يدور جدل واسع حول الفضاء الإلكتروني في اليمن، الذي تطغى عليه الفوضى مع تحوله إلى مكان غير آمن للنساء والفتيات، مع تزايد الضحايا، وتبعات ذلك النفسية والاجتماعية، كما هو حاصل مؤخرًا في أكثر من قضية، آخرها الفتيات اللاتي وقعن ضحايا للابتزاز الإلكتروني.
بصوت مليء بالحزن، تحكي الإعلامية الشابة نوران النقيب، البالغة من العمر 21 عامًا، قصة معاناتها مع ما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي من تنمُّر وتهكّم، واجهته بشكل كبير ومؤلم.
تقول نوران: "التنمّر كان جزءًا كبيرًا من حياتي، وكان يأتي على أتفه الأسباب، لكني اخترت ألّا يؤثّر عليّ بل يزيدني قوةً وثباتًا، أصبحت أكثر إصرارًا على مواصلة طريقي؛ لأنّني أدركت أنّ أيّ شخص ناجح يجب أن يواجه الصعوبات ويتغلب على العقبات".
طرق وأساليب بعض مَن في مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت محل جدل وانتقادات واسعة بالنظر إلى مساهمتها في خلق بيئة مخيفة للفتيات والنساء، حيث تعاني كثيرات مع ما يحصل في السوشيال ميديا، وتحول هذه الطرق والأساليب المتّبعة إلى عداء للمرأة تنتقل معها إلى المستوى الأسري وحياتها الاجتماعية.
تقول الشابة العشرينية سلوى علي، لـ"خيوط"، إنّ الوضع في الفضاء الإلكتروني أصبح مقلقًا، حيث ليس هناك أيّ هدف لكثير من المستخدمين سوى ملاحقة الفتيات والتعرض لهن بصورة عدائية، إضافة إلى التحرش واستغلال جهل بعضهن بطرق وأساليب الاستخدام.
جدل الفوضى الحاصلة
في حين تطرق راوية محمد، في حديثها لـ"خيوط"، نقطةً مهمة في هذا الصدد، تتمثّل في وصول الأمر إلى التفتيش والبحث في صفحات وحسابات مستخدمات أو في جهات يعملن بها، تقوم بعض الأحيان بنشر صور فعاليات تنظمها، تظهر فيها صور إما موظفات وعاملات أو مشاركات بفعاليات معينة.
ما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي من تنمُّر وعِداء وتربّص وتهكّم وملاحقات واستغلال وابتزاز، يمكن أن يسفر عنه آثار نفسية سلبية على الأفراد المعرضين لكل ذلك. من هذه الآثار، انخفاضُ مستوى الثقة بالنفس، وزيادة الشعور بالقلق، والاكتئاب، والشعور بالعزلة، إضافةً إلى زيادة التوتر والغضب، وصعوبة التحكم في الانفعالات، وقد يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه مع تزايد الحديث والصخب والإشاعات.
ومن ثم تجد من يقوم بطرق عدائية غريبة تبدأ بالملاحقات والتواصل، وهناك من يقوم بإرسال الصور من هذا النوع أو غيرها للمحيط الأسري، الذين قد يجهلون طبيعة الصور المنشورة، وكل ذلك بهدف التشويه وتأليب الأسرة والمجتمع، بما لا يؤدّي إلى خلق بيئة عدائية في الفضاء الإلكتروني فحسب، بل تنتقل هذه الحالة إلى المجتمع.
يوافقها الرأي الشاب أمير حمزة، البالغ من العمر 30 عامًا، الذي يشير لـ"خيوط"، إلى أنّ حياته انقلبت رأسًا على عقب؛ بسبب ما واجهه من تشهير وتنمّر تعرض له على الإنترنت، وهو يشاهد صوره منتشرة بصفحات أشخاص في الفيسبوك، بحجة أنه يتصور مع الفتيات رغم أنّهن زميلات له في العمل؛ ممّا أثر بشكل كبير على حالته النفسية، متسائلًا كيف يكون الأمر لدى الفتيات والنساء، اللاتي لا غرض لبعض مَن بالفيسبوك وغيره إلا الترصد لهن وملاحقتهن.
التعدي على الخصوصيات
تنتشر أساليب الاحتيال والتهكير والتعدي على الخصوصيات ومحاولات الاختراق، في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وتوسع وتضخم المستخدمين.
يأتي ذلك وسط تزايد ملحوظ للضحايا الذين يجهلون غالبًا طرق الحماية التي يجب اتباعها لتوفير نوعٍ من الأمان الإلكتروني، إضافة إلى ما يرافق سوء الاستخدام، وأيضًا -وهو الأهم- أساليب التعدي على الخصوصيات والتحرش والتنمّر والسخرية والابتزاز.
يؤكّد الدكتور عبدالكريم غانم، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، لـ"خيوط"، أنّ هذا النوع من المحتوى يحظى بتفضيل المتلقين، حيث ينتشر بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يميل الجمهور -وفق حديثه- إلى التركيز على الجوانب السلبية للأفراد وإغفال الإيجابيات، ممّا ينتج عنه ارتباط سلبي يدوم طويلًا، يؤثر على الفرد نفسيًّا واجتماعيًّا.
ويشير الدكتور عبدالكريم إلى أنّ الفوضى الحاصلة على الفضاء الإلكتروني وانتشار بعض الحالات السلبية، قد يؤدي إلى تدهور جودة المحتوى الرقمي، إذ يجذب المحتوى العدائي والتهكم الكثيرَ من الانتباه والإعجابات، ممّا يؤدّي إلى تراجع الاهتمام بالمحتوى الهادف الذي قد يكون له جمهور محدود.
يلاحظ ذلك في تحول قضايا كثيرة، تكون أحيانًا عادية -مثل فتاة وضعت صورة عادية في حسابها أو فيديو أو (حالة) تكون عبارة عن أغنية أو ما شابه ذلك، أو واقعة معينة تكون الفتيات والنساء ضحايا فيها، أو حتى في حال كان الأمر بحدوث التباس أو مشكلة في الاستخدام- إلى ترندات ومواضيع رأي عام ونشر متواصل حولها، حيث قد تكون ضارة ومسيئة بالضحايا، إضافة إلى الخوف والحالة العدائية التي تنشأ نتيجة لذلك.
يدعو الدكتور عبدالكريم في هذا الجانب، إلى ضرورة توعية المجتمع، بأهمية التعامل الإيجابي على الإنترنت وتعزيز جودة المحتوى الرقمي، للمساهمة في خلق بيئة رقمية صحية ومثمرة للجميع.
هلع واضطرابات نفسية
في السياق، تقول الاختصاصية في علم النفس، إيمان البريهي، إنّ ما يحصل على مواقع التواصل الاجتماعي من تنمّر وعداء وتربّص وتهكّم وملاحقات واستغلال وابتزاز، يمكن أن يسفر عنه آثار نفسية سلبية على الأفراد المعرضين لكل ذلك.
من هذه الآثار، انخفاضُ مستوى الثقة بالنفس، وزيادة الشعور بالقلق، والاكتئاب، والشعور بالعزلة والانفصام الاجتماعي، إضافةً إلى زيادة التوتر والغضب، وصعوبة التحكم في الانفعالات، وقد يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه مع تزايد الحديث والصخب والإشاعات وغيرها، كما يحصل مؤخرًا مع الفتيات ضحايا الاستغلال، اللاتي يتعرضن للتهديد.
فضلًا عن التأثير السلبي -وفق حديث البريهي- على الصحة النفسية والجسدية، مثل زيادة في مستويات الإجهاد والقلق، وقد تظهر أعراض اضطرابات نفسية، مثل اضطرابات الهلع والاكتئاب.
وتضيف أنّ هناك رابطًا بين الحالة النفسية للأشخاص الذين تعرّضوا للتنمّر أو الاستغلال، وجودة المحتوى الذي ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ هناك من قد يستخدم هذه المواقع وسيلةً للتعبير عن مشاعرهم السلبية أو الغضب أو الانزعاج، وقد يكون لديهم حاجة ماسة للحصول على انتباه وتفاعل من الآخرين، ويمكن أن يستخدموا المحتوى الجدلي أو لفت الانتباه بطرق سلبية لجذب المزيد من المتابعين أو التفاعل، في حين قد يستخدم آخرون وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً للهروب من مشاكلهم.
التوعية بالاستخدام
العداء أو التنمّر الإلكتروني ليس مقتصرًا على الأفراد فقط، بل يمتد أيضًا إلى المؤسسات، حيث يؤكّد الناشط في قضايا العنف، معتز الشرجبي، لـ"خيوط"، أنّ بعض المؤسسات تتعرض للتنمّر والتهكّم ومختلف أساليب العداء عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويشدّد الشرجبي على أهمية دور التوعية، حيث يصبح التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومن ثم ينبغي على جميع الأطراف، بما في ذلك المساجد والمدارس، التفاعلُ مع هذه القضية، والعمل على حلها. كما يقترح القيام بحملات إلكترونية لترشيد الاستخدام، والتوعية بكيفية حماية الخصوصيات، مثل حملات الحظر والبلاغات، التي يمكن أن تساهم في الحد من هذه الظواهر العدائية السلبية المنتشرة.
ويشير القانون اليمني في المادة رقم (292) من قانون العقوبات، إلى معاقبة كلّ من يسبّ غيره بغير القذف، بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة، حتى إذا كانت الاتهامات الموجهة للشخص صحيحة.