نطاق الانتهاكات المرتبكة بحق المدنيين يتسع مع كل عام جديد مضاف إلى عمر الحرب في اليمن، إذ لم تأتِ هذه الحالة الكارثية كنتيجة تعسفية للحرب، بل هي نتاج مباشر لكيفية تجاهل الأطراف المتحاربة للقانون الدولي الإنساني والمعايير الدولية الضابطة للنزاعات المسلحة، ما يُعقد بشكل متزايد قدرة اليمنيين على البقاء.
وفق منظمات حقوقية، فقد قامت أطراف النزاع بقتل وجرح مدنيين، ومارست الاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري والتعذيب، ومنعت وصول المساعدات الإنسانية، وجندت أطفالًا واستخدمتهم، واحتلت مدارس ومستشفيات، واعتدت على عاملين في المجال الصحي والإنساني.
وقالت منظمة مواطنة لحقوق الإنسان في إحاطتها السنوية لحالة حقوق الإنسان في اليمن للعام 2021 إنها وثقت ما يزيد عن 839 واقعة اعتداء على مدنيين وأعيان مدنية، قُتل وجُرح فيها ما لا يقل عن 782 مدنيًا خلال الفترة الممتدة من 1 يناير/كانون الثاني حتى أواخر ديسمبر/كانون الأول 2021.
إخفاق المجتمع الدولي
حددت "مواطنة" في إحاطتها أطراف النزاع في اليمن التي ارتكبت الوقائع التي وثقتها، في أنحاء واسعة من البلاد خلال العام 2021، وهي جماعة أنصار الله (الحوثيين) المدعومة إيرانيًا، والتحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة الموالية له، وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا، والقوات والجماعات المسلحة الموالية لها، والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوات المشتركة في الساحل الغربي المدعومان إماراتيًا، والقوات البرية السعودية. العديد من هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي.
وقالت رضية المتوكل رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، إن عام 2021، كان شاهدًا على إخفاق المجتمع الدولي في مساندة جهود المساءلة والإنصاف للضحايا في اليمن، وكان ذلك جليًا في فضيحة إنهاء مجلس حقوق الإنسان لولاية فريق الخبراء البارزين بشأن اليمن. بدلًا من إعطاء الضوء الأخضر لأطراف النزاع للاستمرار في انتهاكاتها، على الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء آلية تحقيق جنائية دولية للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في اليمن.
ارتكبت أطراف النزاع أنماط متعددة من الانتهاكات على الأرض شملت ممارسات الاختفاء قسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين، مع تصاعد انشطة التعبئة والتحشيد والتجنيد العسكري للأطفال، واستهداف المنظمات الإنسانية بفرض قيود ومضايقات أثرت على عملياتها وتدخلاتها الضرورية تجاه المدنيين العالقين وسط حدة القتال المتصاعد
في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، مثل التصويت لإنهاء ولاية فريق الخبراء البارزين GEE في الدورة 48 لمجلس حقوق الإنسان انتكاسة خطيرة في مسار المساءلة والانصاف الشامل في اليمن في بيئة يسيطر عليها مناخ الإفلات من العقاب.
وفي 2 ديسمبر/ كانون الأول 2021، دعت “مواطنة” وأكثر من 60 منظمة مجتمع مدني الجمعية العامة التحرك على وجه السرعة “لإنشاء آلية تحقيق لجمع وحفظ الأدلة على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ولقوانين الحرب في اليمن”.
وقالت المنظمات في بيان مشترك إنه “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي ويسمح لذلك التصويت بأن يكون الكلمة الفصل بشأن جهود المساءلة على الانتهاكات وجرائم الحرب في اليمن”.
في حين كان يُسابق اليمنيون الزمن من أجل تجاوز محنة الحرب في 2021، تصاعدت وتيرة الأعمال القتالية واتسعت رقعة العنف في محافظات: مأرب، وشبوة، والحديدة، والبيضاء، وتعز، مما أدى إلى الفتك بحياة مئات المدنيين، وخلفت الحرب أوضاعًا متردية لسكان تلك المناطق. ما تسبب في نزوح عشرات الآلاف منهم لا سيما في مأرب والحديدة، كما ألحق العنف المتصاعد خرابًا واسعًا في البنية التحتية الحيوية بما فيها المستشفيات والمرافق الخدمية.
في مطلع تشرين الأول / أكتوبر 2021، كانت عدن وأحياؤها مسرحًا للعديد من الأحداث الدامية التي خلفت قتلى وجرحى مدنيين بينهم نساء وأطفال. وتسببت أعمال العنف بما فيها تفجير العبوات الناسفة والسيارات المفخخة في ترويع السكان المدنيين وشيوع حالة من الانفلات الأمني في المدينة ما جعل الأوضاع المعيشية المتردية تزداد سوءًا.
عنف متصاعد في مأرب
بدأ العام 2021، على وقع معارك ساخنة اشتعلت مجددًا في أماكن مختلفة، حيث اشتدت وتيرة النزاع المسلح في محافظة مأرب مع تصعيد جماعة أنصار الله (الحوثيين) لعملياتهم العسكرية باتجاه المدينة. في حين فاقم اشتعال هذه المعارك من حياة الكثير من المواطنين وأدى إلى نزوح آلاف الأسر.
وأكدت (مواطنة) أنها وثقت هجمات برية وجوية وزراعة ألغام، ارتكبت من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقوات التحالف بقيادة السعودية والامارات وقوات الحكومة المعترف بها دوليًا. وقد تعرضت خلال العام 2021 أحياء مكتظة بالسكان المدنيين في مدينة مأرب للقصف البري بصواريخ بالستية أطلقتها جماعة أنصار الله “الحوثيين”. بينما شنت مقاتلات التحالف بقيادة السعودية والإمارات غارات جوية على مناطق متفرقة من المحافظة.
وارتكبت أطراف النزاع أنماط متعددة من الانتهاكات على الأرض شملت ممارسات الاختفاء قسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين، مع تصاعد انشطة التعبئة والتحشيد والتجنيد العسكري للأطفال، واستهداف المنظمات الإنسانية بفرض قيود ومضايقات أثرت على عملياتها وتدخلاتها الضرورية تجاه المدنيين العالقين وسط حدة القتال المتصاعد.
وأشار أسامة الفقيه، مدير المناصرة في منظمة مواطنة لحقوق الإنسان، إلى استمرار معاناة المدنيين في خلال 2021 في ظل لامبالاة أطراف النزاع في اليمن، ويتضح ذلك في تكريس سلوكها المنتهك للقانون الدولي.
وقال الفقيه: "لا يستحق اليمنيون واليمنيات أقل من العدالة والمساءلة والإنصاف، وبإمكان المجتمع الدولي تحقيق ذلك إن وجدت الإرادة السياسية".
الهجمات الجوية والبرية
استمرت الهجمات الجوية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات في قتل وجرح المدنيين ودمرت أعيانًا مدنية من بينها حي سكني ومنشأة خدمية ومزارع وخزان مياه ومخازن ومستودعات وطرق عامة ومركبات مدنية، إذ وثقت “مواطنة” خلال العام 2021، ما لا يقل عن 18 هجمة جوية، راح ضحية هذه الهجمات ما لا يقل عن 17 قتيلًا مدنيًا، بينهم 7 أطفال، وامرأتان، وجرح ما لا يقل عن 43 مدنيًا، بينهم 11 طفلًا و 8 نساء.
وأدى القصف على المناطق الآهلة بالسكان إلى أضرارٍ في الممتلكات المدنية وخسائر بشرية بالغة في أوساط المدنيين. وثقت “مواطنة” خلال العام 2021، ما يقارب 64 هجمة برية أودت بحياة 49 مدنيًا من بينهم 31 طفلًا، و3 نساء، وجرح ما لا يقل عن 173 مدنيًا، بينهم 71 طفلاُ و32 امرأة. تتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيون) المسؤولية في 43 واقعة، فيما تتحمل قوات حرس الحدود السعودي مسؤولية 12 واقعة، وتتحمل القوات المشتركة مسؤولية 6 وقائع، بينما ارتكبت القوات الحكومية واقعتين، وارتكبت قوات المجلس الانتقالي واقعة واحدة.
خلال العام 2021، وثقت “مواطنة” ما يقارب 36 واقعة انفجار ألغام، راح ضحيتها قرابة 23 مدنيًا بينهم 10 أطفال و3 نساء، وجرح 82 من بينهم 46 طفلًا و16 امرأة. تتحمل جماعة أنصار الله (الحوثيون) مسؤولية زراعة جميع الألغام. كما وثقت مواطنة 47 واقعة انفجار أجسام متفجرة، راح ضحيتها قرابة 23 مدنيًا بينهم 19 طفلًا وامرأة، وجرح 124 من بينهم 49 طفلًا و10 امرأة. ولم تستطع “مواطنة” تحديد الأطراف المنتهكة في تلك الوقائع..
اعتداءات وانتهاكات
إلى ذلك، قالت “مواطنة” إنها تحققت من تجنيد واستخدام ما لا يقل عن 121 طفلًا من بينهم على الأقل طفلة واحدة، خلال العام 2021. ووجدت (مواطنة) أن 88 في المئة من هؤلاء الأطفال جنّدتهم جماعة أنصار الله (الحوثيون). وبلغت نسبة الأطفال الذين جُندوا من قبل القوات الحكومية ما يقارب 8 في المئة. كما وصلت نسبة الأطفال الذين جندتهم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى 2 في المئة من الإجمالي، وتتحمل القوات المشتركة في الساحل الغربي المسؤولية في تجنيد 2 في المئة. وقد لوحظ في العام 2021 ارتفاع نسب تجنيد الأطفال لدى أطراف النزاع كنتيجة لارتفاع منسوب العنف على امتداد البلاد.
كما رصدت منظمة مواطنة ما لا يقل عن 86 واقعة لإعاقة أطراف النزاع وصول المعونات الإنسانية والمواد الأساسية إلى المدنيين. والاعتداء على المهاجرين والمدارس ونحو 20 واقعة اعتداء على الرعاية الصحية، إضافة إلى 26 واقعة تعذيب لـ 40 ضحيةً مدنيًا من بينهم 4 أطفال (من بينهم طفلان مهاجران) وامرأة خلال عام 2021، عدى عن 10 وقائع عنف جنسي تمثلت في 9 حالات اغتصاب ومحاولة اغتصاب واحدة. كان من بين الذين تعرضوا للعنف الجنسي 4 فتيات و5 فتيان وامرأة بالغة. كما وثقت المنظمة اليمنية المعنية بحقوق الإنسان، نحو 41 واقعة اختفاء قسري لـ 89 ضحية مدنيًا من بينهم طفلان خلال العام 2021. إلى جانب 131 واقعة احتجاز تعسفي لـ 217 ضحية من بينهم 8 أطفال و8 نساء
وتعرض المدنيون للقتل والجرح من قبل أطراف النزاع بطرق أخرى، فخلال العام 2021، حيث وثقت منظمة “مواطنة” 21 واقعة تعرض فيها مدنيون للدهس بالعربات العسكرية، ما أودى بحياة 13 مدنيًا بينهم 7 أطفال، وجرح 21 آخرين من بينهم 10 أطفال و4 نساء. إضافة إلى الإعدامات التي افتقرت للحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة، واعتداءات أخرى على المدنيين والانتهاكات المرتكبة ضد الصحافة والتجمع السلمي والحريات الشخصية للنساء والقيود على حرية النقل.