أصبح العمال موضوعًا مفضلًا للأغاني، مع توسع حركة العمال المطالبة بتحسين حقوقهم في العالم الغربي. ارتبط الأول من مايو بانتفاضة العمال في شيكاغو، لكنه أيضًا ظل محل نزاع بين الحركات الاشتراكية والأنظمة الرأسمالية في الغرب حتى حاز اعترافًا من الجميع. ففي أستراليا عام 1856 تم اختيار 21 أبريل عيدًا للعمال، تبعته أمريكا عام 1882 لتحتفل بالخامس من سبتمبر، كما لو كانت المسألة تشتيت القضية العمالية في مناسبات متفرقة.
لكن المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية العالمية في باريس عام 1889، أحيا ذكرى هايماركت التي شهدت انتفاضة عمال شيكاغو، وفي المؤتمر الثاني عام 1889 أعلنت الأممية الاشتراكية الأولَ من مايو عيدًا رسميًّا للعمال. وهو اليوم الذي شهد أحداث هايماركت في شيكاغو، التي شهدت إضرابًا دعت لها حركة "ثماني ساعات"، واستجاب له مئات الآلاف من العمال، المطالبة بتخفيض ساعات العمل. وسعت السلطات الأمريكية وأرباب العمل، لقمع تلك الحركة، فكانت ذكرى دامية يستحق العمال اعترافًا عالميًّا بحقوقهم. وكان للموسيقى أن تستجيب في قلب تلك الأحداث، ليظهر ما يُعرف بنشيد أو أغنية "العمال".
حاول العالم الرأسمالي استبعاد الأول من مايو، خصوصًا في أمريكا، التي تحاول محو ذكرى هايماركت الدامية. حيث فتحت الشرطة النار على العمال المضربين وقتلت عددًا منهم، بينما قام رجل من الشرطة بإلقاء قنبلة وسط تجمع لرجال الشرطة، وكانت ذريعة لإلقاء القبض على زعماء الحركة العمالية التي اتسعت إلى تورنتو الكندية، ثم ستتبعها في كاليفورنيا الأمريكية وغيرها من الولايات. بينما تضامن العمال حول العالم مستجيبين للأول من مايو كذكرى. وأخيرًا استجاب الرئيس الأمريكي آيزنهاور معلنًا الأول من مايو إجازة رسمية. وأصبح يومًا رمزيًّا لاحتجاجات الحركات العمالية حول العالم، كما التصقت أغنية العمال بهذا اليوم.
الأغنية العمالية اتخذت أكثر من طابع، فتراوحت بين الغناء الرسمي والصوت المعارض، لكنها اتبعت هذا المزيج الشعبي مع طابع غنائي أو ثوري يلائم كل ثقافة. وهو طرح تبنته الحركات الثورية الاشتراكية حول العالم، بتعابير ثقافية محلية يمكن من خلالها الانتشار
وفي عام 1980، قدّمت المغنية الأمريكية دولي بارتون أغنيتها "من 9 إلى 5"، كدلالة على ساعات العمل الثماني. إذ شكلت تلك الساعات أول انتصار عمالي على النظام الرأسمالي المتحيز لأصحاب العمل. ومؤخرًا مغني بوب أمريكي هو جاستن تيمبرليك يُحرف أغنية حب لتصبح عن مايو، بالتزامن مع الذكرى العمالية.
لكن أغنية العمال، اتخذت أكثر من استعارة، ففي أمريكا والعالم الغربي الرأسمالي اتسعت ضمن مفهوم حقوقي، وتتكئ على قوانين عمل لا تقتصر على تحديد ساعات العمل، أيضًا تحديد الأجور، ويثير لنا فيلم آيرش مان للمخرج الأمريكي مارتن سيكرسوزي، كيف تمكنت عصابات المافيا من اختراق الحركات النقابية الأمريكية. واحدة من أشهر أغاني العمال في أمريكا "التضامن للأبد" للأمريكي بيتر سيجر، اتخذ لحنها موسيقى الكانتري، ومع أنها مشتقة من الشعار الاشتراكي العالمي "يا عمال العالم اتحدوا"، إلا أنها متماهية مع الشعارات الحقوقية التي شكلت الصوت البديل للمعارضة الاشتراكية، وبالتالي ولدت أغنية عمالية بديلة.
وكما اتخذ بعضها جانبًا احتفاليًّا بالعمال وقضاياهم، اتسمت بعض استعاراتها بالمعاناة التي يعيشها العمال، لكنها أيضًا اتبعت سياقًا موسيقيًّا يخص الجماعات العرقية. فمثلًا قدمتها فرقة أمريكية من أصول أفريقية بصوت البلوز، وهو يشمل معاناة العمال السود الأدنى أجورًا، وإن لم يتم الإشارة لها في الغناء.
على صعيد آخر، شكلت الحركة العمالية مضمون النضال الاشتراكي، وبالتالي أخذت الأغنية من هذا المفهوم طابعًا مختلفًا بعض الشيء؛ إذ اتسمت بدلالات ثورية، وكما لو كانت شكلًا من المارشات، لكنها أيضًا اتسمت بطابع دعائي واسع في الأغنية السوفيتية، وفي البلدان التي اتبعت أنظمتها الأيديولوجية الاشتراكية. وفي الوقت نفسه أخذت موسيقيًّا اندماجًا بين الغناء الفولكلوري وبعض السمات الموسيقية الرومانتيكية.
أي إن الأغنية العمالية اتخذت أكثر من طابع، فتراوحت بين الغناء الرسمي والصوت المعارض، لكنها اتبعت هذا المزيج الشعبي مع طابع غنائي أو ثوري يلائم كل ثقافة. وهو طرح تبنته الحركات الثورية الاشتراكية حول العالم بتعابير ثقافية محلية يمكن من خلالها الانتشار. وهو ما يمكن قراءته بصورة موجزة في الغناء العربي.
غير أن ظهور أول أغنية ذات مضمون عمالي في العالم العربي، لم تكن على صلة بأي طابع اشتراكي. وإن جاءت بمضمون ثوري ارتبط بثورة 1919، التي تزامن معها حركة إضراب واسعة في مصر. ومن كلمات بديع خيري، لحن سيد درويش وغنى "ما قلتلكش إن الكترة" على مقام العجم. فسيد درويش اتخذ المقام الحماسي، للأغنية، على أنه نسجها بعناصر غنائية شعبية، هي طابع كثير من ألحانه التي اتسمت بمواضيع يومية، وتماشت مع مسرحه الغنائي.
على خلاف صوتها المعارض، حضرت أغنية العمال كجزء من أيديولوجية اشتراكية تبناها النظام المصري بعد ثورة يوليو 1952. أي إنها أصبحت جزءًا من احتفال النظام بتلك الذكرى، وبصورة مبكرة ظهرت أغنية لعبدالحليم حافظ "خلي توكالك على مولاك"، في فيلم "المال والبنون" عام 1954، وتحديدًا قبل أن يلمع نجمه في الغناء المصري والعربي. لكن الأغنية ارتبطت بالطابع الرسمي للأغنية، كما أن سماتها الموسيقية جاءت بطابع موسيقي حديث، وحددت النفخيات ملامح موسيقى الجاز فيه، رغم أن لحن الغناء سيتخذ بعض السمات الشعبية. واللافت أن تلك الأغنية التي لحنها كمال الطويل، رغم فقدانها في أرشيف السينما المصرية إلى أن ظهرت مؤخرًا، حددت ملامح الأغنية الوطنية والثورية التي سيقودها حليم بألحان كمال الطويل، لكن هذا التيار الغنائي سيتبع سمات موسيقية متخففة من الجاز، مع حضور السمات الشعبية كتلقيح محلي يضمن طابعها العربي.
لم تقتصر الأغنية على عبدالحليم، إذ اتصلت بعناصر أكثر شعبية في غناء سيد مكاوي وبصورة أوسع مع محمد رشدي. لكن الأغنية ستعود إلى الصوت المُعارض، بعد انفتاح السادات مع أغاني الشيخ إمام وكلمات أحمد فؤاد نجم. وهو ما يمكن تحديده في المضمون العالمي، إذ اتخذت في الأنظمة الاشتراكية جزءًا من الدعاية الأيديولوجية للدولة، بينما تضامنت في خانة الصوت المعارض في الدول الرأسمالية الغربية. كما أنها تواجدت خارج الغناء الرسمي مع مارسيل خليفة وزياد الرحباني، في أكثر من لحن يحمل طابعًا عماليًّا. وكما اتخذت أغاني مارسيل طابعًا فرائحيًّا، في "الشوفيرية" كانت مغموسة بتراجيديا الحرب الأهلية اللبنانية في لحن زياد الرحباني "رفيقي صبحي الجيز" التي غناها خالد الهبر، ثم قدمتها فيروز في ألبوم "ولا كيف". وصبحي الجيز عامل وجد مقتولًا برصاص قناص في بيروت بداية الحرب الأهلية اللبنانية.
في اليمن تشكلت في سياق مختلف، ففي النظام الاشتراكي جنوب البلاد كانت جزءًا من أيديولوجية النظام، بينما في الشمال تم استحضارها نسبيًّا ضمن تعاطٍ رسمي مع مناسبة تحظى باعتراف دولي كيوم للعمال. بينما التصق بشكل أوسع مفهوم العمل مع النمط الزراعي في الأغنية اليمنية بصورة أوسع.