لجعل الحياة ممكنة، هناك الكثير من السلوكيات السامية التي يقوم بها البشر مع بعضهم، ومن أهمها القيام بأعمال تطوعية، من قبل فرد أو فريق، كمحاولة لإفادة شخص آخر، أو مجتمع معين، بدون التفكير بمقابل، عدا ذلك الشعور بالسعادة الناتج عن العطاء، بالإضافة إلى خبرة عملية يكتسبها الفرد من ممارسة أي عمل تطوعي.
اليوم العالمي للتطوع
خُصص يوم 5 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، للاحتفاء بالعمل التطوعي لتعزيز فكرته ونشرها على أوسع نطاق في كل مجتمعات العالم. وفي اليمن، يحتفي نشطاء العمل التطوعي بهذا اليوم من منطلق تجاربهم وفكرتهم عن التطوع التي اكتسبوها أولاً من عادات وتقاليد المجتمع اليمني التي تحثّ على التعاون تحت المسمى الشعبي "الفزعة"، أي تخصيص وقت لمساعدة شخص أو جماعة في عمل ما.
هشام الأصبحي، المدير التنفيذي لمؤسسة "بادر"، وهو متطوع سابق أيضاً، يتحدث لـ"خيوط"، عن أهمية تعزيز مفهوم ما سمّاه "التطوع الحقيقي"، "بعيداً عن المفهوم الضيق الذي يحصر التطوع في زاوية أو زوايا محدودة، أو لقضاء أغراض معينة"، حسب تعبيره. ويضيف أن ذلك "ينقل صورة سلبية في الغالب عن التطوع"، لافتاً إلى أن "مفهوم التطوع واسع، وهو سلوك شخصي يرافق الفرد منذ طفولته، أكثر من كونه مبادرة عابرة لمساعدة شخص أو جماعة". إذ بحسب تقديره، لا بد أن تكون النزعة الفطرية للتطوع أكثر تنظيماً لكي يكون أثرها أفضل.
وتصف خيرية الأغبري، وهي متطوعة ضمن عدة مبادرات شبابية، "التطوع" بـ"الكلمة الصغيرة ذات الأثر الكبير". وتضيف في حديثها لـ"خيوط": "كل من خاض هذه التجربة، يعرف ذلك جيداً. أن يمنح الإنسان وقته وجهده لمساعدة الآخرين، هو شيء عظيم، ويستحق الاحتفاء به".
عوائد التطوع
قد يتساءل البعض: ما الذي يستفيده الفرد المتطوع من تكريس وقته وجهده في عمل بدون عائد مادي؟، على هذا التساؤل، يجيب هشام الأصبحي قائلاً: "التطوع مهم بإعتباره وسيلة مساعدة في تنمية المجتمع، ويعزز من المهارات الفردية، ويساهم في تكوين شخصية الفرد، ويحفز على خلق بيئة سوية، كما ويعمل على تكريس العديد من المفاهيم الإنسانية، والوطنية".
وتتطرق خيرية الأغبري في إجابتها على التساؤل نفسه، إلى العائد المعنوي من العمل التطوعي، إذ يحصل الفرد المتطوع على "الكثير من المشاعر الإيجابية" التي تنعكس على بقية جوانب حياته. وتضيف: "هناك شعور عظيم ينتج عن التطوع، لا يستوعبه من لم يجرب، كما أن التطوع شيء أساسي ومهم في بناء أي أمة، ولا أقصد بالتطوع العمل الفردي فقط، بل ثقافة مجتمعية كاملة".
كان هدفي أن أساعد المجتمع فقط، لكن، عندما كبرت، وجدت أن التطوع أيضاً أفادني شخصياً، بالإضافة إلى أنه أكسبني خبرة، وعلاقات عملية كثيرة في مختلف المجالات، كما أنه يغذي روحي وطاقتي.
أهمية التطوع في اليمن
في البلد الذي يعتبر غالبية أفراده تحت خط الفقر، وفي احتياج متصاعد لأبسط الخدمات الأساسية، يعتبر العمل التطوعي أكثر أهمية من أجل مساعدة الأفراد والعائلات على التماسك أمام الانهيارات المتواصلة التي تسببت بها الحرب الدائرة منذ سبع سنوات.
عن ذلك تقول خيرية الأغبري: "في حال وُجدت فكرة التطوع عند كل فرد في اليمن، مهما كانت مهنته، سواءً كان طبيباً، مهندساً، تاجراً، أو في أي مجال، سيكون هناك أثر كبير نراه أمامنا، وبشكل ملموس، وستنخفض الكثير من الظواهر السلبية، ومشقة الحياة التي تثقل كاهل الأفراد والأُسر".
ولأن التطوع يأتي كمساندة مجتمعية، يعتبر أكثر أهمية في بلد تفتّت نسيجه الحرب القائمة سنة بعد أخرى. وفي هذه الظروف تكمن أهمية العمل التطوعي في كونه أحد المعززات الرئيسية لروابط العلاقات الاجتماعية والتذكير بقيم التعاون الأصيلة في الثقافة اليمنية. ويشير هشام الأصبحي إلى ذلك بقوله: "اليمن بلد مليء بالعادات والتقاليد المجتمعية، التي تحثّ على السلوك التطوعي بشكل أو بآخر"، وفي حين يدعو لتنظيم المبادرات الشعبية للعمل التطوعي، فهو يعتبرها "مهمة لتعزيز التعاون والتكاتف المجتمعي، خاصة في وضع الحرب القائم".
تجارب فردية لمتطوعين
هناك الكثير من النماذج الناجحة الذين بدؤوا حياتهم بالعمل التطوع التطوعي عبر المبادرات المدنية، وهذا يؤكد فكرة التطوع المثمرة.
خيرية الأغبري وهشام الأصبحي، من هذه النماذج، إذ يقول هشام: "التطوع المنظم أثر في حياتي كثيراً، لقد كان الأساس الذي ارتكزت عليه، والموجه لوصولي لما وصلت إليه، وقد اكتسبت الكثير من المهارات والقدرات عبر العمل التطوعي. وبعد عشرة أعوام، وصلت إلى منصب المدير التنفيذي في هذه المؤسسة، كما وأن أغلب قيادات منظمات المجتمع المدني ابتدؤوا حياتهم بالعمل التطوعي البسيط".
وتتحدث خيرية عن نتائج التطوع على كفاءتها الشخصية، وحياتها، مشيرة إلى أنها اعتادت العمل التطوعي منذ كانت في عمر الـ14. تقول: "كان هدفي أن أساعد المجتمع فقط، لكن، عندما كبرت، وجدت أن التطوع أيضاً أفادني شخصياً، بالإضافة إلى أنه أكسبني خبرة، وعلاقات عملية كثيرة في مختلف المجالات، كما أنه يغذي روحي وطاقتي".
صحيح أن التطوع لا يقدم حلولاً جذرية لمشكلات المجتمع، كالفقر والبطالة وغيرهما، لكنه، على الأقل، يحاول الحد من تفاقمها، رغم صعوبة ذلك، تمهيداً لإيجاد الحل الأمثل. وفي حين أنه من غير المعقول أن يبقى الفرد متفرّغاً طيلة الوقت للعمل التطوعي، إلا أنه من المهم أيضاً للأفراد ممارسة العمل التطوعي -تحديداً فئة الشباب- ولو بشكل مؤقت، ولفترات قصيرة، لما له من فوائد تعود عليه وعلى المجتمع، ومن أجل تعزيز قيم التعاون والتعاطف الإنساني التي يتطلب ترسيخها في نسيج المجتمع، تنظيم المبادرات التطوعية باستمرار.
* تحرير خيوط