الكثير من الأسر اليمنية تمارس العنف الجسدي واللفظي ضد أطفالها دون إدراك لمخاطر مثل هذا السلوك العدواني، وما يمثله من انتهاكات ضد الطفولة. الأسوأ من ذلك، أن القانون اليمني يحمي الآباء من أية مساءلة عن ممارسة العنف ضد أبنائهم بما في ذلك جرائم القتل.
وبينما يعتبر البعض أن العنف الذي يتعرض له الطفل من قبل أقاربه أحد الانتهاكات الجسيمة، كونه ضد السلوك الفطري، ويأتي من قبل من يفترض بهم منحه الحب والحنان، تشدد لمياء الإرياني، وهي باحثة اجتماعية متخصصة في حقوق الطفل، على خطورة الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في اليمن، وانعكاساتها على المجتمع بشكل عام.
في حديثها لـ"خيوط"، ترى لمياء الإرياني، التي ترأس منظمة مدرسة السلام وعضو التوافق النسوي من أجل الأمن والسلام، أن التغلب على هذه المشكلة "يبدأ من إصلاح وتعديل القوانين الوطنية لتتواءم مع الاتفاقيات الدولية، لحقوق الطفل". وتضيف: "يجب وضع خطة وطنية شاملة، لحماية الأطفال من العنف الأسري، والتوعية بذلك عبر كافة الوسائل الإعلامية".
في منتصف يونيو/ حزيران 2020، أصدرت عدة منظمات تقريرًا جاء فيه أن نصف أطفال العالم يتعرضون لشكل من أشكال العنف، وإذا كان هذا العدد الكبير من الأطفال حول العالم يتعرضون للعنف، بما في ذلك بلدان لديها قوانين لحماية الطفل، فما الذي سيكون عليه حالهم في اليمن؛ البلد الذي يشهد حربًا منذ ست سنوات، ولا تحظى فيه الطفولة فيه بالحماية الكافية اجتماعيًا وقانونيًا.
يتأثر الأطفال كثيرًا بالصراعات وليس بالإمكان فصلهم عن المجتمع، لكنهم الأكثر تأثُّرًا من بقية الفئات، وذلك بسبب عدم امتلاكهم الوعي الكافي والقدرة لحماية أنفسهم، خاصة خلال الحروب والأزمات.
هناك صور كثيرة للعنف ضد الأطفال، تمارس في المجتمع اليمني؛ وعبر السوشال ميديا تنتشر الكثير من القصص المؤلمة، مثل قصة الطفلة "هيفاء" التي انتشرت صور لها قبل أشهر، وعلامات العنف ظاهرة على جسدها. وأيضًا، الطفلة ذات الثلاثة عشر عامًا، التي أجبرت على شرب السمّ من قبل إخوتها، وبدعم مباشر من أبيهم، بالإضافة إلى قصة صعقت الرأي العام قبل أقل من عام، عندما انتشرت صور شخص قتل أطفاله الثلاثة لينتحر بعدهم، وهناك الكثير من القصص التي تختلف أسبابها ودوافعها.
الحرب والفقر عوامل مساعدة
يتأثر الأطفال كثيرًا بالصراعات وليس بالإمكان فصلهم عن المجتمع، لكنهم الأكثر تأثُّرًا من بقية الفئات، وذلك بسبب عدم امتلاكهم الوعي الكافي والقدرة لحماية أنفسهم، خاصة خلال الحروب والأزمات.
في حديث لـ"خيوط"، يقول عبداللطيف الهمداني، مدير الدراسات والبحوث في المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، إن "الظروف تؤدي إلى عدم تلبية الاحتياجات لدى الأسرة، فتتضاعف الصراعات والعنف بين الأب وأولاده"، لكن ما يؤدي إلى العنف باعتقاد الهمداني هو "مستوى الوعي والتعليم لدى الآباء، فكلما زاد التعليم، قل العنف، والعكس".
وبخصوص أولئك الآباء الذين يعجزون عن تحمل ضغوط الحياة، وبالتالي عن تحمل مسؤولية عائلاتهم، ماديًّا ومعنويًّا، تقول غدير طيرة، ناشطة اجتماعية، لـ"خيوط"، "يجب ألّا يتزوج، كي لا ينجب المزيد من الضحايا".
ويعتبر الوضع الاقتصادي المتردي لأغلب الأُسر اليمنية أحد أكثر الأسباب التي تدفعها لارتكاب ممارسات عنيفة ضد أطفالها. وفي كثير من الحالات يتم دفع الصغار لسوق العمل في عمر مبكر، أو للالتحاق بجبهات القتال. وفي أفضل الأحوال، يتعرض الأطفال للإهمال في فترة حرجة من أعمارهم -المراهقة- وهذا الفقدان للرعاية الكافية وللحنان أيضًا، يصيب عواطفهم بالاضطراب.
في هذا السياق، ترى غدير، أن الطفل اليمني "لا يعيش طفولته على الإطلاق، إذ تبدو ملامح كثير من الأطفال وكأنهم في الثلاثينيات، أما الفتيات فيتزوجن في سن مبكر بسبب الفقر".
الأثر المستقبلي
معلوم في نظريات في علم النفس، أن المعاملة المسيئة والخاطئة تجاه الطفل خلال سنواته الأولى، تُخزن في اللاوعي، وتظهر بصورة أو بأخرى في سلوكه المستقبلي.
وترسم لمياء الإرياني صورة مصغرة لمستقبل الطفل الذي يتعرض للعنف، بالقول "يصبح مهزوز الثقة، ومعدوم الكفاءة، وبالتالي يصبح عبئًا على الدولة والمجتمع، إضافة إلى التأثير النفسي المعروف، الذي يظهر تأثيره بعدم النمو السليم للجسد، ويحد من قدراته العقلية، والفكرية".
فيما يرى عبداللطيف الهمداني، أن "العنف له تأثير مستقبليّ كبير، ويؤثر على علاقة الطفل بأسرته، وبالمجتمع، وكذلك بنفسه، بالإضافة إلى أنه يصنع عنفًا كامنًا داخله".
التصدي للظاهرة
بعجز تام عن المقاومة، يستمر الأطفال بالمعاناة الصامتة، لعدم قدرتهم على رفض الإساءة أو تجنبها؛ لذا يجب التدخل لحمايتهم من قبل الآخرين، سواء المنظمات أو السلطات. ومن هذا المنطلق، هناك بعض الدول التي تتدخل في حال قام الأب بممارسة أي عنف تجاه طفل تحت رعايته، وتتخذ ضده إجراءات صارمة تصل حد انتزاع الطفل، من رعاية الأب بموجب قانون يعتبر الأطفال مصلحة عامة، تخص البلد، وأي عنف يتعرضون له، هو خطر يمس مستقبل المجتمع ككل. بينما في اليمن، ما زال هناك مفهوم قاصر، يعتبر هذه القضية، مشكلة شخصية بحتة.
عن محاربة هذه الظاهرة تقول لمياء الإرياني، إنه في العقدين الأخيرين، وعلى مستوى العالم، تم التركيز كثيرًا على هذا الجانب، لكن الصراع القائم منذ ست سنوات في اليمن، "فرض أولويات أخرى".
هناك بعض الجهات التي بدأت بالتنبه لهذا الأمر، وتعمل على رفع مستوى الوعي لدى الناس، إذ أقامت مؤسسة "فور هيومن" في مدينة الخوخة (غرب اليمن)، حوارًا مفتوحًا لقادة المجتمع، والسلطة المحلية، لمناقشة قضايا العنف الأسري، وهناك منظمات أخرى أيضًا تقدم الدعم النفسي للأطفال. لكن لا تستطيع هذه المنظمات أن تشمل جميع الأطفال برعايتها، بسبب اتساع المجال المجتمعي للمشكلة.
ويتحدث عبداللطيف الهمداني عن برنامج شامل لمعالجة هذا الأمر، إذ يوضح أن منظمة اليونيسف تقوم بدعم ما يسمى بـ"المشروع الوطني لمعالجة الحالة"، وهو مشروع منتشر على مستوى كثير من المديريات والقرى اليمنية، ومختص بهذا النوع من المشاكل، ويقوم بمعالجة أسباب العنف لدى المستضعفين.
تحرير "خيوط"