دفعت الأزمة الاقتصادية في اليمن أعدادًا كبيرة من الشابات إلى دخول سوق العمل لمساعدة عائلاتهن، متجاوزات كثيرًا من القيود ونظرة العيب السائدة لدى البعض، بينما تزاول الأخريات مِهَنًا مختلفة في البسطات أو في دكاكين صغيرة لأسباب كثيرة، منها: الفقر والبطالة، وعدم توفر الوظائف العامة، في واحدة من أكثر بلدان المنطقة فقرًا.
تقف رشا الفهد، وراء عربة صغيرة تبيع المشروبات الباردة في جولة الرويشان المزدحمة، التي تمتاز بحركة تجارية نشطة وسط صنعاء، لتدبير أمور منزلها وتلبية حاجات أفراده.
تلفت هذه الشابة المكافِحة انتباهَ المارّة، وتشعرك أنك معني بمساعدتها حين تتذوق أنواعًا مختلفة من المشروبات الباردة في كؤوس نحاسية مزخرفة، ملأتها بنوع محدد من العصائر التي حضّرتها بمعية أسرتها.
تتناوب رشا وأختها في المكان عينه كل يوم، وعند الخامسة مساءً تزداد الحركة التجارية في المكان، فيما هناك من يبادر لشراء كأس من الشراب المنعش، ممن نالت استحسانهم الفكرة أو تعاطفًا مع البائعة.
تحدثت رشا لـ"خيوط"، عن تجربتها في العمل، قائلة: "اشتريت هذه العربة، حتى أتمكن من تلبية متطلبات واحتياجات المنزل، واستكمال الدراسة، وتوفير المواصلات، وبالرغم من ضعف العمل حاليًّا، أحاول قدر الإمكان توفير المتطلبات اليومية بحدود الإمكانيات المتاحة".
حل متاح
الإدارية وسيدة الأعمال، أروى العُمري تقول لـ"خيوط"، إن ازدياد عمل الشابات في الفترة الأخيرة، يعكس قوة ونضال الفتاة اليمنية، ومدى إصرارها على العيش بشرف، وتحصيل لقمة عيش نظيفة، بالرغم من العادات والتقاليد الكثيرة التي تعارض ذلك.
● كثير من الأسر لا عائل لها، وأخرى تعاني البطالة في أوساط شبابها الذين لم يجدوا فرصًا للعمل أو
التوظيف، سواء في القطاع العام أو الخاص، يُضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية،
وغياب التعليم الجيد، كل هذه عوامل دفعت الفتيات لتحمل مسؤولية البحث عن مصدر رزق من
خلال فتح مشاريع صغيرة.
العمري أضافت: "كثيرٌ من الأسر لا عائل لها، وأخرى تعاني البطالة في أوساط شبابها الذين لم يجدوا فرصًا للعمل أو التوظيف، سواء في القطاع العام أو الخاص، يُضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية، وغياب التعليم الجيد، كل هذه عوامل دفعت الفتيات لتحمل مسؤولية البحث عن مصدر رزق من خلال فتح المشاريع الصغيرة".
سيدات كثر أنشأن مشاريع متفاوتة ومتنوعة، كثير منها ينطلق من داخل المنزل، وعدد منهن التحقن ببعض المهن، عاملات في المطاعم أو بائعات في بسطات صغيرة في المراكز التجارية أو الأسواق، فيما دفعت الظروف القاهرة بعضًا منهن إلى العمل مدبرات منازل.
وتقدم العمري نصائحها للسيدات المقبلات على إقامة مشاريع صغيرة، لخصتها في ضرورة عمل دراسة جدوى والتخطيط للمشروع، وفهم طبيعة العمل الذي ستقوم به، وهل يتوافق مع قدراتها ومهاراتها الإدارية، والتدرج في فتح المشاريع وتطويرها وتوسيعها، إلى جانب الحصول على التدريبات وطلب الاستشارات، ومعرفة القوانين والفرص التي تساهم في تطوير عملهن.
ليس عيبًا
لم تكن ظاهرة عمل الشابات في الشارع دارجة إلا في النادر، إلى أن تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد، وباتت عشرات إن لم تكن مئات الشابات وصغيرات السن يعملن في الشوارع العامة أو الأرصفة والجولات.
في الصافية بصنعاء، تنادي عائشة الوصابي (28 عامًا)، الزبائن وهي تجلس على رصيف مجاور لبنك الكريمي، وأمامها صندوق صغير مملوء بالعطور والبخور العدني الذي تصنعه قرابة ستين امرأة، بينما تتخذ الأخريات من بيعه فرصةً لتسديد نفقات العيش.
شكت الوصابي لـ"خيوط"، من نظرة البعض لعملها ولوجودها في الشارع، بالقول: "العمل ليس عيبًا، العيب أن تموت جوعًا، أو أن تستجدي الآخرين، وما يعيبه الآخرون عليّ هو من ساعدني على البقاء والعيش بكرامة".
عند الساحة الأمامية المؤدية إلى الفزرة الكبيرة في منطقة باب اليمن، تحضِّر أحلام عبدالله الكعك والكنافة، في محل صغير لا تتجاوز مساحته المترين، لتبيعه للزبائن، قائلةً: "قررت مع بعض من الزميلات فتح هذا المحل لتقديم أصناف مختلفة من الكعك". وتقدم أحلام بعض الفطائر والمخبوزات المرشوشة بالعسل وحبات الفستق، التي يُقبل على شرائها غالبًا فئات العمّال -بحسب حديثها لـ"خيوط"- بشكل شائع على مدار اليوم، وهي عبارة عن نصف كيلو من العجينة يضاف لها القليل من الزبدة، والجبن، والموتزاريلا قليلة الدسم، والفانيلا، والفستق.
عرضة للخطر
في السياق، ترى الناشطة الحقوقية، أمل الصبري، أن الفقر وارتفاع معدلات البطالة وغياب فرص العمل، من أهم الأسباب التي تدفع الشابات إلى العمل في الأماكن العامة، وافتراش الشارع لتصريف بعض المنتجات.
● العادات والتقاليد والثقافة السائدة جعلت من عمل المرأة في الأسواق العامة والأرصفة عملًا معيبًا، وغير مسموح به مجتمعيًّا، ويعد في الحقيقة من الأعمال التي تعرض الفتيات للخطر، بحيث يصبحن أكثر عرضة للنقص والتحرشات والاعتداءات والمضايقات.
وتقول الصبري لـ"خيوط": "العادات والتقاليد والثقافة السائدة جعلت من عمل المرأة في الأسواق العامة والأرصفة عملًا معيبًا، وغير مسموح به مجتمعيًّا، ويعد في الحقيقة من الأعمال التي تعرض الفتيات للخطر، بحيث يصبحن أكثر عرضة للنقص والتحرشات والاعتداءات والمضايقات".
وتنوه الصبري بضرورة وجود مبادرات حكومية ومبادرات خاصة بمنظمات المجتمع المدني عبر إعلان برامج تُقدِّم التدريب والدعم للنساء في البلاد عمومًا، ومن بينها تعليم الحرف المختلفة، والمساعدة في إقامة مشاريع واعدة؛ بهدف دعم وخلق فرص عمل، وتمكين المرأة، فهذه من الحلول التي تأخذ بيد النساء، وتحميهن من المضايقات والعمل العشوائي بلا رؤية ولا وجهة.
إحصائيات كارثية
ووفقًا للمسح الشامل للقوى العاملة في اليمن، الذي نفذته منظمة العمل الدولية والجهاز المركزي للإحصاء سنة 2015، فإن نسبة القوى العاملة من النساء في اليمن، من إجمالي القوى العاملة في البلاد، تصل إلى 4.5%، فيما بلغ معدل بطالة الشباب (15-24) عامًا، 24.5%، أي زهاء ضعفي المعدل الوطني. علاوةً على ذلك، فإن نحو ضعف الشباب العاطل عن العمل (45%)، لا يخضع لأي تدريبٍ أو تعليم.
وكشف المسح أيضًا، أن نسبة العاملات من أصل جميع اليمنيات في سن العمل تبلغ 4.5% فقط. كما وجد أنّ معدل بطالة المرأة (26.1%)، يفوق ضعفي معدل بطالة الرجل (12.3%). وتكسب المرأة في المتوسط 40400 ريال يمني شهريًّا، مقابل 53300 ريال للرجل، في حين يبلغ المعدل الوطني 52500 ريال.
وتشير الأبحاث إلى أن الحرب أثرت على النساء في القوى العاملة أكثر من الرجال، ففي عام 2015، انخفضت عمالة الذكور بنسبة 11%، بينما انخفضت عمالة الإناث بنسبة 28%. وتتفاوت هذه الأرقام على الصعيد المحلي، فبينما انخفضت عمالة النساء في صنعاء بنسبة 43%، بسبب تضرر القطاع الخاص بشدة، ارتفع عدد النساء العاملات في عدن بنسبة 11%.