"مرة بعد أخرى يقوم زوجي بالاعتداء عليَّ وضربي أمام أطفالي، أخبرت عائلتي وعائلته بما يفعله، لكن لم أجد أيّ إنصاف أو مَن يُلزمه بالامتناع عن ضربي، لذا لم يكن أمامي من خيار سوى الدفاع عن نفسي وضربه، هكذا عبرت ليلى محمد لـ"خيوط"، عن سبب قيامها بهذا الفعل ضد زوجها، والذي عرضها لتأنيب وتوبيخ ولوم أسرتها ووقوفهم ضدها، بحسب حديثها.
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف ضد الرجال في أوساط المجتمع اليمني بأساليب مختلفة من عنف لفظي إلى العنف الجسدي وصولًا للقتل، في ظل تستر على من يتعرض لذلك؛ نظرًا لطبيعة المجتمع الذي يعتبر مجتمعًا ذكوريًّا محافظًا تحكمه تقاليد وأعراف، ويرى التعرض لمثل هذه القضايا والأمور، أنها من الإهانات التي لا يقبلها.
الوضع الاقتصادي
تواجه النساء في اليمن العديد من التحديات والصعوبات بفعل الحرب والصراع الدائر، والتي أثرت على حياتهن في جميع المجالات، إضافة إلى ما يتعرضن له من عنفٍ متعدد وتمييز وسلب للحقوق، كما تؤكّد كثير من المنظمات المدنية المناصرة لحقوق المرأة، لكن من النادر أن تكون المرأة محل اتهام بممارسة العنف ضد زوجها.
خبراء يُرجعون عنف المرأة ضد الرجل إلى عدة أسباب؛ أهمها: الوضع الاقتصادي، والاختلاف الطبقي والفكري بين الزوجين، إضافة إلى أسباب تتعلق بالعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة
في هذا السياق، تحكي هند مختار (اسم مستعار) لـ"خيوط"، عن سبب قيامها بضرب زوجها، إذ تُرجع ذلك إلى تدهور وضعهم المعيشي جراء توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين، وهو ما دفعها -وَفق قولها- إلى البحث عن عمل أو حرفة لتوفير مصدر دخل لمواجهة متطلبات الحياة اليومية.
منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، توقّفت كثير من الأعمال والأشغال، وانقطعت رواتب الموظفين المدنيين، وهاجر الكثير من اليمنيين للعمل نتيجة لتدني المستوى المعيشي والاقتصادي، إضافة إلى وفاة الكثير منهم في الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما أدّى إلى تغيرات كثيرة في أنماط حياة المرأة اليمنية وبروز مشاكل اقتصادية واجتماعية جديدة لم تكن موجودة سابقًا، أجبرت المرأة على الخروج إلى سوق العمل، والبحث عن سبل للعيش وتحمل أعباء إعالة الأسر، وكذا تحملها لظروف قاسية ناتجة عن النزوح والمكافحة من أجل البقاء.
تعلمت هند حرفة إعداد البخور وأنواع من الاكسسوارات، لكي "نترزق منها" بحسب تعبيرها، لكنها كما تؤكد واجهت مشاكل عديدة من زوجها الذي كان يوجّه لها أفظع الشتائم في حال لم تمنحه "حق القات" (ثَمَنه)، وتماديه في ذلك، ووصول الأمر إلى أن أقدمت على ضربه بعنف بالعصا، وهو ما جعله -والحديث لهند مختار- يتوقف عن الإساءة بالشتائم لها أو التسبب بالمشاكل التي اعتاد القيام بها.
يوضح الخبير في علم الاجتماع، عبدالكريم غانم، في حديث لـ"خيوط"، أنّ العنف الممارس من قبل النساء ضد الرجال هي ظاهرة جديدة على المجتمع اليمني المعروف بكونه مجتمعًا ذكوريًّا، إذ إنّ السلطة والسيطرة في داخل الأسرة ظلت، ولا تزال، إلى حد كبير بيد الرجل، لكن هناك متغيرات طرأت أدّت إلى حدوث مثل هذه الاستثناءات، وإن كانت غير معممة كظاهرة منتشرة على نطاق واسع، وأسباب وجودها مرتبطة بتغير الأدوار.
خذلان الأهل
كما أنّ المرحلة التي يمرّ بها اليمن منذ ما يزيد عن سبع سنوات، هي مرحلة طوارئ استثنائية في تاريخ الشعب اليمني، كما يؤكد غانم، فهي عبارة عن مرحلة صراع وأزمة إنسانية حادّة اقتضت تغير وتبدل الأدوار.
من هذه التغيرات التي يذكرها الخبير الاجتماعي، عبدالكريم غانم، أنّ الحضور الذي حققته المرأة اليمنية في سوق العمل واقتحامهن مجالات ومهامًا كانت محتكرة على الرجال، أدّت إلى امتلاكهن زمام المسؤولية الاقتصادية داخل الأسرة، وصارت هي التي تمتلك في كثير من الحالات القدرة على الإنفاق.
فقد أتاح الاستقلال الاقتصادي والمادي للمرأة هامشًا كبيرًا من السيطرة والسطو، كان لها بعض الانعكاسات التي نشاهدها حاليًّا، والتي لا ترتقي لتصنيفها كظاهرة، بحسب غانم.
تقول فاطمة المريسي، رئيسة اتحاد نساء اليمن في عدن لـ"خيوط"، إنّ الحديث عن هذا الموضوع يحتاج للبحث والتشاور والنقاش بمسؤولية لمعرفة حقائق الأمور ودوافعها، وإعطاء الاهتمام لمعالجتها حتى لا تتوسع وتنتشر ولا نستطيع معالجتها، لذا يجب على المجتمع والمنظمات المدنية العمل معًا على ردم هذه الفجوة التي طرأت على المجتمع اليمني حتى لا تتوسع ويكون لها تداعيات سلبية.
ويشكل انتشار هذه المشكلة خطرًا على المجتمع والنساء بشكل خاص كما تشير لذلك المريسي؛ لأن قوام الأسرة هن النساء، ودورهن أساسي في بناء الأسرة الصغيرة التي تعتبر جزءًا من هذا المجتمع الكبير، الأمر الذي يتطلب إيجاد حلول موائمة، كما يقوم به اتحاد نساء اليمن من نشر الوعي وتوسيع الإجراءات للحد من هذه الأفعال التي قد تؤدّي إلى تمزق المجتمع.
الاختصاصي في علم النفس صخر الشدادي، يرجع في حديث لـ"خيوط"، عنف المرأة ضد الرجل إلى عدة أسباب؛ أهمها: الوضع الاقتصادي، والاختلاف الطبقي والفكري بين الزوجين، إضافة إلى أسباب تتعلق بالعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة.
يشير الشدادي إلى أنّ هناك بعض الطرق والوسائل التي تسهم في الحد من هذه السلوكيات، كالإرشاد المتعلق بالحياة الزوجية قبل الارتباط، والمشاركة في تحمل المسؤولية وحل الخلافات، والتجاوز عن الأخطاء فيما بين الزوجين.
وتتفق كثير من النساء على أنّ أسباب انتشار هذه الأفعال هو استمرارية التحريض ضد المرأة، وعدم إنصافها بمجتمع يقدّس الذكور ويعطيهم الحق لتعنيف المرأة بشتى الطرق، فيما يعبر البعض منهن عن استيائهن من هذه الممارسات الخاصة بتعنيف الرجال لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد الاجتماعية.