شهدت اليمن، وخاصة في ظل سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على أجزاء واسعة من البلاد منذ عام 2014، تراجعًا كبيرًا في الحريات والحقوق التي كانت تتمتع بها النساء. من أبرز هذه الحقوق التي تم تقييدها: حق النساء في التنقل والسفر، حيث فرضت جماعة الحوثي قيودًا صارمة على النساء، خاصة فيما يتعلق بالسفر بدون محرم.
في المناطق التي تسيطر عليها سلطة جماعة الحوثي، تم إصدار تعليمات غير رسمية، تمنع النساء من السفر بمفردهن، سواء داخل البلاد أو خارجها دون أن يكون معهن محرم (ذكر من الأسرة، مثل الأب، الزوج، الأخ، الابن). هذه القيود ترتبط بفتاوى، وتفسيرات متطرفة يتم ربطها بالجانب الديني، حيث يرى الحوثيون أنّ خروج النساء بدون محرم يعرضهن للخطر ويخالف تعاليم الدين ويخالف سلطتهم المفروضة.
عراقيل مباشرة للنساء
القيود المفروضة لا تشمل فقط السفر الدولي، بل تمتد لتشمل التنقل داخل المدن وبين المحافظات، حيث تطلب النقاط التابعة لسلطة صنعاء، المنتشرة على امتداد خطوط السير في مناطق نفوذها، في بعض الأحيان، تصريحًا خاصًّا يسمح للنساء بالسفر. هذه السياسات تعيق النساء بشكل مباشر عن الوصول إلى التعليم، العمل، الرعاية الصحية، وأحيانًا تُعيقهن عن الهروب من مناطق الصراع أو العنف الأسري.
بين الحالات الأخرى للعبور، التي تصنع مفارقة عجيبة في بعض الأحيان؛ قبولُ أي طفل صغير، حتى لو كان بعمر سنة، كمحرم "معتبر" يُسمح للمرأة بالعبور به، وهو أمر لا يعكس سوى مستوى عبثية هذه القيود، كما يدل على أن الغرض من هذه القيود ليس حماية المرأة بقدر ما هو فرض سلطة ذكورية عليها.
أحد الأمثلة الحية التي تعكس التمييز وانتهاك حقوق المرأة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، هو ما تعرضتُ له وغيري من النساء من المنع من العبور عند نقطة تفتيش نقيل يسلح بسبب عدم وجود محرم، حيث واجهت تفتيشًا صارمًا، وتم رفض السماح لي بالعبور. على الرغم من هذه المعاملة التمييزية، سمح العسكر عند نفس النقطة لامرأة أخرى منقّبة بالعبور دون الخضوع لنفس التدقيق أو المطالبة بمحرم.
يبرز دور النقاب بكونه عاملًا مؤثرًا في حرية التنقل، حيث أصبح يُعامل كأنه "تصريح للعبور" في بعض النقاط الأمنية. في كثير من الحالات، يتم السماح للنساء المنقبات بالمرور بسهولة، بينما تتعرض النساء اللواتي يكشفن عن وجوههن للمنع أو التفتيش المكثف، أو يُطلب منهن وجود محرم لمرافقتهن، ممّا يضفي بُعدًا آخر للتمييز على أساس المظهر الخارجي.
هذه الواقعة تعكس بشكل واضح، التناقضات في تطبيق القوانين والقيود على النساء، حيث يتم التعامل مع الحالات بشكل انتقائي أو بناءً على معايير غير واضحة، مما يزيد من الشعور بالانتهاك والظلم.
كما تصبح النساء المنقبات في هذه الحالة محصنات من بعض القيود، الأمر الذي قد يدفع ببعضهن لاستخدام النقاب كحل مؤقت، وهو أمر يقوّض حرية الاختيار، حيث تتخذ النساء هذا القرار تحت ضغط التمييز وليس عن قناعة شخصية.
كما يُعزز انتهاك الكرامة الإنسانية من الشعور بالتهميش والتمييز نتيجة التعامل المتفاوت على أساس الجنس أو المظهر ، وهو ما يعزز من ثقافة عدم المساواة.
تناقض صارخ للعبور
من بين الحالات الأخرى للعبور، التي تصنع مفارقة عجيبة في بعض الأحيان؛ قبول أي طفل صغير، حتى لو كان بعمر سنة، كمحرم "معتبر" يسمح للمرأة بالعبور به، وهو أمر لا يعكس سوى مستوى عبثية هذه القيود، كما يدل على أن الغرض من هذه القيود ليس حماية المرأة بقدر ما هو فرض سلطة ذكورية عليها وإظهار سيطرة جماعة الحوثيين على المجتمع.
هذا الموقف يُظهر التناقض الصارخ في تطبيق قوانين الوصاية. فبينما يُفترض أن يكون المحرم شخصًا بالغًا ومسؤولًا، يمكن لطفل في عمر السنة أن يفي بهذه الشروط! وهو ما يجعل من هذه القوانين غير منطقية، وتستند إلى تفسيرات مشوهة تساهم في تقييد النساء وتعطيل حياتهن اليومية.
بسبب هذه القيود، قد تضطر النساء، إلى الامتناع عن السفر أو التنقل للحصول على الخدمات الصحية أو التعليمية أو الهروب من مناطق النزاع، مما يعرضهن لمزيد من المخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية.