في صنعاء، منطقة الحتارش نشأ وترعرع عمار الحيمي (اسم مستعار) وعاش طفولته حتى غدا طفلاً في أول أيامه الدراسية، كغيره من الأطفال الذين يغلب عليهم شيء من الفوضى الملازمة.
كان عمار مشاغبًا في مدرسته كثير الحركة والكلام ما جعل إدارة المدرسة بعد توجيه العديد من التنبيهات والإشعارات لأهله ببذل المزيد من التوجيه والنصح له كي يكون طالبًا محبًّا لدراسته وزملائه في الصف بشكل خاص والمدرسة على وجه العموم، لكن دون جدوى كثرت الشكاوى على ابنهم ما جعل إدارة المدرسة تتخذ قراراً بفصله حسب ما توصلت إليه من قناعة.
الفترة التي فُصل فيها عمار من مدرسته لم يكن أبوه مهتمًا به كثيرًا، ولم يسع في إيجاد حضن تربوي جديد لابنه يكمل فيه دراسته، بل تركه في البيت حرًّا لا يشغله شيء ولا يملأ وقت فراغه بشيء، فزادت فوضويته في البيت وفي الحي، وأصبح الأهالي يعانون من بعض السلوكيات التي كانت تصدر منه، فصار يفتعل المشاكل. ووصل الحال بأبيه أن ربطه ذات مرة بسلسلة حديدية ليمنعه من أذية الناس.
في العام 2013، هرب "عمار" من منزل أسرته وذهب صوب مديرية ريدة، محافظة عمران عند عمه وهناك عاش في غرفة مهجورة كانت مخزنًا يتم وضع فيه البطاطس بعد جنيه من الأرض. استقر فترة لا بأس بها هناك لكن الناس كانوا يلومون أباه في ترك ابنه وهو لا يزال في هذا السن (ثمان سنوات) دون أن يفعل شيئًا لصالحه.
حين بلغ "عمار" سن العاشرة، قرر أبوه أن يزوّجه، وبالفعل باع مسدسًا وزوجه بابنة عمه التي تكبره بالسن (15 سنة). تزوج عمار وعاش مع زوجته في مخيم للنازحين بمديرية خارف، وذات يوم تقدم أحد جيرانهم بصنعاء لخطبة أخته وتزوج بها ورزق بابنتين، ولم تمر فترة زمنية حتى قرر زوج أخته السفر إلى المملكة العربية السعودية وأخذ معه زوجته وإحدى ابنتيه معه وترك الأخرى عند أم عمار لترعاها.
في ليلة 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 قرر عمار أن يمتطي درب المخاوف الذي ربما سيفقد فيها حياته حين عزم على الالتحاق بجبهات القتال مع جماعة أنصارالله (الحوثيين) حتى يؤمن لأسرته المال الذي سيعيشون به حياتهم.
استمرت الحياة في المخيم، وبعد مرور سنتين قرر زوج أخت عمار أن يضم ابنته الثانية إليه لتعيش معه في السعودية، وطلب من أم عمار إرسال ابنته غير أن الأم رفضت حتى استقر القرار بإرسال البنت مع عمار وزوجته عن طريق أحد المهربين ليتم تهريبهم عن طريق محافظة صعدة- باقم وصولًا إلى محافظة القصيم بالسعودية بعد أن أرسل لهم زوج أخته مبلغ أربعة آلاف ريال سعودي، وبالفعل تمت عملية التهريب وصاحبَها الكثير من المخاوف والأهوال حتى استقر بهم الحال في القصيم.
عاش عمار وزوجته ثلاث سنوات بطريقة غير شرعية فلم يكن لديه إقامة رسمية بل هو من عداد "العمالة السائبة"، عمل في إحدى مزارع التمور، وكان وضعه سيئًا جدًا ويخشى في أية لحظة الإمساك بهم من قبل الأجهزة الأمنية لمخالفته قانون الإقامة في السعودية.
ألقت الشرطة القبض عليه ذات يوم وتم ترحيله إلى اليمن بعد أن تم حبسه لعشرة أيام هو وزوجته وعاد لكن بيت أبيه لم يكن مناسبًا للعيش فيه مما جعله يعود أدراجه مرة أخرى للعيش في مخيم النازحين بخارف. ضاقت سبل الحياة بعمار وكان لزامًا عليه أن يبحث عن عمل له يقتات منه وأسرته بعد أن رزقه الله بنتًا، لجأ حينها إلى بيع القات لكنه لم ينجح، ثم عمل فترة في جمع البلاستيك وبيعه ولم يحالفه الحظ ايضًا، فتكالبت عليه الهموم وبات في صراع مع نفسه وهو يرى زوجته وابنته يعانين من ويلات الحياة وقساوتها.
في ليلة 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 قرر عمار أن يمتطي درب المخاوف الذي ربما سيفقد فيها حياته حين عزم على الالتحاق بجبهات القتال مع جماعة أنصارالله (الحوثيين) حتى يؤمن لأسرته المال الذي سيعيشون به حياتهم.
سلك عمار الذي يبلغ الآن عامه السابع عشر الطريق القاسي لمحاولة العيش، وسار بقدميه نحو الموت المتوقع في أية لحظة وسيترك خلفه زوجة تحمل في بطنها جنينا في شهره التاسع وطفلة تداعب ربيعها الثاني ترتع في مخيم النازحين.
كل يوم يمر على زوجته في لحظة غيابه عنها ملتحقًا بساحة القتال هو يوم مظلم تتوقع فيه على حين غرة أن ينادي باسمه ضمن "شهداء" الحرب، تذرف دمعة وتطلق تنهيدة وهي تناظر لجنين بطنها وطفلتها التي تهمس في أذنها بابا .. بابا .. بابا.