وجدت إجلال صالح (22 عامًا)، نفسها أمام مسؤولية كبيرة بعد انفصالها عن زوجها، لا سيما أنها أصبحت تعيل طفلًا رضيعًا بمفردها، وعليها توفير كافة الاحتياجات له. لم تكن وقتها تملك وظيفة أو حرفة يمكن من خلالها توفير مصدر دخل، إضافة إلى ذلك فإنها لم تستطع في السابق مواصلةَ تعليمها الجامعي، كي يسهّل لها ذلك العثور على عمل.
تقول إجلال إنّها كانت تمر في ذلك الوقت بلحظات صعبة تصفها بـ"التوهان"، ولا تعرف ما الذي تفعله، ولا من أين تبدأ حياتها، خاصة في ظلّ الظروف الصعبة التي تشهدها اليمن منذ بداية الحرب في العام 2015.
فيما بعد، بدأت إجلال بأخذ دورات تدريبية عبر تطبيق (الواتساب) في: التصميم، والفوتوشوب، والتسويق، وصنع الهدايا وتغليفها، ومجالات أخرى عديدة، مشيرةً إلى أنّها استفادت كثيرًا من الدورات التدريبية عبر تطبيق (الواتساب)، وساعدتها فيما بعدُ بإنشاء مشروع خاص بها.
تضيف إجلال لـ"خيوط"؛ أنّ تنافس النساء في مجموعات (الواتساب) الخاصة بالأكاديمية، كان يعطيها نوعًا من الإلهام والإصرار في العمل على مشروعها، لا سيما أنها كانت ترى كثيرًا من النساء المتدربات، استطعن تحقيق طموحات كثيرة وفتح مشاريع وأعمال عديدة، بالإضافة إلى الاستشارات اللازمة التي يتم تقديمها.
أطلقت إجلال على مشروعها اسم (طريق الفن)، وذلك من أجل ربط مصطلح الطريق الذي بدأت بالعمل عليه، بالفن الذي تقدمه وتسعى إلى تطويره باستمرار؛ حد قولها. والمشروع عبارة عن بيع وتغليف الهدايا وتوصيلها إلى أي مكان، بحسب طلب الزبون، وما يميز المشروع عن غيره من المشاريع هو أنها تقوم بصناعة ونحت الهدايا والقطع المختلفة بنفسها.
استطاعت إجلال من خلال مشروعها كسبَ المال وتطويره في مدة قصيرة، رغم قلة الإمكانيات والدعم المادي ونحوهما، في بداية الأمر، إضافة إلى أنّها التحقت بالتعليم الجامعي بعد أن أصبح مشروعها يغطي تكاليف التعليم ونفقاته، وفي السياق، تقول إنّ ذلك لم يكن ليحدث لولا "وريف".
تسعى الأكاديمية إلى تدريب وتأهيل المزيد من النساء اليمنيات في مختلف المجالات، وتُخرِّج آلاف النساء القادرات على إدارة مشاريعهن المختلفة، إضافة إلى تقديم مزيد من الدعم في إدارة تلك المشاريع وتطويرها حتى تصبح أعمالًا مدرّة للدخل.
وتعتبر وريف أكاديمية افتراضية خاصة بتدريب وتأهيل النساء في اليمن، بدأت العمل في منتصف العام 2018، إذ توضح عنود الإسكندراني، وهي مؤسِّسة الأكاديمية، أنها عرضت الفكرة على مجموعة من صديقاتها من أجل مساعدة النساء في تعليم مهارات قد تُحدِث لهن تغييرًا في حياتهن العملية.
بحسب حديث الإسكندراني لـ"خيوط"، فإنّ البداية كانت عبر إنشاء مجموعة خاصة عبر تطبيق (الواتساب)، تقوم به كل فتاة بتدريب الموجودات بما لديها من خبرات أو مهارات، كالطبخ والخياطة والتطريز وغيرها، والغرض من هذا كله، محاولة إكساب النساء مهارات مختلفة من أجل العمل.
مركز تأهيل إلكتروني
في البداية، كان الغرض من تلك المبادرة استهداف النساء في المناطق الريفية والنائية والتي لا تصل إليها فرص التدريب والتأهيل بشكل جيد؛ حسب قول عنود، وكان الأمر في البداية صعبًا على المؤسِّسات لهذه المبادرة، كما أن عدم تقبل كثيرٍ من النساء لهذا العمل كان أحد أهم العوائق، وظلت المبادرة كثيرًا غير قادرة على الوصول إلى هدفها الأساسي.
تضيف الإسكندراني، أن الفكرة ظلت طوال تلك الفترة محدودة، ولم يكن هناك إقبالٌ كبير ولا دعم كافٍ للتوسع، غير أنها كانت فقط تعتمد على التدريب عبر تطبيق (الواتساب)، الذي كان بحد ذاته عائقًا أيضًا؛ لعدم وجود ثقافة كبيرة في جانب إمكانية التعليم عن بعد. وإلى ما قبل ظهور (كوفيد-19) في اليمن، كان الإقبال قليلًا أيضًا، غير أنّ الوضع اختلف بعد أن دخلت الجائحة اليمن، ما جعل العالم يتحول بأكمله نحو التعليم عن بعد. وتضيف عنود موضحةً أنّ كورونا ساعدها وأعضاء المبادرة بشكل كبير جدًّا، لا سيما مع توقف الدراسة وبعض الأعمال، إذ لجأت كثيرٌ من النساء إلى أخذ تدريبات مكثفة من قبل أعضاء المبادرة، واستطاعت المبادرة خلال فترة وجيزة التوسع بشكل كبير، وتنظيم العمل بشكل أفضل وتقديم مهارات إضافية.
كما توضح عنود أنّ كورونا كان أهم الأسباب التي جعلت المبادرة هذه تتوسّع وتتحوّل إلى أكاديمية معتبرة، تُقدِّم فرصًا عديدة للكثير من النساء في مختلف المجالات؛ إذ أصبحت تضمّ أكثر من 70 مجالًا من مجالات التدريب والتأهيل، ابتداءً من الطبخ والخياطة والتطريز، وصولًا إلى التصوير والمونتاج والجرافكس وإدارة الأعمال، وغيرها من المجالات.
واستطاعت أكاديمية وريف في وقتٍ قصير، مساندةَ آلاف النساء في اليمن، وتدريبهم وتأهيلهم بشكل جيد، كما استطاعت كثيرٌ من هذه النساء فتح مشاريعهن وأعمالهن الخاصة، حيث لا تزال كثيرٌ منهن تتلقى الدعم المعنوي والتأهيل والاستشارات المختلفة حتى بعد انخراطهن بسوق العمل، إذ أصبحت الأكاديمية مرشدًا لهن.
كما أنّ الأكاديمية -وفق الإسكندراني- لا تعطي شهادتها لأيّ امرأة أخذت أي تدريب، إنما تكون الشهادات فقط للنساء اللواتي أخذن دورات مكثّفة في أحد المجالات، ويصلن إلى مرحلة يكنّ بالفعل قادرات على الاستفادة مما درسنَه بشكل جيد. وتشير إلى أنّ هناك حوالي خمسة آلاف امرأة تخرجن حتى الآن من الأكاديمية، وهن مستفيدات مما تلقّينه من تدريبات مكثفة وتطبيقات عملية وعلمية، وهناك غيرهن كثيرات تدربن في الأكاديمية، لكن لم يحالفهن الحظ بالانتقال إلى سوق العمل أو الاستفادة ممّا تدرّبن عليه، كذلك تشير عنود إلى أنّ هناك حوالي 20 ألف امرأة قد تدربن في الأكاديمية، من مختلف المناطق اليمنية، بالإضافة إلى أنّ هناك متدربات من خارج اليمن، لكن أغلبهن من اليمنيات في الخارج.
وتسعى الأكاديمية إلى تدريب وتأهيل المزيد من النساء اليمنيات في مختلف المجالات، وتُخرِّج آلافَ النساء القادرات على إدارة مشاريعهن المختلفة، إضافة إلى تقديم مزيدٍ من الدعم في إدارة تلك المشاريع وتطويرها حتى تصبح أعمالًا مُدِرّة للدخل. هذا وتدرس الأكاديمية إمكانية إنشاء تطبيق ومنصة خاصة بالأكاديمية يمكن من خلالها مساعدة النساء بشكل أفضل، وتتمنى وريف التوسع أكثر والوصول إلى أكثر النساء احتياجًا لهذه الخدمات في مختلف المناطق والمدن اليمنية، وأن تكون أهم المرجعيات لهن.
تنمية مجتمعية
في الصدد، تقول مروى العريقي- كاتبة صحفية:
"إنّ تنصُّل أجهزة الدولة تجاه مسؤوليتها في التنمية المجتمعية، دفع كثيرًا من النساء في اليمن إلى تبني هذه المسؤولية بجهود فردية وذاتية، على الرغم من تدهور أوضاع النساء خلال الحرب في جميع المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والسياسية، لكن استطاعت عددٌ من النساء المساهمة في نطاق تخصصها، كالطبيبة أشواق محرم، التي من خلال مبادراتها الإنسانية في مساعدة الحالات الأشدّ فقرًا في ريف مدينة الحديدة، بيّنت أهمية تقديم الدعم الإغاثي لعددٍ من الأُسَر هناك.
وفي مدينة تعز، ترأست الشابة وئام المقطري، المجلسَ المجتمعي المختص بحل النزاعات المجتمعية والأعمال التنموية، رغبة منها في تقديم المساعدة لأبناء منطقتها من جهة، وإثبات قدرة النساء على تحقيق النجاح من جهة أخرى، وبالفعل شرعت في العمل على حل نزاع مجتمعي، بين حيَّين سكنيين، استمرّ سنوات.
وتشير العريقي إلى أنّ هذا الدور يعكس مدى أهمية الدور الذي تقوم به اليمنيات في التنمية المجتمعية أثناء الحرب، علاوة على تحولها إلى معيل لنفسها وأسرتها؛ الأمر الذي أكسبها ثقة بذاتها واحترامًا من محيطها. مع ذلك، تظل الأعراف الاجتماعية الصارمة في النظام الاجتماعي اليمني عائقًا أمام تمكين المرأة في مجالاتٍ عِدّة.