فاروق، أمجد، أمل، ناجي؛ أيتامٌ فقدوا والدهم إثر انفجارِ لغمٍ أرضيّ مزروع في باطن الأرض أثناء ذهابه لرعي أغنامه، في رقعة زراعية يمتلكها بجوار منزله بقرية القوز، مديرية جبل حبشي (غرب تعز).

اندلعت الحرب في جبل حبشي في يوليو 2017، حينها تمكّنت العائلة من النزوح إلى مكانٍ مجاور، لكن الموت كان بانتظار الوالد الذي ذهب ضحيةً للُغمٍ أرضيّ، الأمّ هي الأخرى أصابتها رصاصة حية في منتصف رأسها بعد أشهر قليلة من رحيل الزوج أثناء قيامها بأعمال منزلية، ليبقى الصغار الأربعة وحيدين بلا أب ولا أمّ.

مصاب عظيم لا تتحمله أربعة قلوب ما يزال أكبرها غير قادر على حمل الثقل، وتعويض إخوته عن فقدان الأب والأم، بالتزامن مع حقبة مظلمة شملت اليمنيين عمومًا، بفعل الحرب وتبعاتها. 

هربنا من منطقتنا التي تحوّلت إلى منطقة أشباح مخيفة، يحيطها الرعب والحزن والألم والأشلاء، علاوة على ضعف المعيشة التي تفاقم من المأساة، حيث كان أبي عاملًا في الزراعة والبناء، يكسب قوت يومه بعرقه وجهده، وحين تُوفّيَ، انكشف الحال تمامًا".

الهروب من الجحيم

يقول الأخ الكبير فاروق، لـ"خيوط": "بعد البؤس الكئيب الذي حلَّ بأسرتنا، اضطررنا إلى الانتقال من محافظة تعز إلى صنعاء بمبادرة من أحد رجال القرية، وبمساعدة من قبل المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام في العاصمة صنعاء، التي احتضنتنا وقدّمت لنا المساعدة والاحتياجات الضرورية"، ويضيف فاروق: "هربنا من منطقتنا التي تحوّلت إلى منطقة أشباح مخيفة، يحيطها الرعب والحزن والألم والأشلاء، علاوة على ضعف المعيشة التي تفاقم من المأساة، حيث كان أبي عاملًا في الزراعة والبناء يكسب قوت يومه بعرقه وجهده، وحين تُوفِّيَ انكشف الحال تمامًا".

من ناحية أخرى، قال المسؤولون عن المؤسسة الخيرية للرعاية الاجتماعية للأيتام، التي احتضنت الأطفال الأيتام، في حديث لـ"خيوط": "عند قدوم هؤلاء الأيتام من المنطقة التي حدث صراع فيها، كان الأطفال حينها في حالة يرثى لها، خاصة الطفل الأصغر (ناجي) الذي كان يعاني من إعاقة جسدية وضمور في الدماغ، إضافة إلى حالة الرعب والخوف وتشتّت الذهن، والانعزال عن باقي المحيط، إلى جانب التصرفات العدوانية التي تملّكت الأطفال الأربعة".

المؤسسة حاولت من خلال احتضانها لهؤلاء الأطفال، تربيتهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم، وتعليمهم وتحفيظهم القرآن الكريم، وتوفير ما يحتاجون إليه، لتعويضهم ولو عن جزء ممّا حرموا منه.

أعداد متزايدة

وبحسب المؤسسة الخيرية للرعاية الاجتماعية للأيتام؛ "بلغ عدد الأيتام المكفولين في نهاية سنة 2017 ثلاثين ألفًا وثماني مئة وعشرة أيتام في جميع محافظات الجمهورية، في حين تجاوز العدد التراكمي للأيتام الذين كفلتهم المؤسسة منذ التأسيس ثمانية وخمسين ألف يتيم ويتيمة"، مشيرة إلى أنّ قطاع كفالة ورعاية الأيتام مكوّنٌ من شبكة من العاملين والمندوبين والمتطوّعين الذين يتمتّعون بخبرة تراكمية للاهتمام بشؤون الأيتام والقيام بأعمالهم على أكمل وجه تجاه هذه الشريحة بالغة الحساسية والأهمية في الوقت ذاته.

هناك عددٌ من المؤسسات التي تحتضن الأيتام في اليمن إلى جانب المؤسسة الخيرية الاجتماعية لرعاية الأيتام، أبرزها مؤسسة اليتيم التنموية التي تحتضن كمًّا هائلًا من هذه الشريحة.

مدير الإعلام بمؤسسة اليتيم التنموية، خطّاب عبدالله، تحدث لـ"خيوط"، حول عدد الأيتام لديهم، قائلًا: "بلغ عدد الأيتام الذين مرّوا على مؤسسة اليتيم التنموية ما يقارب مليون ومئة ألف يتيم ويتيمة ترعاهم ورعتهم المؤسسة؛ بينهم 3% من ذوي الاحتياجات الخاصة، و4% ممّن يعانون من مشكلات نفسية كالاكتئاب والأمراض المزمنة، و47 ألف يتيم، لا تتجاوز أعمارهم 12 سنة فقط، من بين 100 ألف ينحدر غالبيتهم من أسر ذوي الدخل المحدود".

معاناة المؤسسات المعنية

يتحدث مسؤولون في مؤسسة اليتيم التنموية لـ"خيوط"، عن أبرز معاناة تواجه المؤسسة في رعاية وكفالة الأيتام، وتمثّلت في الأعداد الهائلة التي تتدفّق على المؤسسة، خاصة في ظلّ الصراع الدائر، إلى جانب شحة الدعم المادي الذي يقدّم من قبل المتبرعين وفاعلي الخير، الذي بات هو الآخر في تناقص كبير، وغياب الحاضنة الاجتماعية لمؤسسات كهذه بسبب الوضع الاقتصادي الصعب للمواطن اليمني".

وهو ما أشارت له المؤسسة الخيرية للرعاية الاجتماعية للأيتام، التي ذكرت في أحد تصريحاتها أنّها كانت تحظى بدعم هائل -قبل الأوضاع الحالية- من قبل مختلف الفئات، لا سيّما التُّجار ورجال الأعمال وفاعلي الخير والمتبرعين من خارج اليمن وداخلها، لكن اليوم صار هذا العطاء يتناقص، لدرجة الغياب التام.

‍