أثَّر الصراع المسلح الذي اندلع أواخر العام 2014، بشكل عميق على النساء في اليمن، مما أدى إلى تفاقم نقاط الضعف في بلد يقع بالفعل في أسفل مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي. لا يعمل هذا الصراع على تكثيف التمييز القائم على النوع الاجتماعي فحسب، بل يقدم أيضًا تحديات جديدة تعوق حقوق المرأة وحرياتها.
إن تمكين المرأة أمر بالغ الأهمية لتعزيز المجتمعات المنهكة. وتلعب النساء دورًا حيويًّا في التنمية المحلية والاستقرار الاقتصادي. ولا يعد إطلاق العنان لإمكاناتها مجرد مسألة عدالة؛ بل إنه يخدم الصالح العام. واستبعاد نصف السكان من القوى العاملة وعمليات صنع القرار ليس تمييزًا فحسب، بل إنه أيضًا قصر نظر.
لقد أدت الحرب إلى زيادة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف المنزلي والعنف الجنسي، مع انهيار الهياكل المجتمعية واختلال إنفاذ القانون.
زيادة التمييز
لقد أدت الحرب إلى زيادة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف المنزلي والعنف الجنسي، مع انهيار الهياكل المجتمعية واختلال إنفاذ القانون. غالبًا ما تُترك النساء دون اللجوء إلى العدالة، مما يجعلهن أكثر عرضة للاستغلال. بالإضافة إلى ذلك، قد تتراجع المعايير الثقافية في أوقات الصراع، مما يحد من أدوار المرأة في المجتمع.
ومع تفكك الدولة وانهيار الأمن والقانون في معظم المناطق، أصبح من الصعب حماية النساء من العنف وتطبيق القانون، وزاد من ارتكاب الجرائم والانتهاكات دون عقاب، وشجّع على استمرار العنف ضد النساء، إضافة إلى أن الحرب والجوع أجبرا ملايين الأشخاص، من بينهم النساء، على النزوح من منازلهم والعيش في ظروف صعبة في المخيمات أو مساكن مؤقتة تفتقر إلى الأمان والخصوصية، وتسببا في ارتفاع نسبة التحرش والاعتداءات الجنسية والاستغلال، سواء في المخيمات أو خارجها أو أثناء التنقلات أو العمل.
من خلال عملي في مجال الحماية منذ أكثر من أربع سنوات، واجهت قصصًا وشكاوى من المستضعفات، وعدم قدرتهن على البوح أو الشكوى لما يتعرضن له، تارة خوفًا من وصمة العار، وتارة بسبب الجهل وعدم الوعي بحقوقهن وصعوبة الوصول إلى مقدمي الحماية. امرأة مهمشة وأم لستة أطفال أصيبت بمرض الاكتئاب ثم الإعاقة الذهنية بعد تعرضها للاغتصاب من شخص أثناء خروج أطفالها للتسول، حيث تركها الجاني حائرة مضطربة تصارع الأمرّين؛ الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، والخوف من الطلاق والتفكك الأسري في حال تفشي الأمر؛ كما أفصحت لي بذلك.
العاملات أيضًا لم يسلمن من العنف القائم على النوع الاجتماعي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وانتشار الفقر، حيث أصبحن عرضة للاستغلال الاقتصادي والجسدي، سواء من الأسرة أو من بيئة العمل، والكثير من الأسر دفعت بناتها للزواج المبكر لتخفيف الأعباء الاقتصادية؛ مما ساعد على انتشار ظاهرة زواج القاصرات بشكل مخيف، مقابل ديون يستدينها أولياء الأمور أو تخفيفًا للفقر بحسب اعتقادهم، وانتشار العنف المرتبط بهذا الزواج.
وفي سياق النزاعات المسلحة، استخدم العنف الجنسي سلاحًا ضد النساء لإذلال وترويع المجتمعات في اليمن، وخصوصًا في مناطق سيطرة الحوثيين، وارتفعت التقارير عن حالات الاغتصاب والتحرش، مستثنيًا الحالات التي لم تقُم بالإبلاغ لأسباب متعددة، كما ساهمت في تكريس بعض التقاليد السلبية الضارة؛ مثل الزواج القسري، وزواج القاصرات، وأثرت بشكل أكبر على النساء والفتيات والأطفال؛ كونهم الحلقة الأضعف في المجتمع.
إنّ الاستثمار في التعليم وتنمية المهارات لدى النساء أمرٌ ضروري لتحقيق التعافي على المدى الطويل. ومن الممكن أن تعمل البرامج التي تركز على التدريب المهني ومحو الأمية وريادة الأعمال على تمكين المرأة، مما يجعلها لاعبة رئيسية في جهود إعادة البناء الاقتصادي والاجتماعي.
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أثارت التصرفات غير القانونية التي تمارسها الجماعة، ناقوسَ الخطر بشأن القيود الشديدة المفروضة على حرية حركة المرأة.
القيود المفروضة
في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أثارت التصرفات غير القانونية التي تمارسها الجماعة ناقوسَ الخطر بشأن القيود الشديدة المفروضة على حرية حركة المرأة. لا تؤثر هذه القيود على الحياة اليومية فحسب، بل تعيق أيضًا قدرة المرأة على المشاركة في القوى العاملة. ونتيجة لذلك، لا تتمكن العديد من النساء من البحث عن فرص عمل يمكن أن تعزز الاستقلال المالي. إن مثل هذه القيود قد تعزل النساء أيضًا عن الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم.
وتمتد هذه القيود المفروضة لتطال العاملات في مجال الإغاثة، حيث يكون لها آثار ضارة على الجهود الإنسانية. تمثل النساء عنصرًا أساسيًّا في قوة العمل الإغاثية، وغالبًا ما يقدمن الرعاية والدعم الحساسين ثقافيًّا، والضروريين للتواصل الفعال. عندما يتم منع هؤلاء النساء من العمل، يعاني المجتمع بأكمله، حيث تصبح الخدمات الأساسية أقل سهولة في الوصول إليها لمن هم في حاجة إليها.
فيما يتعين على المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية المحلية أن تدافع عن حقوق المرأة في اليمن، وأن تضمن سماع صوتها في مفاوضات السلام وخطط التعافي. ومن الممكن أن يساعد دعم القيادة النسائية في المبادرات المجتمعية في إعادة بناء الثقة وتعزيز بيئة أكثر شمولًا.
تواجه العديد من النساء صدمة من العنف والخسارة والنزوح، مما قد يؤدّي إلى مشكلات في الصحة العقلية التي تعيق قدرتهن على المساهمة في المجتمع.
استبعاد النساء
الآثار الاقتصادية لهذه القيود عميقة، فاستبعاد النساء من قوة العمل يحد من التعافي الاقتصادي والقدرة على الصمود في البلاد. إن تمكين المرأة من المشاركة في الأنشطة الاقتصادية يمكن أن يساهم بشكل كبير في جهود إعادة البناء، وتعزيز مجتمع أكثر استقرارًا ومساواة.
غالبًا ما يتم تجاهل العبء النفسي للحرب على النساء، حيث تواجه العديد من النساء صدمة من العنف والخسارة والنزوح، ممّا قد يؤدّي إلى مشكلات في الصحة العقلية، تعيق قدرتهن على المساهمة في المجتمع. إن معالجة احتياجات الصحة العقلية هذه، أمرٌ بالغ الأهمية لتمكين النساء من استعادة أدوارهن بصفتهن قائدات مجتمعات ومقدمات رعاية.
إن التحديات التي تواجهها المرأة في اليمن في خضم الصراع الدائر، معقدة ومتعددة الأوجه. ويتطلب معالجة هذه القضايا جهدًا متضافرًا من جانب المجتمعات الدولية والقادة المحليين والمنظمات الإنسانية، لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ومن ثم تعزيز القدرة على الصمود والتعافي في مجتمع مزقته الحرب.