قبل أكثر من ثلاثة أشهر من الانتخابات الأمريكية التي فاز بها المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، على الرئيس السابق المثير للجدل ترامب، شرح المرشح للانضمام للفريق الوزاري للرئيس الحالي بايدن آنذاك وزير الخارجية الحالي أنتوني بلنكن، في مقابلة أجراها مع إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية السياسة الخارجية التي سيُتبعها جوزيف بايدن مع الملفات الساخنة في المنطقة، وأهمها بالطبع ملف الحرب الدائرة في اليمن.
في هذا الخصوص قال بلينكن، إن الحرب في هذا البلد الفقير أصبحت عبثية بعد ما طال أمدها بصورة لم تعد تحتمل، في ظل تبعاتها الكارثية على اليمنيين الذين يكابدون أوضاعًا معيشية مأساوية، وشدد كثيرًا على أن تحقيق هذا الهدف المنشود في إيقاف الحرب في اليمن يتطلب تعاون جميع الأطراف المعنية، والأهم إتاحة الفرصة لإشراك لاعبين جدد مؤثرين لتسهيل أي جهود تسعى للتوصل إلى حل سلمي في اليمن بالتوازي مع جهود مماثلة للتخفيف من معاناة اليمنيين وحدّة الأزمة الإنسانية التي تضرب البلاد.
ردد وزير الخارجية الحالي، في المقابلة أكثر من مرة في هذه المقابلة، أن ملف الحرب في اليمن يجب أن يتصدر اهتمامات السياسة الأمريكية الخارجية، لأن الحرب في هذا البلد الفقير لم تعد تحتمل على الإطلاق.
تمت ترجمة هذه الأفكار التي وضعها آنذاك وزير الخارجية الحالي بمجموعة قرارات، تصدرت أجندة الرئيس الأمريكي المنتخب في أول شهر من تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم إيقاف آخر قرارات الإدارة السابقة بتصنيف أنصار الله (الحوثيين) على قائمة الإرهاب بعد ضغط أممي لإلغاء القرار، مع إبقاء العقوبات على ثلاثة من قادة الجماعة الذين أضيف إليهم شخصيات أخرى شملتها قائمة العقوبات.
بعد تلويح بورقة إيقاف صفقات أسلحة مبرمة مع بعض دول التحالف المشاركة في الحرب الدائرة في اليمن، وأهمها السعودية والإمارات، كانت الخطوة الأهم، المتمثلة بتعيين السياسي المخضرم تيموثي ليندركينغ مبعوثًا خاصًّا للرئيس الأمريكي لليمن.
كانت الخطوة الثانية الضغط باتجاه حشد الموارد الدولية لمساعدة اليمن، وفق خطة تعهدات وضعتها الأمم المتحدة قدرتها بنحو 3.85 مليار دولار، إذ استضافت حكومتا السويد وسويسرا عبر تقنية الفيديو، مؤتمرًا خاصًّا لمانحي اليمن وخرج المؤتمر بتعهدات وصلت إلى 170 مليار دولار، كان بمثابة خيبة أمل عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة لعدم وصول المبلغ إلى السقف الذي حددته المنظمة الأممية.
تنشيط جهود السلام
في الكلمة التي ألقاها في المؤتمر، قال وزير الخارجية الأمريكي بلنكن: "بالطبع، يمكن للمساعدات أن تسهم في تقليل المعاناة وتخفيف اليأس الذي غالبًا ما يؤجج الصراعات، بيد أن هذه المساعدات وحدها لن تؤدّي إلى إنهاء الصراع".
وشدد قائلًا: "لا يمكننا إنهاء الأزمة الإنسانية في اليمن إلا بإنهاء الحرب في اليمن، ولذا فإن الولايات المتحدة تعيد تنشيط جهودنا الدبلوماسية لإنهاء الحرب".
وشرح الخطة التي ستتّبعها بلده في هذا الجانب، والمتمثلة بالضغط على قادة أنصار الله (الحوثيين)، ودعوتهم -كما أكد- إلى وقف هجماتهم عبر الحدود وهجماتهم العسكرية التي تطيل أمد هذه الحرب.
النقطة الثانية التي سيتم انتهاجها -كما وضح- هي دعم العملية التي تقودها الأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث في جهودهما لوقف إطلاق النار، وزيادة وصول المساعدات الإنسانية، واستئناف محادثات السلام، مع دعوة جميع الأطراف إلى احترام القانون الدولي الإنساني ووقف الهجمات على المدنيين.
وأضاف بلنكن: "قمت مؤخرًا بتعيين تيم ليندركينغ مبعوثًا خاصًّا للولايات المتحدة إلى اليمن، ووفقًا لما يقوله، فإن السعوديين وحكومة الجمهورية اليمنية ملتزمون وحريصون على إيجاد حلّ للصراع. لذلك ندعو الحوثيين لمواكبة هذا الالتزام".
تتمثل الخطوة الأولى الضرورية بهذا الجانب وفق وزير الخارجية الأمريكية، في وقف هجوم الحوثيين على مأرب، المدينة التي يعيش فيها مليون نازح داخلي حاليًّا، والانضمام إلى السعوديين والحكومة في اليمن في اتخاذ خطوات بناءة نحو السلام.
جهود دبلوماسية نشطة تشهدها كلٌّ من مسقط، التي تستضيف وفدًا من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والرياض التي تستضيف الرئيس اليمني المعترف به دوليًّا عبدربه منصور هادي، وعواصم دول خليجية أخرى
واختتم حديثة بالقول: "يحدونا الأمل في الاستئناف السريع لمحادثات السلام الهادفة إلى وضع حدٍّ لهذا الصراع في النهاية. حان الوقت الآن للمضي قدمًا وتحقيق يمن أكثر استقرارًا وازدهارًا، حيث يتمكن مواطنوه من إعادة بناء حياتهم، ويكون لديهم –أخيرًا– الأمل في مستقبل أفضل".
حراك دبلوماسي
توجه المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيموثي ليندركينغ في أول مهمة يقوم بها، وذلك في الفترة من 22 شباط/فبراير إلى 3 آذار/مارس، والتي تم تمديدها، إذ عاد منذ يومين إلى الرياض لاستكمال ما بدأه من محادثات مع كبار المسؤولين الحكوميين في المنطقة، وكذا مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث.
تركزت مناقشات المبعوث الأمريكي الخاص ليندركينغ على نهج الولايات المتحدة ثنائي المسار لإنهاء الصراع في اليمن، والقائم على أساس إيجاد حلّ سياسي دائم للنزاع، وتقديم إغاثة إنسانية للشعب اليمني.
وبالرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن مساعدات إضافية لليمن، رغم التأكيد أنه لا يمكن للمساعدات الإنسانية وحدها أن تعالج جذور هذه الأزمة في اليمن؛ إذ لا بد إذن من وجود حلّ سياسي لهذا الصراع. وتحقيقًا لهذه الغاية، ندعو الأطراف للانضمام إلى العملية التي يقودها المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث، بدعم من الجهود الدبلوماسية النشطة بقيادة المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ لإنهاء الصراع في اليمن.
جهود نشطة تشهدها كلٌّ من مسقط، التي تستضيف وفدًا من جماعة أنصار الله (الحوثيين)، والرياض التي تستضيف الرئيس اليمني المعترف به دوليًّا عبدربه منصور هادي، وعواصم دول خليجية أخرى، مثل الكويت والدوحة التي يتوقع أن تلعب دورًا فاعلًا في الملف اليمني، وفق مراقبين، خصوصًا بعد إذابة الجليد في العلاقة بينها والحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا عقب زيارة قام بها وزير الخارجية في الحكومة أحمد عوض بن مبارك إلى الدوحة وما تبعها من ترتيبات لعودة العلاقة مع الدوحة إلى سابق عهدها.
كان الحدث الأهم في هذا الخصوص، وفق ما أعلنت عنه وكالة "رويترز"، عبر ما قالت إنه مصدران مطلعان، كشفا عن عقد مسؤولين أمريكيين كبار أول اجتماع مباشر مع مسؤولين من جماعة أنصار الله (الحوثيين) في سلطنة عمان، مع سعي الإدارة الأمريكية الجديدة إلى وضع نهاية للحرب اليمنية المستمرة منذ ست سنوات.
المناقشات التي لم يعلن عنها أي طرف جرت في مسقط في 26 من فبراير/شباط بين المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينج وكبير المفاوضين الحوثيين محمد عبدالسلام.
ورفض المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في إفادة صحفية يوم الأربعاء تأكيد أو نفي اجتماع ليندركينج مع الحوثيين، لكنه قال إنه عاد الآن إلى الرياض لمزيد من المشاورات مع مسؤولين سعوديين.
أضافت رويترز، أن اجتماع مسقط كان جزءًا من سياسة "العصا والجزرة" الجديدة التي يتبناها الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن الشهر الماضي وقف الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية.
يرى مراقبون أن هذه الحشود والتصعيد العسكري من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يشير إلى طريقة تعاملها مع هذه الجهود الرامية لوقف الحرب وإحلال السلام، إذ تتلقى هذه الرسائل بطريقة خاطئة، وهو ما يلاحظ في التصعيد العسكري الأخير الذي تتبعه في تخوم مأرب
والتقى ليندركينج مع عبدالسلام في مسقط، بعد اجتماعه مع مسؤولين من السعودية والأمم المتحدة في الرياض. كما زار الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر خلال جولته بالمنطقة. ولعبت الإمارات دورًا رئيسيًّا في الحملة التي تقودها السعودية في اليمن.
كما طالب ليندركينج الحوثيين بوقف هجوم مأرب، وشجع الحركة على الدخول بجدية في محادثات مع الرياض بشأن وقف إطلاق النار.
مواجهات عسكرية مكثفة
تدور هذه التحركات الدبلوماسية المكثفة بالتوازي مع تصعيد عسكري واسع على كافة الجبهات التي تتركز فيها المعارك مؤخرًا، خصوصًا في مأرب التي تشهد تصعيدًا وحشودًا عسكرية ضخمة من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) منذ منتصف الشهر الماضي، غير آبه بكل هذه التحركات لإحلال السلام في اليمن.
ويرى مراقبون أن هذه الحشود والتصعيد العسكري من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين)، يشير إلى طريقة تعاملها مع هذه الجهود الرامية لوقف الحرب وإحلال السلام، إذ تتلقى هذه الرسائل بطريقة خاطئة وهو ما يلاحظ في التصعيد العسكري الأخير الذي تتّبعه في تخوم مأرب.
وانضمت تعز إلى معمعة المعارك بعد هجوم شنته القوات التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا على مواقع أنصار الله (الحوثيين)، تركز جزء كبير منها في الجهة الشرقية للمحافظة في المواقع والمناطق الواقعة بالقرب من منطقة الحوبان.
ورغم تكثيف أنصار الله (الحوثيين) خلال اليوميين الماضيين من عمليات إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية تجاه السعودية، وإعلان متحدثها العسكري إصابة أكثر من هدف، منها موقع لشركة أرامكو، وردّ السعودية بغارات مكثفة للطيران الحربي تركز في مأرب وامتد ليشمل محافظات أخرى، مثل صنعاء وصعدة وحجة، إلا أن تقارير دولية تتحدث عن سعي السعودية في محادثات وقف إطلاق النار إلى الحصول على ضمانات بشأن أمن الحدود وكبح نفوذ إيران التي تدعم جماعة أنصار الله (الحوثيين).
تقارير دولية كشفت أيضًا عن ارتفاع مستوى التمثيل السعودي في المحادثات الافتراضية في الآونة الأخيرة، إذ إن السفير السعودي لدى اليمن، محمد الجابر، يتحدث حاليًّا مع عبدالسلام.
وفي الوقت الذي يسود فيه ترقب كبير عن مسارات هذا الحراك الدبلوماسي الواسع، وقدرة الأطراف المتحاربة على تحقيق أي تقدم عسكري على الأرض يمنحها ورقة ضغط أكبر في هذه المعمعمة الدبلوماسية، يمضي الشعب اليمني غير مبالٍ بكل هذا الضجيج العسكري والدبلوماسي، إذ يواجه حربه الخاصة في توفير لقمة العيش، وسط انهيار اقتصادي تسبب بتردٍّ معيشي كبير، وفاقم الأزمة الإنسانية التي فجرتها الحرب، وتصنفها الأمم المتحدة بأنها الأكبر على مستوى العالم.