حربٌ ضروسٌ من أجل القُوت

أرقام وقصص صادمة عن انتهاك حقوق النساء العاملات
سماح عملاق
September 6, 2024

حربٌ ضروسٌ من أجل القُوت

أرقام وقصص صادمة عن انتهاك حقوق النساء العاملات
سماح عملاق
September 6, 2024
.

على وقع حرب عسكرية لم تهدأ، تعاني المرأة اليمنية بالمقابل، من حربٍ أشدّ وطأةً وأكثر ضراوة، تؤثر على فرصها الاقتصادية في العمل، بإسناد مجتمعي وديني وسياسي. هذا التحقيق الصحفي يستعرض قصصًا حزينة لنساء يمنيات تعرضن للظلم والتمييز في عملهن، ونتتبع في هذا التحقيق كيف أنّ هذه الانتهاكات تعكس أزمة مجتمعية عميقة، ويُظهر رغبة كامنة لتقليص عدد الأيدي العاملة من النساء، في ظل الحرب المستمرة حتى اللحظة. 

سرقةٌ فكرية، ففصلٌ تعسُّفي

اكتشفت المعلمة إيناس الصالح، من مديرية قعطبة- محافظة الضالع، سرقة مدارس "جيل النهضة" الأهلية خمسَ وحدات من الوحدة الخامسة حتى الوحدة التاسعة من كتابها التعليمي "خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية"، الجزء الأول من سلسلة "نافذة النور"، ووثّقته برقم إيداع (945/2018)، من وزارة الثقافة بصنعاء، حسب قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25 لعام 1990.

ورغم محاولتها حلّ المشكلة ودّيًّا، فإنها واجهت ردّ فعل عنيف تمثّلَ في فصلها من عملها، ومنعها من التدريس في أيّ مؤسسة تعليمية بالمحافظة، بتعميم مكتب التربية في المحافظة. وصفت الصالح الاستغناء الوظيفي عنها بالتعسفي، بعد مدة خدمة تتجاوز ثمانية أعوام في نفس المدرسة، ما جعلها تقرر اللجوء إلى القضاء لإنصافها في منتصف فبراير 2024 وصدر قرار الاتهام في 19 مارس من نفس العام، أي بعد شهر من توقفها عن العمل لصالح المدرسة، واستبعادها عن برنامج التدريب التي كانت تشرف عليه. 

كتاب خطوة "خطوة بخطوة نتعلم الأبجدية" تأليف إيناس محمد

تعرضت إيناس ومن تضامنَ معها للتهديد والابتزاز الوظيفي، في ظل وصف حقوقيين قضيتَها بالسابقة التي تقف فيها المرأة بصفتها مؤلفةً تدافع عن حقها الفكري. حاولت معدة التقرير التواصل بالطرف الآخر دون أن تجد تجاوبًا. تؤكد إيناس الصالح بأنها ماضية في الدفاع عن حقها الفكري، وفي العمل، ومطالبتها بإلغاء القرارات التعسفية الصادرة بحقها من مكتب التربية والتعليم في الضالع، مع احتفاظها بحقها القانوني في التقاضي مع مالك المدرسة. 

ترسخ المعتقدات الاجتماعية التقليدية في اليمن، مفهومًا محددًا لدور المرأة، يقتصر على الرعاية المنزلية والأسرية، وهذا المفهوم يرسخ فكرة أنّ مكانها الطبيعي هو المنزل وليس سوق العمل.

هجوم بالعصي والهراوات

تتذكر المعلمة التربوية لطفية أحمد (اسم مستعار)- مديرة مدرسة في إحدى قرى محافظة حجة، عام 2011، بألم: "كُلفتُ برئاسة لجنة اختبار وزارية في قرية بعيدة، وكنت أمنع الغش، وبعد ضغوطات مجتمعية سمحتُ بمساعدة الطلبة بسؤال واحد لا تزيد علاماته على عشر، خلال الساعة الأخيرة". قررت لطفية بعد الهجوم المجتمعي عليها؛ الاستغناء والاعتذار عن أي مهام ضمن اللجان الوزارية خارج عاصمة المحافظة التي تراهم أكثر التزامًا وتحضرًا. 

تضيف لطفية أنّ اللجنة كانت بحماية الأمن كما هو سائد، لكنها فوجئت بمحاولات مجموعة من وليات الأمور الهجومَ عليها بالعصي والهراوات، لولا الإسناد الأمني الذي استخدم الرصاص لتفريقهن عنها. وقد انزوت أحمد في منطقتها واكتفت بمهامها مديرةً لمدرسة في المنطقة، لتواجه قرارات النقل التعسفية باعتراضاتها القانونية كل مدة من الزمن، وفق قولها. 

ترسخ المعتقدات الاجتماعية التقليدية في اليمن مفهومًا محددًا لدور المرأة، يقتصر على الرعاية المنزلية والأسرية، وهذا المفهوم يرسخ فكرة أنّ مكانها الطبيعي هو المنزل وليس سوق العمل، وفق لأستاذة علم الاجتماع في جامعة عدن، الدكتورة أشجان الفضلي. 

تضيف الفضلي: "الزواج المبكر والحمل في سن مبكرة يمثلان عائقًا كبيرًا أمام تعليم الفتيات ومسيرتهن المهنية، فمن تتزوج في سن مبكرة تفقد فرصتها في استكمال دراستها والحصول على مؤهلات تساعدها على دخول سوق العمل".

استهداف من أئمة المساجد

أمنية إسحاق (اسم مستعار)، رئيسة ومؤسِّسة جمعية ضمن دائرة المجتمع المدني في إب (وسط اليمن)، أسست الجمعية عام 2015. ظهرت الجمعية في ظل تصاعد موجات النزوح، لاستقطاب المعونات الإغاثية للأُسر النازحة الأكثر تضررًا بأحداث الصراع، وللإسهام في حل النزاعات والكوارث.

تقول أمنية: "في الثلاث السنوات الأولى للجمعية، كنتُ أنا وزميلاتي الشغلَ الشاغل لمنابر المساجد". وتسبّبت حملات التحريض المتشددة ضد العاملات في المنظمات بطلاق أمنية وحرمانها من ولدها، كما تعرّضت للعنفَين الجسدي من عائلتها والنفسي من المجتمع، ومُنعت من الخروج كي لا تلوكها الألسن -حسب وصفها- قرابة عام كامل.

ورغم ما خسرته أمنية من جراء الحرب المركبة عليها بصفتها امرأة عاملة وفاعلة -حسب قولها- فإنها مستمرة بعملها، وتدير عدة مشاريع لتساعد الأُسَر النازحة والفقيرة، وتشير إلى أن المجتمع المحيط أصبح يساندها بمرور الوقت، لكنها تعمل بقلق في ظل حملات التشويه التي تطال الفتيات العاملات في المنظمات الدولية.

ودعا المعلم التربوي عبدالكريم الخياط، من تعز، إلى ضرورة تجديد الفهم الديني، منتقدًا التفسير الضيق للنصوص، الذي يستهدف المرأة وحريتها في العمل، مؤكدًا أنّ الإسلام أعطى المرأة مساحةً واسعة للعمل والعلم، وداعيًا المفتين إلى التحرر من التزمّت والتفسيرات الضيّقة.

الحمل والأمومة سبب الفصل

تشير نسمة ناجي إلى أن قرار الاستغناء عنها بصفتها مترجمة في مؤسسة خاصة بمحافظة صنعاء، أثَّر تأثيرًا مريرًا عليها، تقول إنّ القرار جاء بعد إبلاغها لمديرها في العمل، بأنها حامل وستحتاج لإجازة من الدوام مدة شهر، بسبب العملية القيصرية، وعرضت أنها ستعمل من المنزل.

تشعر نسمة بالظلم، غير راضية عن تعامل معظم مؤسسات القطاع الخاص مع النساء المتزوجات، مؤكدة بانتهاك حقوقهن القانونية في الراتب وأوقات الدوام وحجم العمل ونظام الإجازات مقارنةً بالرجال.

وبالنسبة لها فقد أنشأت صفحة في فيسبوك تقدّم فيها خدمات الترجمة بمقابل مالي، وتستقبل الطلبات من داخل اليمن وخارجها، وتؤكّد أنّها تدر الدخل لها من المنزل ثلاثة أضعاف الراتب الذي كانت تتقاضاه. 

تشير اختصاصية علم النفس، بسمة الصلاحي، إلى أنّ ما تتعرّض له النساء العاملات في المجتمع اليمني يتسبّب في ندوب نفسية تؤثر على ثقتهن بأنفسهن، ونسبة عطائهن، والتشكيك الذاتي بقدراتهن، وأنّ الأمر بحاجة لمساندة نفسية واجتماعية مستمرة لتجاوز هذه الآثار. 

يجب العمل على تغيير النظرة المجتمعية للمرأة وتمكينها اقتصاديًّا، وتوفير فرص تعليم وتدريب أفضل، وتشجيع ريادة الأعمال النسائية، وتعديل التشريعات القائمة لضمان المساواة بين الجنسين.

انتهاكات صادمة وبالأرقام

في استطلاع قامت به معدة التحقيق، استهدف 83 امرأة عاملة في محافظات يمنية عدة خلال أغسطس 2024؛ 60% منهن عاملة في القطاع الحكومي العام، و40% من موظفات القطاع الخاص، أظهر الاستطلاع أنّ نسبة 62% ممن شملهن الاستبيان يواجهن تحديات سياسية وقانونية، بينما 12% منهن قلن إن العراقيل الاجتماعية كانت هي سبب الانتهاكات التي يتعرضن لها أثناء عملهن، وقالت 11% من المستهدفات إن الفهم المغلوط للنصوص الدينية أثّر على حياتهن المهنية، فيما 9% من المستهدفات فقط يوضحن افتقار المرأة اليمنية للحماية الأمنية ضمن بيئة العمل.

ومن 83 امرأة شملها الاستبيان، 92% هن العائل الوحيد لأسرهن في ظل ظروف الحرب الحالية، وتقول الناشطة الحقوقية والخبيرة في شؤون المرأة، مها عوض: "إن بعض التقاليد الاجتماعية، والسياسات الحكومية، والحرب، تحدياتٌ تواجهها المرأة العاملة، وللتغلب عليها يجب العمل على تغيير النظرة المجتمعية للمرأة وتمكينها اقتصاديًّا، وتوفير فرص تعليم وتدريب أفضل، وتشجيع ريادة الأعمال النسائية، وتعديل التشريعات القائمة لضمان المساواة بين الجنسين".

فجوة بسبب عوامل كثيرة

يشير التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر عام 2020، إلى أنّ نسبة مشاركة المرأة اليمنية في القوى العاملة لا تتجاوز 6.3%، مقارنة بنسبة 72.2% للرجال، ممّا يضع اليمن في أسفل قائمة الدول العربية بمؤشر الفجوة بين الجنسين. هذه الفجوة الهائلة هي نتيجة لتداخل عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، جميعها تسهم في تهميش المرأة اليمنية اقتصاديًّا، وتحاربها في مصادر رزقها. 

بالإضافة إلى دور الحرب الدائرة في اليمن، في تدمير البنية التحتية الاقتصادية وتفاقم البطالة، وقد تأثرت النساء بشكل أكبر من الرجال، حيث فقدن وظائفهن بنسبة أعلى، وتعرضت مشاريعهن الصغيرة للتدمير، في ظلّ غياب التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق المرأة العاملة وتضمن المساواة بين الجنسين في فرص العمل والأجور، بما يعزّز من التمييز ضد المرأة في سوق العمل.

كل هذا يحدث رغم تأكيد تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصادر في نوفمبر 2022، أن تمكين المرأة اقتصاديًّا واجتماعيًّا في اليمن ليس مجرد هدف، بل هو مفتاح لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة. 

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية، الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)

•••
سماح عملاق

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English