تستمر معاناة النساء في اليمن بسبب النزوح، من عام لآخر، في ظل تزايد العنف القائم على النوع الاجتماعي وتدهور الخدمات مع انسداد أفق الحل السياسي لإنهاء الصراع الدائر منذ نحو 10 سنوات، مخلفًا أزمة إنسانية عميقة على كافة المستويات.
في حملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، تلفت المنظمات الأممية الانتباه إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي التي تواجهها النساء والفتيات النازحات في جميع أنحاء العالم.
وتلفت منظمات أممية إلى أن الصراعات المتزايدة وأزمات المناخ، تؤدّي إلى مستويات قياسية من النزوح وعدم الاستقرار، ممّا يعرض النساء والفتيات إلى مخاطرة متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
بحسب تقارير اطلعت عليها "خيوط"، فإنّ النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و60 عامًا، هن أكبر مجموعة سكانية من حيث عدد النازحين في اليمن، كما تتأثر النساء بشكل كبير، بسبب النزوح الناتج عن الحرب، حيث يقدّر عدد السكان النازحين داخليًّا بما يزيد على أربعة ملايين شخص، تشكّل النساء والأطفال ما نسبته أكثر من 70%، إضافة إلى أن حوالي 30% من الأسر النازحة تعيلها نساء، مقارنة مع 9% قبل العام 2015.
تفاقم العنف ضد النساء والفتيات بسبب النزوح في اليمن، مع تعرض النساء والفتيات النازحات والأسر التي تعولها نساء، وذوي الإعاقة، للخطر بشكل خاص. ومع ارتفاع معدلات الفقر والجوع، أصبحت الفتيات أكثر عُرضة للزواج المبكر والاتجار بالبشر وعمالة الأطفال.
حاليًّا، تصل عدد مخيمات النازحين إلى أكثر من 1500 مخيم عشوائي غير مخطط، ويحتاجون إلى الدعم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، حيث تشير تقديرات إلى أن حوالي 93% من المواقع، توجد بها نساء، وأكثرهن حوامل ومرضعات، و84% منها بها أُسَر تعيلها نساء.
النساء والفتيات النازحات من الفئات المهمشة أو ذوي الإعاقة، يكافحن أكثر لضمان الحصول على الخدمات، كما تعاني النازحات من مشقة في الحصول على سبل العيش لها ولأسرتها، خاصة أنها معرضة للعديد من المخاطر الصحية والنفسية، وحتى العنف والاستغلال، وجميعها ظروف قاهرة وغير مواتية، لتتمكن النساء من تحسين مستوى معيشتهن.
تفاقم العنف ضد النساء
بعد تسع سنوات من الحرب، يظل اليمن واحدًا من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد -حوالي (18.2) مليون شخص- إلى أحد أشكال المساعدة الإنسانية. تواجه البلاد أيضًا، واحدة من أقسى أزمات الجوع عالميًّا، حيث يكافح أكثر من نصف السكان للحصول على الغذاء. في عام 2024، يقدر أن (2.7) مليون امرأة حامل ومرضع بحاجة إلى علاج من سوء التغذية الحاد.
كما أن هناك -بحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الأوتشا في مارس/ آذار الماضي 2024- ما يزيد على (4.5) مليون يمني نزحوا فارّين من الأماكن التي نشب فيها الصراع المسلح داخل البلاد خلال العقد المنصرم.
وأدّى كلٌّ من الصراع والاقتصاد المتدهور والصدمات المناخية وانهيار الخدمات، إلى انقطاع وصول النساء والفتيات إلى خدمات الصحة الإنجابية والحماية. تموت امرأة أثناء الحمل والولادة وتوابعها كل ساعتين، لأسباب كان يمكن تجنبها تمامًا من خلال الوصول إلى الرعاية، حيث يقدم مرفق واحد فقط، من كل خمسة مرافق صحية عاملة، خدمات صحة الأم والطفل.
وتفاقم العنف ضد النساء والفتيات، مع تعرض النساء والفتيات النازحات والأسر التي تعولها نساء، وذوي الإعاقة، للخطر بشكل خاص. ومع ارتفاع معدلات الفقر والجوع، أصبحت الفتيات أكثر عُرضة للزواج المبكر والاتجار بالبشر وعمالة الأطفال.
إضافة إلى ذلك ومنذُ يوليو الماضي، تسببت الأمطار الموسمية ذات الغزارة الاستثنائية في أضرار ونزوح على نطاق واسع في جميع أنحاء اليمن، مما أثر على حوالي نصف مليون شخص، وأدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير.
الخشية من الأسوأ
تحذّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أن ملايين النازحين اليمنيين يواجهون ظروفًا متردية وسط تعمّق الأزمة المطوّلة التي تعيشها البلاد. ويأتي ذلك بحسب نتائج أحدث تقييم أجرته المنظمة.
يكشف تحديث مراقبة حماية النازحين داخليًّا، الصادر عن المفوضية الأسبوع الماضي، عن صورة قاتمة للظروف التي تطال اليمنيين النازحين والمجتمعات المضيفة لهم. وقد جرى جمع البيانات من أكثر من 47,000 أُسرةٍ خلال النصف الأول من العام 2024، وهي تقدم نظرةً على معاناة الأشخاص النازحين داخليًّا والعائدين من النزوح، وأفراد المجتمعات المضيفة. ويمكث عدد كبير من هذه الأسر في مواقع رسمية وغير رسمية للنازحين داخليًّا، الأمر الذي يعكس استمرار أزمة النزوح القائمة.
وتخشى منظمات أممية أن يشهد الوضع تراجعًا نحو الأسوأ، إذ يبين تقرير صادر عن المفوضية السامية أن 85% من هذه العائلات عاجزةٌ عن تلبية احتياجاتها الغذائية اليومية، والكثير منها قد لجأ إلى آليات تكيفٍ قاسية، مثل تخفيض حجم الوجبات أو تفويت وجباتٍ بأكملها. وتعكس هذه الإحصائيات واقعًا قاسيًا تواجه فيه عائلاتٌ بأسرها الجوع بشكلٍ يومي.
ورغم الجهود المبذولة لتحسين الظروف المعيشية، لا تشعر الغالبية العظمى من الأسر النازحة بأن العودة إلى ديارها ستكون آمنة؛ نظرًا لاستمرار الاضطرابات، وشح فرص كسب الرزق، والمخاطر مثل الألغام، الأمر الذي يوقعها في دوامة النزوح المطول.
ما زالت الأزمة في اليمن واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وتواجه البلاد تحدياتٍ هائلةً رغم تحول الاهتمام العام إلى حالات طوارئ عالميةٍ أخرى. وفي الوقت الحالي، يوجد في اليمن (18.2) مليون شخص –بما في ذلك (4.5) مليون نازح– بحاجةٍ ملحة إلى المساعدات الإنسانية. ويشمل ذلك أكثر من 60,000 لاجئٍ وطالب لجوءٍ من الصومال وإثيوبيا بشكلٍ رئيسي.
يؤكد تقرير للأمم المتحدة صادر بالتزامن مع تدشين حملة 16 يومًا، أن العنف ضد المرأة لا يزال منتشرًا على نطاق واسع، بما في ذلك أكثر مظاهره تطرفًا، وهو قتل الإناث، وهي ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والوضع الاجتماعي والاقتصادي والفئات العمرية.
تستدعي الحاجة توفير دعمٍ عالمي أكثر انتظامًا واستدامةً للبلدان مثل اليمن، وهي من بين أكثر البلدان عرضةً لتبعات تغير المناخ في العالم، كما أنها من بين الدول الأقل جهوزية للحد من تأثيرات الظواهر الجوية القاسية والكوارث الناجمة عن تغير المناخ والتكيف معها، بينما تتزايد وتيرة حدوثها.
وتضررت مجتمعاتٌ بأكملها نتيجة الفيضانات الكارثية التي ضربت مديرية مِلحان في محافظة المحويت، نتيجة الأمطار الغزيرة وانهيار ثلاثة سدود، إذ أودت السيول مؤخرًا بحياة 97 شخصًا، وأدّت إلى إصابة كثيرين آخرين، وطالت أضرارها أكثر من 56,000 منزلٍ لعائلاتٍ في 20 من محافظات البلاد، ودفعت أكثر من 1,000 عائلة إلى النزوح. وتشمل المناطق الأكثر تضررًا كلًّا من الحديدة وحجة والطويلة ومأرب. وتعزل الطرقات المقطوعة المناطقَ المتضررة وتعيق جهود الإنقاذ.
حملة مكافحة العنف
في السياق، كشف تقرير أممي جديد صادر في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن 60% من جميع جرائم قتل الإناث في العالم، يرتكبها شركاء "حميمون" كالأزواج، أو أفراد آخرون من الأسرة. وأكد أن العنف ضد المرأة لا يزال منتشرًا على نطاق واسع، بما في ذلك أكثر مظاهره تطرفًا، وهو قتل الإناث، وهي ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والوضع الاجتماعي والاقتصادي والفئات العمرية.
أعد التقريرَ الذي حمل عنوان "جرائم قتل الإناث في عام 2023: تقديرات عالمية لجرائم قتل الإناث من قبل الشريك الزوج/ فرد في الأسرة"، كلٌّ من هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وأظهرت البيانات المتاحة التي جُمعت في التقرير أنه على مستوى العالم، قُتلت 85 ألف امرأة وفتاة عمدًا في عام 2023. وارتُكبت 60% من جرائم القتل هذه –أي 51 ألفًا- على يد شركاء "أزواج" أو أفراد آخرين من الأسرة.
وأوضح التقرير أن 140 امرأة وفتاة تموت كل يوم على يد شريكها أو أحد أقاربها المقربين، مما يعني مقتل امرأة واحدة كل 10 دقائق. ويتزامن إصدار التقرير مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي يصادف 25 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وتؤكد مسؤولة أممية أن العنف ضد النساء والفتيات يمكن الوقاية منه، حيث يتطلب الأمر تشريعات قوية، وتحسين جمع البيانات، ومساءلة حكومية أكبر، وثقافة عدم التسامح، وزيادة التمويل لمنظمات حقوق المرأة والهيئات المؤسسية.
ومن خلال حملة الـ16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة، ستدعو هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى تنشيط الالتزامات، والدعوة إلى المساءلة والعمل من قِبل صناع القرار.
ويتم إحياء الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة هذا العام، بحدث تذكاري رسمي في نيويورك، من شأنه أن يسلط الضوء على أفضل ممارسات الاستثمار لمنع العنف ضد المرأة، والفجوات والتحديات والطريق إلى الأمام.