قات الشتاء شديد السُّمّية

قنبلة في أفواه المتعاطين
محفوظ الشامي
January 11, 2025

قات الشتاء شديد السُّمّية

قنبلة في أفواه المتعاطين
محفوظ الشامي
January 11, 2025
.

لا يستطيع علي مسعد، مواطن من أبناء محافظة الضالع، ترك تعاطي نبتة القات في فصل الشتاء ولو يومًا واحدًا، رغم ارتفاع سعره بشكل لافت عن بقية فصول السنة؛ لندرة وجوده في المزارع، ورغم علمه بكمية المبيدات الحشرية الخطيرة التي يرشها المزارعون على مزارع القات، ولا يخفي علي مسعد مخاوفه من الآثار المترتبة على استمراره تعاطي وريقات القات، إذ يؤكد تعرضه لأزمات مرَضية؛ منها ما هو متعلق بآلام المعدة، ومنها ما يضاعف آلام اللثة والأسنان، ولكنه يُرجع عدم قدرته على ترك القات إلى ما أسماها بـ"حالة التعود"، وهي حالة إدمان تسيطر على ملايين من اليمنيين المتعاطين للقات بشكل يومي.

يتخذ علي مسعد بعض الاحتياطيات التي يعتقد أنها تخفف من تأثير المادة السمية على جسمه كلما تعاطى القات في فصل الشتاء، ومن تلك الاحترازات غسل القات مرات عديدة، وإدخال مادة الملح بين الماء لإزالة السم، ومع كل ذلك لا ينجو من مضاعفات وآلام تضطره في بعض الأحايين إلى زيارة العيادة الطبية وشراء بعض الأدوية المسكّنة.

صنفت منظمة الصحة العالمية نبتة القات عقارًا ضارًّا لاحتوائها على مينوامين شبه قلوي، ويدعى الكاثينون الشبيه بأمفيتامين منشط، وهو مسبب لانعدام الشهية وحالة النشاط الزائد، ويتسبب بحالة إدمان خفيفة أو متوسطة (أقل من الكحوليات والتبغ). كما أدرجت المنظمة النبتةَ عام 1973، ضمن قائمة المواد المخدرة بعد إجرائها لدراسات وأبحاث استمرت ست سنوات، وفي عام 1980، أصدرت المنظمة تصنيفًا للنبتة، بكونها مخدرًا ضارًّا يصيب بالإدمان النفسي.

أقوى المبيدات وأشدها سمّية

يعمد مزارعو القات في فصل الشتاء إلى رش المزارع بالعديد من المبيدات الحشرية شديدة السمية، كما يؤكد ذلك المهندس الزراعي هلال مطير، إذ يقول لـ"خيوط": "ما يدفع المزارع أيام البرد لاستخدام أقوى المبيدات وأشدها سُمِّيّة، هو السعي لإنتاج نبتة القات وبيعها بأسعار مرتفعة؛ نتيجة انعدامها لدى كثير من المزارعين، ومن ثم من لديه حقل أو بعض الحقول فإنه يسابق الزمن سعيًا للتفرد بالبيع وتحقيق الكسب الكثير".

ويؤكّد المهندس مطير أنه في فصل الشتاء من الطبيعي أن يسعى المُزارع للتخفيف على النبات من أثر الصقيع الذي يجمد نموه؛ وذلك بالري بالرذاذ أو السقاية السطحية، وهي عملية الرش بالماء فوق الأشجار، ولكنْ مزارعو القات لا يكتفون برش القات بالماء وحسب، بل يفرطون برش المبيدات شديدة السمية، علمًا أنّ الرش بالماء يساعد في عملية النمو للنباتات بشكل عام خلال فصل الشتاء شديد البرودة.

بعض المزارعين يتركون محصول القات بعد رشه بالمبيدات أيامًا حتى ينتهي المفعول السمّي ثم يقطفونه ويسوقونه للبيع في أسواق المحافظة، وبعضهم الآخر يقطفون القات بعد رشه بيوم أو يومين، وهذا ما قد يصيب الكثيرين من المتعاطين بالأمراض والآلام. 

في محافظة حجة الواقعة في الشمال الغربي للعاصمة صنعاء، يقول مزارع القات أنس الغيلي، إن استخدامه للمبيدات الحشرية في رش القات بكثرة في الشتاء، سببه أن تأثير المبيدات ضعيف، ما يدفعه إلى رش المزيد؛ وذلك لعدم وجود حرارة كافية تساعد في عملية إنبات غصون القات، كما يحصل في فصل الصيف.

ويستطرد مزارع القات الغيلي في حديثه لـ"خيوط"، بقوله إن بعض المزارعين -وهو منهم- يتركون محصول القات بعد رشه بالمبيدات أيامًا حتى ينتهي المفعول السمي ثم يقطفونه ويسوقونه للبيع في أسواق المحافظة، في حين أن بعضهم الآخر، ممن وصفهم بقوله "لا يخافون الله"، يقطفون القات بعد رشهم له بيوم أو يومين، وهذا باعتقاده يصيب الكثيرين من المتعاطين بالأمراض والآلام، كما يعبر عن أسفه بصفته مزارعًا للقات، عن هذه التجاوزات التي تسيء -كما أشار- لسمعة المزارعين بشكل عام.

قات المحافظتين الأشد خطرًا

يقف محمد الهادي، وهو مالك لمزارع قات في دمت بمحافظة الضالع، أمام مزرعته التي تأخر نمو أغصانها، محتارًا، إذ يسابق الزمن لقطف تلك الأغصان وبيعها، في وقت لا يزال سعر القات فيه مرتفعًا، إذ ينوي تكثيف استخدام المبيدات الحشرية الأعلى سمية؛ وذلك لعدم تجاوب الأغصان في النمو إثر رشه لها قبل أيام بمبيدات هي من وجهة نظره كونه مزارِعًا عادية، وعندما وجهت "خيوط" سؤالًا له مفاده: "هل تشعر بالذنب إزاء رشك للقات بالمبيدات الخطيرة وبعد ذلك تقطف وتبيع للمتعاطين؟"، اكتفى بتعليق مختصر وبعبارة توحي بمدى غياب الرقابة التي يفترض أن تكون ناظمة للمزارعين وأن تحد من هذا الإسراف في رش المبيدات، إذ قال منفعلًا: "نفعل من جيز الناس".

كثير من متعاطي القات يشكون من الأمراض والآلام إثر التأثير الذي يلحق بهم من المبيدات الحشرية، وقد وجهت "خيوط" أسئلة لعينات مختلفة من محافظات اليمن، وما يثير الانتباه هو أن معظم أجوبة المتعاطين تركّزت على تحديد محافظتين قاتهما هو الأشد خطرًا، وهما محافظتا صعدة والضالع؛ وذلك لكثرة استخدام المزارعين المبيدات السامة والأسمدة الكيميائية الخطرة.

بحسب الدكتور وهاج المقطري، استشاري أول في طب الحالات الحرجة وأمراض الجهاز التنفسي، فإن المرضى إثر تعاطي القات المرشوش بالمبيدات السمية وبشكل دائم، يصلون إلى المستشفى الذي يعمل فيه وهم مصابون بسرطانات المعدة والقولون وتقرحات الفم والفشل الكلوي وتليف وتشمع الكبد، وكل هذه الأضرار القاتلة تنجم عن استخدام المبيدات الحشرية الخطيرة وشديدة السمية؛ وفقًا للدكتور. 

يصل تأثير المبيدات الحشرية السامة إلى أوساط النساء والحوامل وإلى الأجنة في بطونهن، على اعتبار أن كثيرات منهن في محافظات عدة، ومنها الضالع، صرن يتعاطين القات بشكل يومي، ومن ثم يصبن بأمراض منها التسمم الغذائي ونقص التغذية الذي قد يسبب لهن الإجهاض.

من جانبه يؤكد الدكتور مجيد الضحياني، استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية، أن أكثر ما يصيب الناس في فصل الشتاء هي أمراض التهابات المثانة البولية، إذ يسهم تعاطي القات المسموم في مضاعفتها لدى المصابين. ويضيف الدكتور أن تأثير تعاطي القات المسموم له آثار على المدى القريب والبعيد، فالقريب أعراضه الالتهابات في المسالك البولية، والبعيد يتسبب بسرطانات في المثانة والكلى.

الدكتور عبدالناصر التام، استشاري أمراض الباطنية والقلب، يعمل في إحدى المستشفيات بمحافظة الضالع، يصنف مناطق دمت والعود ومريس وجبن بالضالع وكذا رداع في البيضاء، من أكثر المناطق التي يُصاب بها الناس بالتهاب الكبد المناعي؛ وذلك لأن هذه المناطق تنتشر فيها زراعة القات والإفراط في استخدام المبيدات القاتلة وشديدة السمية.

نساء ينقلن أمراضهن للأجنة!

يصل تأثير المبيدات الحشرية السامة إلى أوساط النساء والحوامل وإلى الأجنة في بطونهن، على اعتبار أن كثيرات منهن في محافظات عدة، ومنها الضالع، صرن يتعاطين القات بشكل يومي، ومن ثم يصبن بأمراض منها التسمم الغذائي ونقص التغذية الذي قد يسبب لهن الإجهاض؛ وذلك لأن تعاطي القات يُفقد الشهية طبقًا لما قالته الدكتورة إلهام الضياني، اختصاصية النساء والولادة. وتتابع الدكتورة الضياني محذرة من مخاطر القات المسموم على النساء، أنه يتسبب بالتهابات في الدم، وسرعان ما تنتقل تلك الأمراض إلى الجنين.

ويغيب الجانب الرسمي تمامًا عن مشهد المبيدات الذي يمكن اعتباره كارثيًّا؛ لأثره المباشر على صحة الناس، فبحسب مسعد معرب، مدير عام مكتب الزراعة في محافظة الضالع، التي تعد واحدة من أكثر المحافظات زراعة للقات، فإنه من الصعب السيطرة والرقابة على الآلاف من المزارعين، ومنعهم من الإفراط في استخدام المبيدات السمية. ومن ثمّ فالأمر يعود إلى مسؤولية الدولة بدرجة رئيسية لمنع استيراد تلك المبيدات ومنع دخولها البلاد أو التقليل من وجودها في الأسواق كخطوة أولى للمعالجة.

لا سقف محدد لاستخدام المبيدات الحشرية لدى مزارعي القات، سواء كانت شديدة السمية أو منتهية الصلاحية، فغايتهم الربح والربح السريع أيًّا تكن الوسيلة لذلك، ولا وسيلة إلا المبيدات. ومع استمرار رش المزارعين لغصون القات بالسم، لا يتوقف متعاطوه عن تعاطيه بشكل يومي حتى في فصل الشتاء الأشد خطرًا عليهم، الأمر الذي يتسبب بانتشار الأمراض المذكورة طبقًا للأطباء، التي يتضاعف بعضها عند المريض، ما يضطره للسفر خارج اليمن لتلقي العلاج وسط مأساة كان بالإمكان تفاديها لو أن ثمة قليلًا من تقدير المآل الخطير.

•••
محفوظ الشامي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English