لم تترك الحرب إحدى أكبر الفئات العمالية في اليمن التي يقدر عددها بمئات الآلاف من الأيدي العاملة في مجال الاصطياد السّمَكي وسلسلة الأعمال المرتبطة بهذا القطاع الذي يتعرض لإهمال شديد، في ظل ظروف صعبة يمر بها الاقتصاد اليمني المتدهور بفعل الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ ثمانية أعوام.
خلّف النزاع ندوبًا مسّت كل جانب الحياة في اليمن، يمكن تمييزها في الأسواق والطرق والمدارس والمحاكم والمشافي والبيوت، وفي القطاعات الإنتاجية الواعدة المشغلة للأيدي العاملة، كقطاع الأسماك والزراعة.
وأدّى انهيار الاقتصاد، وهو نتاجٌ آخَر للحرب التي استمرت ما يزيد عن سبع سنوات، إلى تفاقم نقاط الضعف لدى أفقر الناس، حيث "من المتوقع أن يحتاج 19 مليون شخص إلى مساعدات غذائية في النصف الثاني من عام 2022.
تحذّر الأمم المتحدة من أنّ الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن حقيقة واقعة ينبغي التصدي لها على وجه الاستعجال، بالنظر إلى الأرقام الصادمة هذا العام، فأكثر من 23 مليون شخص -أو ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان اليمن- يحتاجون الآن إلى المساعدة. وهذا يمثل زيادة بنحو ثلاثة ملايين شخص عن عام 2021. ويواجه ما يقرب من 13 مليون شخص بالفعل مستويات احتياجات حادة.
تعقيدات
تكالبت مجموعة من المشاكل والظروف الصعبة التي أثّرت على القطاع السَّمَكي في اليمن، إذ تعرّضت سفن الاصياد في الحُديدة للقصف والمنع من الوصول إلى مناطق اصطياد الأسماك طوال السنوات الماضية من الحرب، فيما تتعرض سواحل عدن للقرصنة البحرية من قبل سفن اصطياد قادمة من دول في المنطقة أصبحت تستبيح الجغرافيا اليمنية على مستوى البر والبحر.
يبلغ طول الساحل اليمني 2520 كيلومترًا، وتوفر موارده السمَكية الوفيرة سبلَ كسب العيش والتغذية لسكان الساحل. وقبل نشوب الصراع، كان اليمن منتِجًا رئيسيًّا للأسماك، حيث وجد أكثر من 350 نوعًا من الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية في مياهه الإقليمية، بما في ذلك 65 نوعًا مهمًّا تجاريًّا
حضرموت، المحافظة التي تمتلك شواطئ واسعة وموانئ اصطياد عديدة، لم تشفع لمواطنيها من أزمة ارتفاع الأسماك. وعلاوة على ذلك، طرأت تعقيدات إضافية مع التوجهات الرسمية –خلال العامين الماضيَين- في المحافظة، لتقليص نشاط الشركات السمَكية في شراء الأسماك من المزاد العام، إذ أصدرت الهيئة العامة للمصايد السمكية قرارًا بفتح المجال للمواطنين لشراء الأسماك منذ ساعات الصباح الأولى حتى الساعة الحادية ظهرًا، ثم فتح المجال بعد ذلك للشركات. خطوات ربما تخفف من وطأة الأسعار المرتفعة، لكنها لن تنهي الأزمة القائمة.
كما قررت قوات خفر السواحل بمحافظة حضرموت، ترقيم قوارب الصيد، وذلك بعد تفاقم مشكلة منع الصيادين من الدخول إلى مناطق اصطياد بالقرب من مواقع بحرية عسكرية.
كفاءة المصائد
يرى خبراء اقتصاد ضرورةَ اتجاه اليمن نحو الاهتمام بالإنتاج السمَكي وزيادة وتيرة الإنتاج والصادرات لرفد الاقتصاد المتدهور الذي يعاني مشاكل متفاقمة.
في السياق، وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي اليومَ، على منحة لليمن بقيمة 45 مليون دولار لمساندة الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك في البحر الأحمر وخليج عدن.
وتهدف المنحة المقدّمة من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي إلى تعزيز الفرص الاقتصادية في اليمن، وتحسين الأمن الغذائي، والمساعدة في إدارة إنتاج مصائد الأسماك على نحو أكثر كفاءة، فضلًا عن تدعيم آليات الإدارة التعاونية الإقليمية لمصائد الأسماك في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
تتميز مدينة عدن الساحلية، بموقع وأهمية استراتيجية وخليج يطل على ثلاث بحار؛ البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، ويجود بثروة سمكية واسعة، نظرًا لاختلاط البحار وتداخلها، وهو ما يجعلها منطقة خصبة تعيش عليها أفضل الأسماك والحيتان في البقعة المائية في محاذاة خليج عدن.
لكن رحلة الاصطياد كضربة حظ، كما يصفها صياديون وتحدثت عنها روايات شهيرة، إذ تحتاج هذه الرحلة إلى معدات خاصة وطرق معينة يتدرب عليها الصيادون لفترة طويلة.
فرص كسب العيش
يسعى مشروع البنك الدولي، ضمن أهداف أخرى، إلى تنشيط قطاع مصائد الأسماك وإدارته بمزيد من الفاعلية في مناطق مختارة في اليمن؛ وزيادة توفر الغذاء وإتاحة فرص كسب العيش للأسر اليمنية المشارِكة في سلسلة القيمة السمَكية. وسيعمل المشروع مع الشركاء المحليين، والتعاونيات والجمعيات المعنية بمصائد الأسماك، والمجتمعات المحلية المعنية بمصائد الأسماك، والقطاع الخاص لحماية الأسماك ونظمها الإيكولوجية.
واليمن عضو في المنظمة الإقليمية لحفظ البيئة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو الأول من بين سبعة بلدان أعضاء تستفيد من برنامج التنمية المستدامة لمصائد الأسماك في البحر الأحمر وخليج عدن. ومن خلال هذا البرنامج، ستعزز المنطقة التعاون الإقليمي من أجل الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويبلغ طول الساحل اليمني 2520 كيلومترًا، وتوفر موارده السمكية الوفيرة سبلَ كسب العيش والتغذية لسكان الساحل. وقبل نشوب الصراع، كان اليمن منتِجًا رئيسيًّا للأسماك، حيث وجد أكثر من 350 نوعًا من الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية في مياهه الإقليمية، بما في ذلك 65 نوعًا مهمًّا تجاريًّا.
وبلغ إجمالي المصيد من الأسماك، حوالي 160 ألف طن في عام 2015، معظمها من صيد الأسماك الحرَفي. لكن الصراع تسبب في أضرار شديدة بسلسلة القيمة السمَكية بكاملها، وأهلك القدرة على الإدارة السليمة للأرصدة السمكية ذات القيمة، وخاصة في المناطق الساحلية، ما يعرّض المصائد السمكية اليمنية بشدة لخطر النضوب.
وقالت تانيا ماير، مديرة مكتب اليمن في البنك الدولي: "بالنسبة للمجتمعات الساحلية، تعد مصائد الأسماك مصدرًا حيويًّا لكسب الرزق والتغذية. وهذا المشروع لن يساندها فحسب، بل سيساعد أيضًا على تنويع الاقتصاد، وخلق فرص عمل عالية القيمة، وضمان إدارة الموارد البحرية على نحو مستدام."
وتعد الأسماك من أهم الثروات الواعدة في اليمن، فضلًا عن أهمية القطاع السمَكي الذي يعتبر من أهم القطاعات الرئيسية والمهمة للاقتصاد الوطني، لكن هذه الثروة تتعرض لهدر متواصل، إلى جانب تبعات عديدة بفعل الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات، إضافة إلى جشع بعض التجار وعدم تفعيل القوانين والتي تحمي الصيادين والمستهلكين والحياة البحرية المتنوعة.
وتمتلك اليمن شريطًا ساحليًّا، غنيًّا بالأسماك والأحياء البحرية، تمتد فيه التداخلات والتضاريس الجبلية والرملية ومنحدرات الأودية التي تصب في البحر وكوّنت خلجانًا، والتي تشكّل في مجملها حوالي 20% من طول الشواطئ، بحسب خارطة الثروة السمكية، ابتداءً من الحدود اليمنية-العمانية في بحر العرب، وحتى منتهى الحدود اليمنية–السعودية في البحر الأحمر، ويعتبر هذا القطاع من القطاعات الاقتصادية الواعدة.