هل تنتهي مكابدات وادي نخلة؟

جسر العبور لثلاث محافظات
محمد زياد
January 12, 2024

هل تنتهي مكابدات وادي نخلة؟

جسر العبور لثلاث محافظات
محمد زياد
January 12, 2024
وادي نخلة في مديرية شرعب السلام - تعز / الصورة لـ: عبدالرحمن الصبري

يعد وادي نخلة واحدًا من أهم أودية اليمن، وضمن قائمة أشهر أودية محافظة تعز، ويقع على بعد 30 كيلو مترًا في ريف المدينة الشمالي، وتحديدًا بمديرية شرعب السلام.

يتغذّى الوادي من سيول الأمطار القادمة إليه من المرتفعات الجبلية جنوب العدين، ومن جبال شرعب الشمالية ذات الحدود الجغرافية المشتركة مع مديريات العدين التابعة لمحافظة إب، ويمر بمديرية حيس الحديدة وشمال "الخوخة"، ويكون مصبه النهائي بالقرب من مدينة المخا التاريخية في البحر الأحمر.

يزرع فلاحو وادي نخلة أنواعًا متعددة من الفواكه والخضروات والمحاصيل الزراعية على امتداد رقعة زراعية خصبة، ومن أنواع منتوجاته الزراعية: الموز، والجوافة، والمانجو، والتمر الهندي "الحُمَر"، إلى جانب أنواع من الحبوب، ومنها الذرة الشامية والصفراء.

كما أنّ الوادي يشكّل منطقة جذب سياحي داخلي لِمَا يتمتع به من مساحات خضراء ومجاري مياه طبيعية، ويمكن أن يشكّل موردًا اقتصاديًّا نشطًا في حال تم استغلاله على النحو الأمثل.

تأتي أهمية الوادي من كونه مصدر مياه عذبة وتربة زراعية خصبة على ضفتيه، وشريان طريق رئيسي يربط ثلاث محافظات يمنية ببعضها (إب، وتعز، والحديدة)، وحلقة وصل لتنقل المواطنين بين مديريات المحافظات الثلاث.

ضحايا السيول المباغتة

على الجانب الآخر، تتسبب السيول الجارية في الوادي بحوادث بشرية ومادية متكررة، وتنتج خسائر فادحة للمركبات، وقت مباغتتها العابرين فيه مع موسم أمطار غزيرة، وتتكرر الحوادث المؤلمة بسبب عبور المواطنين للخط الرئيسي ومجرى سيل الوادي معًا، وهذا يضاعف أعداد الضحايا في كل عام.
وفي حديثه لـ"خيوط"، أكّد عبدالرحمن الصبري، المنسق الإعلامي لمشروع جسر نخلة وأحد أبناء المنطقة القريبة من الوادي:
"تحاصرنا سيول الأمطار ساعات طويلة، تصل أحيانًا لأيام متواصلة على جانبيه، وتتقطع السبل بالمسافرين ذهابًا وإيابًا لمناطقهم ومساكنهم؛ مما يضطرهم إلى الانتظار طويلًا حتى تنتهي عملية تدفق السيول في المجرى ليسمح لهم بالعبور الآمن".

منذ عقود ظلّ الوادي مهملًا ومفتقِرًا للخدمات الأساسية، وعلى رأس ذلك: "الجسر" الذي يربط بين ضفتيه، وظل هذا المشروع حلم كل الساكنين على ضفتي الوادي، والموزعين على عُزل كبيرة آهلة بالسكان، ويُقدَّر عددهم بنحو نصف مليون نسمة تقريبًا، وتعبر الوادي عشرات السيارات يوميًّا.

تبخرت كل الوعود الحكومية السابقة بإنشاء الجسر، واستمرت معها معاناة المواطنين، التي تبرزها باستمرار قصصُ الفقد الحزينة في الأرواح والمركبات والحيوانات والمزروعات.

الاستشاري الهندسي للمشروع أحمد أنعم القحطاني يوضح سير العمل لجموع الحاضرين والمشرفين-الصورة لـ: عبدالرحمن الصبري


حلم يقترب
تزامنًا مع نجاح المبادرات المجتمعية في مختلف مناطق اليمن، وإنجاز مشاريع تنموية عدة خلال السنوات الأخيرة في الطرق والصحة والمياه، تصدر الحديث مشروع جسر وادي نخلة في وسائل التواصل الاجتماعي بوصفه ضرورة مجتمعية في المناطق التي تحوطه، وتستوجب التعاون وتحقيق المصلحة العامة بإنشاء الجسر الذي سيخدم التجمعات السكانية المحيطة بالوادي ويحميها من السيول المباغتة والجارفة.

وعن المبادرة، تحدث لـ"خيوط" منسق المشروع، المهندس علي المحمدي، بقوله:

"في عام 2021، انطلقت فكرة المشروع، وبدأ الناس في التعاطي الجادّ نحوه، وتحركوا فعليًّا نحو إنجاز الجوانب الفنية والتصاميم الهندسية، وبادر بعض رجال الأعمال من المنطقة بتمويل الدراسة الفنية، وإنزال الفرق الهندسية وعمل الرفوعات المساحية والدراسة الهيدرولوجية، وانتهت بتصميم الجسر واعتماده من الجهات الحكومية".

بلغت التكلفة الإجمالية، بحسب التصاميم الهندسية وجداول الكميات الإنشائية، حوالي 455 مليون ريال يمني؛ بما يعادل 855 ألف دولار أمريكيّ (بسعر الصرف القائم في المنطقة).

وحين بدأت أعمال التنفيذ على الأرض، سار القائمون على المشروع في تنفيذه، وفقَ مراحل زمنية وهندسية مدروسة، تناسب طبيعة العمل الميداني والظروف المناخية (موسم هطول الأمطار)، وتتوافق مع الاحتياجات الأساسية التي لا تؤثر سلبًا على الجوانب الإنشائية.
وفي إفادته لـ"خيوط" عن المعلومات الهندسية لمشروع جسر وادي نخلة، أكّد استشاري المشروع المهندس أحمد أنعم القحطاني، أنّ:

"طول المشروع إجمالًا هو 194 مترًا، وبعرض إجمالي 10.76م، وصافي ارتفاع فتحة الجسر لمرور الماء 5.5م، وطول فتحة الجسر صافي لمرور حركة السيل 13م، وتطلبت أعمال التنفيذ أيضًا وجود جدران ساندة وسط المجرى (السائلة)، إلى جانب رصف أرضية السائلة بطول 30 مترًا وعرض 13 مترًا".

ما يعيق استكمال المشروع حتى الآن، هو قلة التمويل، حيث إنّ الكلفة المالية كبيرة وتحتاج إلى تعاون وتكاتف الجميع، والمزيد من الدعم والجهود لاستكمال هذا العمل الاستراتيجي الهامّ الذي ينتظره بكل أمل أبناءُ العزل المستفيدة".
عملية صب خرسانة الركيزة الأولى لمشروع جسر نخلة-تعز-الصورة لـ: عبدالرحمن الصبري

تحديات جمة
يعتزم القائمون على المشروع المضيَّ به حتى النهاية؛ إيمانًا منهم بواجب المسؤولية المجتمعية التي تحملوها في سبيل خدمة المواطنين وتخليصهم من كابوس المعاناة الذي أزعجهم كثيرًا على مدى عقود طويلة في الوادي الحيوي الذي يربط المحافظات الثلاث.
وبرغم عزم القائمين على المشروع لإنجاحه بشتى السبل الممكنة، فإن هناك تحديات تحيط بهم ويتخوفون من حدوثها، ويأتي الجانب المالي على رأس هذه التحديات التي تعترضهم؛ نظرًا لحجم التكلفة الباهظة للمشروع الذي يفوق قدرة الأهالي المستفيدين، ويقوم على عاتقهم تمويله كاملًا.
وفي حديثه عن التحديات، قال منسق مشروع جسر نخلة، المهندس علي المحمدي:

"ما يعيق المشروع حتى الآن، هو قلة التمويل؛ حيث إن المبالغ كبيرة، وتحتاج إلى تعاون وتكاتف الجميع، والمزيد من الدعم والجهود لاستكمال هذا العمل الاستراتيجي الهامّ الذي ينتظره أبناء العزل المستفيدة".

يتطلع القائمون على المشروع ومن ورائهم جموع من السكان المستفيدين إلى استجابة الجميع على المستوى الرسمي والمجتمعي في دعم المشروع.
وأكّد استشاري المشروع المهندس أحمد أنعم القحطاني، أنّ مرحلة الانتهاء من المشروع متوقفة على استمرار الدعم المالي للمشروع، موضحًا أنّ: "وصول الدعم للمشروع سيتيح لنا تسريع العمل قبل مجيء موسم الأمطار، والنهوض بالأعمال الإنشائية من قاع الجسر، واستمرار العمل في المشروع على وتيرة متواصلة، واستكمال جميع مراحله المتبقية، وإعلان افتتاحه للمواطنين في شهر أبريل القادم 2024، بحسب خطة التنفيذ النهائية للمشروع".

استمرار الأعمال الإنشائية في مشروع جسر نخلة بتعز- الصورة لـ: عبدالرحمن الصبري

‍تداول الناس كثيرًا من قصص النهايات المفزعة لضحايا السيول في وادي نخلة، فقد اعتاد سيل المجرى المتدفق من نواحٍ عديدة، اصطياد ضحاياه بغتة، إذ يأتيهم من حيث لا يعلمون، ينقض عليهم دون سابق إنذار، فيُدخِل الحزن إلى كثير من البيوت، ليس في المنطقة وحدها وإنما في مناطق بعيدة ساقت الأقدار أبناءها إلى المرور عبر الوادي دون حساب للمخاطر.
لهذا يعتبر إنشاء الجسر طوقَ نجاةٍ للمواطنين، يحميهم من طوفان سيول الوادي الجارفة، من جهة، ومن جهة ثانية يخفف عنهم معاناة الانتظار ساعات طويلة على ضفتيه، لمرور هذا الوحش الطبيعي، أو أن تهدأ تدفقاته ليعبروه، دون أن يتخلصوا تمامًا من خوف يملأ كيانهم، ونظراتهم تراقب أطراف الوادي خوفًا من سيل قادم لا يُصدّ ولا يُرَدّ، ولا ينجو حتى السبّاحون الماهرون، من عنفوانه المشؤوم، ولا يسلم منه بعد الإنسان، لا الحيوان ولا الحجر ولا الشجر.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English