تعاني كثير من النساء في اليمن ممن فقدن أزواجهن وشركاءهن وعائلهن الوحيد، بسبب الحرب العبثية الدائرة منذ 6 أعوام، من صدمات متلاحقة في مجتمع لا يرحم.
ضحايا حقيقيات لحرب تسببت في إزهاق الكثير من الأرواح وطالت الكثير من الأفراد، منهم من تركوا خلفهم عشرات اليتامى والثكالى، لتنتقل المسؤولية إلى عاتق أسرهم، وخاصة الزوجات اللواتي تكبدن معاناة مضاعفة، وكن الأم والأب في آنٍ واحد، وتحملن مسؤولية إعالة الأبناء وتربيتهم ومواجهة المجتمع بمفردهن.
زينب ، في العقد الرابع من عمرها، تعيش هي وأبناؤها الأربعة في مدينة تعز، فقدت زوجها بسبب القصف العشوائي على المدينة في حي الشماسي، في منتصف سنة 2015، واجهت صدمة فقدان زوجها بطريقة مفاجئة ومفزعة.
تبدأ زينب حديثها لـ"خيوط"، والدموع تكاد تتسلل من عينيها، عن فاجعة وفاة زوجها ومعاناتها مع أطفالها بعد وفاته قائلة: "أصبت بصدمة بعد وفاة زوجي، ووجدت نفسي مجبرة على الخروج والبحث عن عمل لتدارك الوضع وإعالة أبنائي".
وتضيف أنها عملت في البداية عاملة نظافة داخل أحد مستشفيات المدينة، بالرغم من الصعوبات والتعب الذي يصاحب هذا العمل والذي كان مقابل أجر زهيد (27 ألف ريال يمني) لا يفي بمتطلبات الحياة الشاقة التي تقاسيها في إعالة أبنائها.
وتقول زينب بأنها لم تتلقَ أي دعم من أهلها أو أهل زوجها أو أي جهة، بل واجهت كل الصعوبات بمفردها؛ "تحملت الذل والإهانة وتنظيف أنابيب متسخة في المختبرات، من أجل "أولادي ومن أجل ألّا يحتاجوا أحدًا"، وتستطرد: "عملت أيضًا في بيع الأطعمة التي أعدها بنفسي، وصنعت بعض أنواع العطور وبعتها للنساء مقابل مبالغ مالية بسيطة".
تجاهل رسمي ومجتمعي
في هذا الصدد تحدث لـ"خيوط" دكتور ياسر الصلوي، دكتور متخصص في علم الاجتماع، بالقول إن كلًّا من الرجل والمرأة لهما أدوارهما الخاصة في إطار المجتمع، لكن بعد رحيل الزوج أصبحت الزوجة تتحمل المسؤولية كاملة، حيث تتولى مسؤولية الحماية وإعالة الأسرة، بالإضافة إلى دورها في تربية الأبناء ورعايتهم والاهتمام بهم، ما ضاعف معاناتها وأثقل كاهلها.
تتعرض هؤلاء النساء اللائي فقدن معيلهن لكثير من الانتهاكات النفسية والجسدية باعتبارهن الشريحة الأضعف، حيث تصبح المرأة في مجتمعات العالم الثالث بعد وفاة زوجها بلا حماية ولا سند، وينظر لها المجتمع بشكل سلبي
ويرى الدكتور الصلوي بأن الأقسى من هذا هو التجاهل الرسمي والمجتمعي الذي يطال هذه الفئة، معتبرًا ذلك من الأمور المؤسفة والمحزنة، إذ لا أحد يلتفت لمثل هؤلاء الضحايا، اللواتي يعانين بصمت في الخفاء.
كما أن أغلب النساء اللائي فقدن معيلهن في الحرب غير مؤهلات وفق حديث هذا الخبير في علم الاجتماع، ولا يمتلكن الخبرات اللازمة للالتحاق بسوق العمل، مما يدفعهن للالتحاق بأعمال "هامشية"، أي أعمال متواضعة بمردود مالي زهيد في أحسن الأحوال، وقد تدفع الظروف بالكثير منهن للتسول، أو القيام بأعمال غير مقبولة لإعالة أطفالهن، وهذه واحدة من أبرز المآسي الموجودة في مجتمعنا اليمني.
هذا ليس حال زينب فقط، بل حال أعداد متزايدة من النساء فقدن معيلهن بسبب استمرار الحرب التي أخذت الأزواج والأحلام معًا، وفي الوقت الذي تنتشر فيه ظاهرة الإعالة النسائية للأسر والتي تقدر بـ42.9٪ من أسر العالم، تتكفل المرأة بإدارة 70٪ من الأسر الأحادية التي يعيلها طرف واحد في العالم، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
في سياق متصل، تتعرض هؤلاء النساء اللائي فقدن معيلهن لكثير من الانتهاكات النفسية والجسدية باعتبارهن الشريحة الأضعف، حيث تصبح المرأة في مجتمعات العالم الثالث بعد وفاة زوجها بلا حماية ولا سند، وينظر لها المجتمع بشكل سلبي، وهي نظرة نابعة من كون المجتمع مجتمعًا ذكوريًّا، لا يقدّر قيمة الجهود المبذولة التي تقدمها المرأة، حسب قول الدكتور الصلوي.
معاناة صامتة
توقفت الرواتب بسبب الحرب؛ مما فاقم معاناة النساء بشكل كبير، إضافة إلى أن الدولة لا تتكفل بدخل مستمر لأسر الأزواج المتوفين.
ويضيف الدكتور ياسر، أن الحرب تسببت بتوقف عمل شبكة الضمان الاجتماعي، الشبكة التي كان من المفترض أن تضمن لهؤلاء النساء الحد الأدنى من المبالغ المالية لمواجهة أعباء الحياة".
وتسببت الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات، كما تقدر تقارير رسمية بفقدان خمسة ملايين عامل وعاملة وظائفهم وأعمالهم، فيما يقدر اتحاد عمال اليمن نسبة من فقدوا أعمالهم بنحو 80% من حجم القوى العاملة في البلاد.
من جهتها تحذر الدكتورة منى الذبحاني (أخصائية نفسية)، أن النساء اللائي فقدن أزواجهن أو معيلهن قد يدخلن في حالة نفسية صعبة بسبب عدم تقبل ودعم المجتمع لهن، وتقول الذبحاني لـ"خيوط": "إن هؤلاء النساء والتي يطلق عليهن في اليمن "الأرامل" يتعرضن لضغوطات كبيرة قد تدخلها في دائرة الاكتئاب، وتجعلها فريسة سهلة لمضاعفات نفسية، تُطلق عليها الذبحاني "مضاعفات ما بعد الصدمة"، إضافة إلى حالة القلق الشديد، نتيجة الخوف على مستقبل أطفالهن، منوهةً إلى أنهن بحاجة للدعم النفسي من الأهل والأصدقاء لمواجهة أعباء ومتطلبات الحياة.