارات، والحكومة المعترف بها دوليًّا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات أنصار الله (الحوثيين) ارتكاب انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات العشوائية ضد المدنيين والاختفاء القسري والتعذيب، وفقًا لتقرير أممي في 2021.
واشتد الصراع الدائر في اليمن وَفق "هيومن رايتس ووتش" طوال العام 2021، حيث تأثرت 49 منطقة في اليمن بشكل مباشر بالمواجهات النشطة، مقارنة بـ35 في بداية 2020. في حين شهدت محافظة مأرب قتالًا عنيفًا بين القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا، وجماعة الحوثي المسلحة. كما شهد العام 2021 نزوح أكثر من أربعة ملايين شخص داخليًّا بسبب الصراع الدائر في البلاد، وفاقمت جائحة كورونا بشكل كبير الأزمة الإنسانية.
في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2021، دعت أكثر من 60 منظمة مجتمع مدني الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التحرك على وجه السرعة "لإنشاء آلية تحقيق لجمع وحفظ الأدلة على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب في اليمن".
وقالت المنظمات في بيان مشترك، إنه "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي ويسمح لذلك التصويت بأن يكون الكلمة الفصل بشأن جهود المساءلة على الانتهاكات وجرائم الحرب في اليمن".
في حين كان يُسابق اليمنيون الزمن من أجل تجاوز محنة الحرب في 2021، تصاعدت وتيرة الأعمال القتالية واتسعت رقعة العنف في محافظات: مأرب، وشبوة، والحديدة، والبيضاء، وتعز، مما أدى إلى الفتك بحياة مئات المدنيين، وخلفت الحرب أوضاعًا متردية لسكان تلك المناطق. ما تسبب في نزوح عشرات الآلاف منهم، لا سيما في مأرب والحديدة، كما ألحق العنف المتصاعد خرابًا واسعًا في البنية التحتية الحيوية بما فيها المستشفيات والمرافق الخدمية.
تعسف كارثي
منظمة مواطنة لحقوق الإنسان قالت في إحاطتها السنوية حول وضع حقوق الإنسان في اليمن للعام 2021، إنها وثّقت ما يزيد عن 839 واقعة اعتداء على مدنيين وأعيان مدنية، قُتل وجُرح فيها ما لا يقل عن 782 مدنيًّا خلال الفترة الممتدة من 1 يناير/ كانون الثاني حتى أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2021.
وأكدت "مواطنة" أن نطاق الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين يتسع مع كل عام جديد مضاف إلى عمر الحرب في اليمن، إذ لم تأتِ هذه الحالة الكارثية كنتيجة تعسفية للحرب، بل هي نتاج مباشر لكيفية تجاهل الأطراف المتحاربة للقانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية الضابطة للنزاعات المسلحة، ما يُعقد بشكل متزايد قدرة اليمنيين على البقاء. فقد قامت أطراف النزاع بقتل وجرح مدنيين، ومارست الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري والتعذيب، ومنعت وصول المساعدات الإنسانية، وجندت أطفالًا واستخدمتهم، واحتلت مدارس ومستشفيات، واعتدت على عاملين في المجال الصحي والإنساني.
إن أطراف النزاع في اليمن التي ارتكبت الوقائع التي وثقتها "مواطنة" في أنحاء واسعة من البلاد خلال العام 2021، هي جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدعومة إيرانيًّا، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة الموالية له، وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًّا، والقوات والجماعات المسلحة الموالية لها، والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة في الساحل الغربي المدعومان إماراتيًّا، والقوات البرية السعودية. العديد من هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.
في السياق، تبين إحصائيات التقرير السنوي الصادر عن نقابة الصحفيين اليمنيين، استمرار المخاطر بحق الصحافة والصحفيين، وسوء البيئة الإعلامية غير الآمنة والأكثر عدائية تجاه العمل الصحفي في كل اليمن.
ورصدت نقابة الصحفيين 104 حالات انتهاك طالت وسائل إعلام وصحفيين ومصورين ومقتنياتهم منذ 1 يناير/ كانون الثاني إلى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
وتوزعت الانتهاكات بين 30 حالة احتجاز حرية بنسبة 28.8% من إجمالي الانتهاكات، 19 حالة منع ومصادرة طالت صحفيين ومقتنياتهم بنسبة 18.3%، و12 حالة تهديد وتحريض بنسبة 11.5%، و12 حالة محاكمة لصحفيين بنسبة 11.5%، إضافة إلى 11 حالة اعتداء بنسبة 10.6%، و6 حالات حرمان للصحفيين المعتقلين من حق التطبيب والرعاية بنسبة 5.9%، إضافة إلى 5 حالات تعذيب بنسبة 4.8%، و5 حالات إيقاف لوسائل إعلام ومستحقات صحفيين بنسبة 4.8%، و4 حالات قتل بنسبة 3.8%.