الحكم في قضية مبنى "اتحاد الأدباء" بذمار

قاض انتصر لجهة مدنية بعد أن تكالب عليها موظفون حكوميون
عبدالوهاب الحراسي
September 16, 2024

الحكم في قضية مبنى "اتحاد الأدباء" بذمار

قاض انتصر لجهة مدنية بعد أن تكالب عليها موظفون حكوميون
عبدالوهاب الحراسي
September 16, 2024
.

في 31 ديسمبر 2022، نشرت "خيوط" قصة السطو على مبنى (مقر) اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين بتواطؤ موظفين حكوميين وعرضت فيها كل تفاصيل القضية التي كانت في أروقة المحاكم، وكان الطرف الأضعف فيها: الاتحاد (صاحب الحق)؛ لأنه أعزل وبلا حماية ونفوذ، بعكس خصومه النافذين الذي ينتمي بعضهم لسلك القضاة.

بدأت القصة القديمة بجارٍ لمقرّ الاتحاد، اسمه محمد حسين صالح عمر، الذي عرف أنّ المبنى (العظم) الذي على يمين بيته، مملوكٌ لاتحاد الأدباء. أربع سنوات وهو يرى هذا المبنى بلا نوافذ ولا أبواب ولا أحد يتردّد عليه. لقد شبع من تأمّل مبنى المقر، وكان يملك كلَّ الوقت ليخطط، وينفّذ.

قام أوّلًا ببيع بيته، واختلق، من العدم، شخصًا سمّاه علي حسين هادي فراشة، على أنّه "مسؤول مكتب الكتّاب والأدباء اليمنيين"، وأنّه قد اشترى منه مبنى المقر، باعتباره "ممثّل المكتب، وذلك ما يملكه وثابتين اليد عليه..."، بمبلغٍ قدره ثمانية ملايين ريال، ثم قام ببيع المبنى، لشخص يدعى صالح أحمد محمد الشرفي، بمبلغٍ قدرُه خمسة عشر مليونًا وخمسُ مئةِ ألف ريال. وقد تم البيع والشراء في 2018.

انتهت العملية بنجاح؛ وكسب محمد حسين صالح عمر -كما يقولون- من الهواء، مبلغَ 15,500,000 ريال.

لكن كان عليه أن يمرّ من خلال أشخاص نافذين وموظفين، يربو عددهم على عشرة أشخاص، تم ذكر أسمائهم وصفاتهم في حينه.

وفي تمام الساعة العاشرة وأربعين دقيقة صباحًا، من يوم الأحد 8/ 9/ 2024، حكمت محكمة الأموال العامة بذمار، برئاسة القاضي محمد علي إبراهيم الأهدل، بالآتي:

- تسليم مقر اتحاد الأدباء بذمار من قبضة الحراسة القضائية لمالكه (اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين).

- إدانة نصف المتهمين، وعددهم ثمانية متهمين بالتزوير والمساعدة في النقل الباطل لملكية المقر، والحكم عليهم بالسجن (من عام إلى عامين) ودفع غرامة إجمالية قدرها 6,000,000 ريال تسلم كأتعاب لممثل الاتحاد.

القاضي الذي حكم بنزاهة مطلقة في هذه القضية حاكَم ثلاثة قضاة على ذمتها يزاولون أعمالهم وبمناصبهم في محاكمهم، ويتمتعون بحماية القضاء والقانون نفسه من تعرضهم للاستجواب من أي جهة قانونية.

في مديح قاضٍ نزيه

 دامت قضية استعادة مقر اتحاد الأدباء بذمار، ثماني سنوات من النزاع الأسطوري لممثل الفرع، استهلكت شحمه وصوته، وأكل الخوف روحه. 

القضية واجهت الفساد في سلطة حُكم بأكملها (الهيئة العامة للأراضي والضرائب، والسجل العقاري، والأمن، والمحاكم). 

القاضي الأهدل الذي حكم بنزاهة مطلقة في القضية  حاكَمَ ثلاثة قضاة على ذمتها، متهمون بالفساد، يزاولون أعمالهم وبمناصبهم في محاكمهم، ويتمتعون بحماية القضاء والقانون نفسه من تعرضهم للاستجواب من أيّ جهة قانونية حكومية، أهمها النيابة العامة. والمسؤول عن إحالتهم إليها هو المجلس التأديبي الخاص بالقضاة، الذي يخضع لرئيس محكمة الاستئناف. 

لماذا لدينا قاضٍ امتلك مثل هذه الشجاعة؟

لأن قاضيين من الثلاثة الذين مرت عليهم قضية المقر يديران محكمتين، وأحد هذين القاضيين هو مدير المحكمة التي يقف فيها متهمًا تحت منصة القاضي الأهدل. عندما يواجه قاضٍ ما أربعة عشر متهمًا بالتزوير والاستيلاء بالباطل على عقار مملوك لصفة مدنية ضعيفة، وبلا سند من أي نوع، فإنه قاضٍ بين يديه ملف قضية كبيرة أخلاقيًّا. 

عندما يقرر وينفذ قراره بإحضار تسعة متهمين بالتزوير، كلهم موظفون حكوميون نافذون -ثلاثة منهم قضاة!- فنحن أمام قاضٍ شجاع ونزيه. 

القاضي عندما يُحمّل محكمته مسؤولية نِتَف صغيرة من أسفل جانب ورقة من محاضر الجلسات -نتيجة الاحتكاك- فنحن أمام قاضٍ يعي أهمية بقاء هذه الوثائق سليمة وغير مشكوك في مصداقيتها.

عندما يُشْعِر هذا القاضي المتهمَ بالأمان -مهما كانت تهمته- ويصغي إليه بعينيه فنرى المتهم كأنه يتحدث إلى صديق، فهو قاضٍ نزيه. 

عندما يكون المتهم صغير السن أو رجلًا جاهلًا، لا يعرف خياراته في القول ودلالات ما يقول ثم نجد القاضي يبيّن له، بلغة بسيطة، حقوقَه، ويسبر له ألفاظه ليفهم ما سوف يُدوَّن عنه في المحضر، فإنّ قاضينا هذا هو قاضٍ مختلف، في وقت صارت فيه صورة القاضي متهتكة (غارقة في الباطل والفساد). 

عندما يكشف هذا القاضي في جلسته قصور الادعاء العام، ومراوغة محامي الدفاع ويتحمل أخطاء كاتبه ويعدلها، كل ذلك دون أن يمس مكانة وقيمة أيٍّ منهم، فهو قاضٍ واع. 

عندما تقتحم، بلا هدى، جلسة هذا القاضي امرأة وتقاطع سير التقاضي، لتخبره مباشرة أنها تحتاج لمن يكتب لها دعواها وأنها لا تملك أجر الكاتب ولا رسوم تقديم الدعوى، ولا يتفاجأ، ولا ينزعج، ولا تلبث سوى ثوانٍ لتلحق بمن كلفه بتلبية حاجتها، من خاص ماله، فهذا قاضٍ يتوجب رفع القبعة له.

عندما يُحمّل القاضي محكمته مسؤولية نِتَف صغيرة من أسفل جانب ورقة من محاضر الجلسات -نتيجة الاحتكاك- فنحن أمام قاضٍ يعي أهمية بقاء هذه الوثائق سليمة وغير مشكوك في مصداقيتها.

•••
عبدالوهاب الحراسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English