هطلت الأمطار الموسمية في اليمن بغزارة منذ بداية يوليو/ تموز، وحتى نهاية أغسطس/ آب، أخذت السيول في طريقها البشر، والشجر، والحجر، مخلِّفةً مآسٍ ما تزال تداعياتها قائمة حتى اللحظة في مختلف محافظات اليمن من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق دون استثناء، لكنها كانت أشد وطأة على اليمنيين الذين يعيشون في العراء أو في خيام مهترئة، وها هو الشتاء القارس يطل ببرودته القارسة على خيم النازحين، لتبدأ معه فصول جديدة لمعاناة مئات الأسر المشردة بفعل حالة الحرب التي تشهدها البلاد منذ عشرة أعوام.
السيول والنزوح.. وجع على وجع
تعيش أكثر من 13568 أسرة نازحة، أي حوالي 72281 شخصًا نازحًا، في مخيمات النزوح بتعز في الرحبة، والأشروح، والراجحي، ظروفًا إنسانية قاسية، بالتزامن مع هطول الأمطار الغزيرة التي شهدتها المرتفعات الجنوبية الغربية، وفي مقدمتها محافظة تعز، وإب، والضالع، حيث احتلت صدارة أعلى كمية تساقط؛ بحسب المركز الوطني للمعلومات، وأمام شدة هذه الرياح والسيول الجارفة، يجد النازحون أنفسهم، في مواجهة غير متكافئة مع التغيرات المناخية والأمطار الغزيرة إلا من التضرع لله، وتوجيه النداءات الإنسانية لمن بيده أن يساهم في التخفيف من معاناتهم وعذاباتهم المتواصلة.
خيام متهالكة لا تقي حرارة صيف ولا زمهرير شتاء، وخدمات شبه منعدمة، ثم كوارث السيول التي أتت على ما تبقى لهؤلاء البسطاء المسحوقين، الذين قذفت بهم الحرب للعراء، وتوشك أن تلفظهم السيول والأمطار الغزيرة إلى خارج الحياة تمامًا، خاصة كبار السن والصغار منهم.
ومع موسم هطول الأمطار الغزيرة، يواجه النازحون داخل خيامهم المتهالكة، التي لا تقيهم من حرارة الشمس الحارقة، ولا من الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة، والبرودة القاسية، مما ضاعف من معاناتهم، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن، والمرضى، وهي الفئات الأكثر تضررًا من الأوضاع المأساوية في تلك المخيمات، التي غزتها السيول في الصيف ورياحه، ويتربص بها الشتاء.
,واجهت الأسر النازحة ساعات صعبة ومرعبة، فوق ما يتخيله عقل، ساد القلق والخوف، والبكاء والصراخ، خاصة بين الأطفال والنساء وكبار السن، وللأسف تعيش هذه الأسر تحت الطرابيل والخيام المتهالكة منذ تأسيس المخيم في 17 مارس/ آذار 2021.
رعب المطر وقسوة الشتاء
عبدالعزيز شمسان، مندوب مخيم الرحبة، يتحدث لـ"خيوط"، عن أوضاع النازحين في المخيم بالقول: "تعاني أكثر من 176 أسرة نازحة في مخيم الرحبة من ظروف بالغة القسوة نتيجة هطول الأمطار الغزيرة، حيث تدفقت المياه إلى داخل خيامهم، مما تسببت بغرق كل أغراضهم من فرش ومواد غذائية وملابس وأدوات منزلية في صيف قاسٍ، وشتاء على الأبواب".
وأشار شمسان إلى أن الأسر تواجه صعوبات كبيرة بسبب عدم توفر مأوى مناسب يحميهم من الأمطار والبرودة والمخاطر المحيطة، علاوة على أنهم لا يستطيعون سد احتياجاتهم اليومية من الأكل والشرب.
وتابع شمسان: "عاشت الأسر النازحة ساعات صعبة ومرعبة، فوق ما يتخيله عقل، ساد القلق والخوف، والبكاء والصراخ، خاصة بين الأطفال والنساء وكبار السن، وللأسف تعيش هذه الأسر تحت الطرابيل والخيام المتهالكة منذ تأسيس المخيم في 17 مارس/ آذار 2021.
ويناشد الجهات المعنية، لتوفير الدعم اللازم للأسر النازحة، بما في ذلك المساعدات الغذائية والإيوائية، لضمان حياة كريمة وآمنة لهم.
أم محمد، نازحة من منطقة الطوير، تحكي لـ"خيوط" الأضرار التي لحقت بأسرتها، وبخيمتها بشكل كامل، بالقول: "عندما بدأت الأمطار بالهطول لم أستطع النوم، كانت الليلة مرعبة، الأمطار تسربت من كل مكان إلى داخل الخيمة، وكلما مر الوقت زاد الأمر سوءًا؛ ترتجف قلوب أطفالي خوفًا، وأجسادهم بردًا، وأنا أمام هذا الحدث الجلل أقف عاجزة عن مدهم بالطمأنينة والأمان والدفء الذي ينتظرونه مني كأم، إلا من بعض الملابس الرثة والمهترئة".
"لم تترك لنا الأمطار الغزيرة شيئًا في مخيمات النزوح، نحن نعيش حياة ليس فيها أدنى مستوى أمان أو كرامة، يسيطر علينا خوف دائم من أن تتكرر هذه الكارثة، فيما ينصبّ همّنا بعد توقف المطر في الحصول على ما نسد به رمق جوعنا"؛ تضيف أم محمد.
لا يختلف الوضع في مخيم الراجحي، الذي عانى فيه النازحون ويلات الأمطار الغزيرة. خالد مقبل، أب لثلاثة أطفال، يسكن في مخيم الراجحي، في خيمة مهترئة مزقتها الرياح والعواصف الممطرة، وأتت السيول لتغمرها بالمياه الضحلة، مما أدى إلى تلف كل شيء تملكه عائلة مقبل.
يقول مقبل في حديث لـ"خيوط": "اجتاحت الأمراض المخيم، خاصة في أوساط الأطفال، الذين أصيب جلّهم بنزلات البرد التي وصل بعضها إلى التهابات حادة في الرئة، إلى جانب السعال، والحميات، بينما ليس بمقدور أولياء الأمور، وبينهم أنا، حماية هذه الأرواح الغضة التي جاءت إلى الحياة، لتكابد عذابات الحرب، ومعاناة التغيرات المناخية التي لا ترحم كبيرًا ولا صغيرًا".
من جانبها، تتحدث حياة عبدالله، وهي أم لثلاثة أطفال، وتعيش في مخيم الأشروح، لـ"خيوط"، عمّا واجهه النازحون في عز فترة هطول الأمطار، بالقول: "أسوأ من الظروف الطبيعية التي واجهتنا هو الألم النفسي، وعدم الشعور بالأمان الذي لحق بنا جميعًا جراء اجتياح الأمطار والرطوبة خيامنا، للحد الذي بتنا فيه نخاف من الصيف والجو الغائم، ومن الرعود والبروق، إذ ارتبطت هذه الظواهر بالمعاناة والألم".
أمام عناء هؤلاء النازحين، الذين هربوا من جحيم الحرب إلى رمضاء التغيرات المناخية العنيفة في مخيمات الإيواء بتعز، هناك تخاذل عام رسمي وشعبي، وغياب شبه تام للاستجابة الإنسانية العاجلة التي تشمل الخدمات الأساسية من إيواء، وغذاء ورعاية صحية، خاصة أن العديد من هؤلاء النازحين فقدوا مساكنهم، حيث بلغ عدد الأسر المتضررة من الأمطار والسيول خلال أغسطس/ آب المنصرم، ما يقارب 4346 أسرة.
استجابة لا توازي حجم الأضرار
من ناحيته يتحدث لـ"خيوط"، مدير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في تعز، علي قائد، عن الوضع العام لمخيمات النازحين في محافظة تعز، بالقول: "الوضع في المخيمات مأساوي، لكم أن تتخيلوا كيف صنعت الأمطار بالبيوت والجبال والوديان، وما سيصنعه الشتاء القارس، فما بالكم بهذه الخيام المهترئة التي صمدت سنوات أمام كل عوامل التعرية، وأخيرًا جاءت هذه التقلبات لتكمل ما تبقى".
ويضيف قائد: "أمام عناء هؤلاء النازحين، الذين هربوا من جحيم الحرب إلى رمضاء التغيرات المناخية العنيفة في مخيمات الإيواء بتعز، هناك تخاذل عام رسمي وشعبي، وغياب شبه تام للاستجابة الإنسانية العاجلة التي تشمل الخدمات الأساسية من إيواء، وغذاء ورعاية صحية، خاصة أن العديد من هؤلاء النازحين فقدوا مساكنهم، حيث بلغ عدد الأسر المتضررة من الأمطار والسيول خلال أغسطس/ آب المنصرم، في هذه المحافظة ما يقارب 4346 أسرة".
داعيًا المنظمات الدولية والمحلية والجهات المعنية إلى التحرك بشكل عاجل، لتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين وللنازحين الأكثر ضعفًا.
معاناة إنسانية فاقمتها تقلبات المناخ
وجاء في أحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن عام 2024 عامٌ مليء بالتحديات بالنسبة لليمنيين، إذ تفاقم الوضع الإنساني بفعل التأثيرات المدمرة للتغيرات المناخية، التي شهدت خلالها العديد من مناطق البلاد أمطارًا غزيرة وفيضانات، تسبّبت بخسائر في الأرواح والممتلكات.
ووفقًا للتقرير، يحتاج حوالي (18.2) مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في اليمن، بما في ذلك أكثر من (4.5) مليون نازح داخليًّا، على الرغم من هذه التحديات الكبيرة، يظل الشركاء الإنسانيون صامدين في جهودهم.
وأشار التقرير إلى أن الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024، واصلت فيها 162 منظمة إنسانية تقديم المساعدات إلى ما معدله (2.7) مليون شخص شهريًّا. وقد تم الوصول إلى ما معدله (1.8) مليون شخص شهريًّا بمساعدات غذائية، بينما حصل أكثر من 518,000 شخص على الرعاية الصحية. وتم توفير خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة لأكثر من 617,000 شخص، وتلقى حوالي 331,000 شخص دعمًا غذائيًّا.