واجهتْ ظروفًا عديدة، بكل أشكال التضييق والإرهاب عليها حتى ممن يفترض أن يكونوا أقرب المقربين منها والمدافعين عنها والداعمين لها؛ خوفًا من العار المرتبط بها ومن ضياع الشرف المتكوّر في أزمتها كمرأة أو من فضيحة تتشكّل بأنسنة المرأة ولو لمرة واحدة!
هي المرأة في أوضح صورها المنتقاة من عمق أكوام الغبار التاريخي المتأصل لمئات السنين، تُجَرّ من ذيولها الماضية إلى حاضرنا المنكشف لأوضاع النساء في العالم كلّه، يقول لنا اليوم إن المرأة التي كانت قد زالت، وصار الإنسان يعيش بينه وبين نفسه بكل كمال المساواة التي انطلقت من مبدأ الزمن المتجدد والواعي لأهمية وحقيقة الإنسان بكل اختلافاته العرقية والجنسية وغيرها.
مثّل العار المرتبط بالمرأة جريمة تقيّد ضدها كل الجرائم دائمًا، فتنتمي المرأة في مجتمعاتنا إلى جهة الطغيان حتى في تشكلها بالضعف وانهزام تحلّيها بالقوّة.
ارتبطت المرأة ثقافيًّا بالصفات المتحايلة، ولهذا جذور متأصِّلة في ثقافة المجتمعات الذكورية كلها، ولهذا أيضًا تيسير للأساليب المتخذة ضد المرأة وحياتها، في كون الرجل يلعب دوره المؤدب بالحق دائمًا في مواجهة "ألاعيب" المرأة الناشزة من الأعراف التي وضعها الرجال أنفسهم!
وصور أخرى تمثّل شكل المرأة في أي مجتمع ذكوري، بشيطان غريب، جلبت كافّة أنواع الأساليب الوحشية التي تمارس ضدها اليوم بدعوى القلق والحماية.
بحسب تقرير نشره مركز وودرو ولسون الدولي للعلماء في آب/ أغسطس ٢٠٢٠، فإن العنف ضد النساء والفتيات في اليمن قد ازداد بنسبة ٦٣٪ منذ بداية الحرب في اليمن في العام ٢٠١٥، وفاقم الوضع أكثر جائحةُ كوفيد-١٩ التي بدأت منذ بدايات ٢٠٢٠، بسبب القصور في توفير الخدمات الأساسية وسوء البيئة المنزلية، وغيرها من المشاكل التي طالت كذلك سوء المعاملة، حتى مع الأطفال، وهذا على المستوى العالمي كذلك، وليس فقط في اليمن؛
فكون وضع المرأة فيها كضحية دائمًا لن يؤثر سوى في درجة الإشفاق عليها.
إضافة إلى كل هذه الأساليب الرقيقة والطوباوية في غالبها، تضم أشكال الحديث المملة عن تضمين المرأة ضمن قائمة المنكوبين.
كهذه التقارير التي تنشر، قد توضح لنا صورة أعنف عمّا نعرفه عن العنف ضد المرأة، تدل هذه النتائج على عدم اعتبار المرأة شريكًا في مقاومة الحياة بقدر ما هي أداة لإفراغ هذا الغضب الذي ينمو من الأوضاع المحيطة. ولهذا أصول لا تنتهي بمعالجة سطحها ووقف هذا العنف فقط، بل بتأصيل فكرة أخرى في أنسنة المرأة ثقافيًّا وإدخالها تدريجيًّا في المشاركات الحقيقية الفعّالة ضمن الكراسي الرسمية والجادّة.
حاولتْ منظمات عالميّة عديدة معالجة حالات العنف ضد المرأة في اليمن، وهي محاولات قدّرت بأن تكون سطحية في أخذ الضحية إلى العلاج والعودة بها مجددًا إلى زاوية التعنيف، وهكذا. ولم تحاول بَعْدُ، أيُّ جهة رسمية أن تتعامل مع الأصول الثقافية في دعم المرأة المعنَّفة أساسًا بين السطور الكثيرة والعقول المسيطرة.
وعلى سبيل المثال، كان على رأس هذه المحاولات تبنّي هيئة الأمم المتحدة للمرأة أعمالًا داعمة -بحسب وصفها- لقضايا المرأة في اليمن. من خلال أعمالها الملامسة لهذه القضايا على التقارير المرفوعة غير المندمجة بالواقع بشكل تامّ، أو المرحلية والتجريبية غير متأصلة التأثير الفعّال. منها ما تعلنه هذه الهيئة من تعزيز القيادة النسائية وإدماج المرأة في عمليات السلام، وتوفير الدعم في مجال بناء القدرات للقادة والشبكات والمجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة، بشأن تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي في البرمجة الإنسانية، وتلبية احتياجات النساء والفتيات الضعيفات لضمان مشاركة المتأثرات بالأزمة في جهود الاستجابة والإنعاش، وتمكينهم من خلالها، واستفادتهم منها، بحسب ما تنشره الهيئة من طرق مساعدتها للمرأة في اليمن. وهذه المعالجات إن كانت فهي تلامس الألم الدائم ولا تتوغّل في عمقه.
وفي مثال آخر، كان من آخر هذه المحاولات الرسمية تطبيقًا على الهواتف أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن يعزز فرص وصول النساء لخدمات الحماية من العنف ضد المرأة في اليمن، كما وصفه تقرير منشور على موقع البرنامج في بداية العام الجاري. ويقدّم هذا التطبيق إرشادات لناجيات من العنف ضد المرأة في اليمن.
هذه الأساليب هي أساليب قد تكون مرحلية، ومهمة في وقتٍ ما، ولكنها وغيرها من المحاولات الاجتماعات الأممية والمحلية التي تتم لمواجهة مشكلة العنف_ تتم بصورة سطحية لا تقترب من الواقع أو في نيّة جديّة لجر المرأة في مجتمعات الذكر إلى مرحلة الإنسان؛ فكون وضع المرأة فيها كضحية دائمًا، لن يؤثر سوى في درجة الإشفاق عليها.
إضافة إلى كل هذه الأساليب الرقيقة والطوباوية في غالبها، تُضَمُّ أشكال الحديث المملة عن تضمين المرأة ضمن قائمة المنكوبين، والحديث عنها غالبًا من طرف المحامي الآخر الذي لا يعيش تجربتها بقسوتها، بل في الدفاع عنها دون الأخذ بالاعتبار عديدًا من جوانب معاناتها الحقيقية في الخوض في التفاصيل النفسية والحقيقية التي تعيشها المرأة؛ فيكون تعميمًا بارزًا في اللغة الدفاعية السفلى عادة، في أنين المستنجد وصراخ المظلوم من دون حلّ.
إن فرض أساليب الدفاع عن المرأة لا تناقَش في طاولات وببدلات رسمية، بل في خوض تجربتها الحقيقية، وإدخالها صريحة في قوالب الدفاع، وأخذ جانبها الواقعي على الأرض، بجانب تأصيل المفاهيم الحقيقية في الثقافة.
ولمحاولة إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل التعنيف ضد المرأة؛ على الحلول الثقافية أن تتقدم أولًا، ومن طريقها يوضع الإيمان التامّ بالمرأة وبمفهوم المساواة.
أو لنتخذ أفضل الحلول وأسلمها: ترك المرأة فقط دون فعل شيء، سلبي أو إيجابي؛ لتحقق نفسها جيدًا!