في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2014، غادرت سميرة عمر (اسم مستعار- 30 عامًا)، ولاية "ميشيغان" في الولايات المتحدة الأمريكية، عائدة إلى اليمن، وذلك بعد أن أخبرها والدها بأمر العودة بشكل مفاجئ لغرض تزويجها بابن عمها الذي ينتظرها في منطقة "الشِّعر" بمحافظة إب (وسط اليمن).
تؤكد عمر أنه لم يسبق لها معرفة ابن عمها الذي سيكون زوجها في غضون أيام من تاريخ العودة إلى اليمن، ولكنها اضطرت إلى الموافقة مكرهة خوفًا من العقوبات التي ستطالها إن هي أبدت رفضًا يُخالف تقاليد العائلة وعاداتها في حق الأب بتزويج ابنته وفقًا لما يراه مناسبًا لها، دون اعتبار لحق الفتاة في حرية اختيار الشريك، ودون إعطائها حق القبول والرفض.
صفقة شيطانية
يرى المحامي بشير الشجاع أنّ زواج المنفعة المتعلق بالهجرة إلى أمريكا صفقة شيطانية خاسرة ومبنية على أسس غير صحيحة؛ كونها مسوغة بالمصلحة قبل أن تكون علاقة اجتماعية في سياقها الطبيعي. ويقول الشجاع إنّ زواجًا من هذا النوع يفشل نتيجة لعدم وجود التكافؤ بين الزوجين، وشعور الزوج بعدم الرغبة في الزوجة عندما يتم الضغط عليه لتسديد قيمة "الفيزا"، وشعور الزوجة بأنها مكرهة على الموافقة عليه، من قبل والدها الذي لا يراها سوى عنصر يُكسبه المال.
وفقًا للتقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية للعام 2021، فقد بلغ عدد اليمنيين الذين حصلوا على تأشيرات هجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام أكثر من 4700 مهاجر، وجاءت اليمن، بحسب التقرير، الأولى عربيًّا في الحصول على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة إلى أمريكا في العام ذاته.
انتقلت عائلة سميرة عمر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحصلت على الإقامة الدائمة، وتلقت الفتاة -التي وُلدت في ولاية ميشيغان- تعليمها منذ البداية حتى تخرجها من ثانوية بـ"ميشيغان"، الأمر الذي جعلها تطمح للالتحاق بإحدى جامعات الولاية، لكنه حلم لم تشأ إرادة والدها أن يتحقق، إذ واجهها بقرار غيّر حياتها وأحلامها للأبد.
يقدر الدكتور علي الطارق، عميد مركز الإرشاد النفسي بجامعة صنعاء، أن زواج المجنسات الأمريكيات بأقاربهن أو بشباب يمنيين لمجرد الحصول على الجواز الأمريكي دون مراعاة حق الاختيار والرغبة والحب، أمرٌ يفاقم المشاكل على نحو غير عادي. ويضيف الطارق -وقد عمل سابقًا في عيادة نفسية بولاية ميشيغان الأمريكية- قائلًا: "كان الرجال اليمنيون غير راضين على رؤية زوجاتهم يعشن بتناغم مع الطابع الليبرالي في أمريكا، فينصدمون ولا يجرؤون على معارضتهن، وكانوا كذلك يصبرون على الإهانات حتى يحصلون على "جرين كارد" أو الجواز الأمريكي ثم تكون ردود فعلهم طلاق تلك النساء".
مؤسسة ربحية
ويتابع: "عادة الفتاة اليمنية-الأمريكية لا تجرؤ على مخالفة والدها، وتنصاع للزواج بقريب لها، وإن كانت لا ترغب به؛ وذلك لغرض إكسابه الجواز الأمريكي، ومن ثم تحصل المشكلات، فلا هي مقتنعة به زوجًا، ولا هو قادر بعد حصوله على التأشيرة على إبقائها زوجة له".
بلغت الإهانة للمرأة اليمنية-الأمريكية أقصاها، في صورة تقدمها كمؤسسة ربحية يستثمرها والدها للحصول على المزيد من المال. ووفقًا لعلي منصور (اسم مستعار)، أحد الشباب المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ أبًا استغل ابنته كنوع من التجارة، وظل يزوجها أكثر من شخص، ويطلقها منهم فور دخول الزوج إلى الولايات المتحدة، حتى تعرقل دخول شخص، فحصل النزاع بينهما وذهبا للتقاضي.
نسرين علي (اسم مستعار- 28 عامًا)، ضحية أخرى لزواج المنفعة الذي يسلب المرأة حقها في تحديد شريك ملائم لها، ويجعلها مجرد سبب لكسب والدها صفقة من المال، حتى إنّ بعض الآباء صار يُفاخر بعدد بناته كما لو كان يمتلك شركة عقارات، في صورة انتهاك صارخ يطال اليمنيات-الأمريكيات دون رادع قانوني يُذكر.
يُقصي الآباء اليمنيون-الأمريكيون بناتهم من حق اختيار الزوج وفقًا للرغبة والحب؛ إذ يجبرونهن على الموافقة على أي رجل يدفع المبلغ المتعارف عليه، الذي يصل إلى أكثر من 50 ألف دولار أمريكي، الأمر الذي أحال الفتيات بنظر الآباء إلى مؤسسات تدرّ الربح دون اعتبار لما ستؤول إليه الحياة في تلك الزيجات.
تقول علي إنها كانت تستعد لإقامة حفلة خطوبتها من شاب يمني-أمريكي يقيم بالقرب من سكنها في ولاية "شيكاغو"، سبق أن تعرفت عليه في أحد فصول المعاهد الدراسية، لكنها صُدمت بإخبار والدها لها أنه عازم على استلام مبلغ 70 ألف دولار أمريكي، سيرسله شاب يمني يقيم في اليمن، كان قد اتفق معه على تزويجه ابنته مقابل هذا المبلغ وإدخاله لاحقًا -بعد الزواج- إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل على تأشيرة الإقامة الدائمة.
تؤكد نسرين أن سبب رفض والدها تزويجها بالشاب اليمني-الأمريكي هو أنه لن يدفع المبلغ الباهظ الذي دفعه اليمني؛ وذلك لرغبة الأخير في الحصول على الجواز الأمريكي، وأن الزواج الذي يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية لا يُسمح فيه قانونيًّا بدفع مبالغ طائلة، الأمر الذي يدفع الآباء اليمنيين-الأمريكيين إلى تزويج بناتهم في اليمن بعيدًا عن رقابة القانون الأمريكي المتعلق بتزويج المجنسات الأمريكيات.
يتمكن المواطنون الأجانب عبر تأشيرات الهجرة من الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والعيش والعمل دون أيٍّ من القيود المرتبطة بالتأشيرات لغير المهاجرين. ويحصل المهاجرون على الإقامة الدائمة، وتُمنح تأشيرات الهجرة لاعتبارات، هي: العلاقة الأسرية، والعمل، واللجوء، أو الاختيار في برنامج تأشيرة الهجرة المتنوعة.
تعب نفسي
تتبّع معد التحقيق عشر قصص لنساء يمنيات-أمريكيات تزوجن بيمنيين غير مقيمين في الولايات المتحدة، تعرض زواجهن لاحقًا، لمشكلات وانتهى بالانفصال بعد خلافات وتعب نفسي، جراء زواج المنفعة الذي يخلو من المودة والتفاهم والرحمة.
يقصي الآباء اليمنيون-الأمريكيون بناتهم من حق اختيار الزوج وفقًا للرغبة والحب؛ إذ يجبرونهن على الموافقة على أي رجل يدفع المبلغ المتعارف عليه، الذي يصل إلى أكثر من 50 ألف دولار أمريكي، الأمر الذي أحال الفتيات بنظر الآباء إلى مؤسسات تدر الربح دون اعتبار لما ستؤول إليه الحياة في تلك الزيجات.
فاتن صالح (اسم مستعار- 37 عامًا)، هي الضحية الثالثة من بين عشرات الضحايا، تتبّع معد التحقيق قصصهن، وقد انفصلت عن زوجها بعد عامين ونصف من حصوله على الجواز الأمريكي، نتيجة خلاف كان سببه رفض الزوج مواصلةَ زوجته التعليمَ الجامعي في إحدى جامعات ولاية ميشيغان الأمريكية.
تحمّل صالح والدها مسؤوليةَ المآل المحزن الذي صارت إليه؛ وذلك لإجبارها على الموافقة بزوج لا يتوافق معها فكريًّا ومعرفيًّا، ويرى أن مواصلة المرأة تعليمها ضربًا من العيب. أصبحت فاتن تعيل ثلاثة أطفال دون أن يساعدها أحد في تحمل مسؤولياتهم، إذ تقول إنها عجزت عن مواصلة تعليمها الجامعي؛ لانشغالها بتربية الأطفال.
صفقة المال الطائل التي يستلمها الآباء مقابل تزويج بناتهم تتم في السر بعيدًا عن السلطات الأمريكية، الأمر الذي يعقد من مسألة لجوء الفتيات إلى تقديم أية شكاوى لمنع آبائهن وإيقاف عبث تزويجهن دون موافقة ورغبة.
كغيرها من الضحايا، تؤكد فاتن أنها لم تحصل على شيء من المبلغ الذي استلمه والدها، وهو 65 ألف دولار أمريكي، وتفيد أن بعضه ذهب في إتمام معاملة دخول زوجها وقتذاك، فيما ذهب معظمه إلى جيب والدها، في واحدٍ من أسباب الكسب بالنسبة للآباء اليمنيين-الأمريكيين الذين يزوجون بناتهم بهذه الطرق التجارية التي تخلو من أية مراعاة لشروط الزواج الناجح، وأقلها التراضي والقبول.
تؤكد المحامية في المساحات الآمنة لدى اتحاد نساء اليمن، هدى الآنسي، عدم وجود نص قانوني يجرم عقد زواج المنفعة، وهو الأمر الذي يجعل الزوجة إثر هذا الزواج ترفع دعوى فسخ أمام القضاء لعدم الرضى فقط. وتشير إلى أن من حق المرأة رفع دعوى فسخ عقد زواج المنفعة؛ لعدم تحقيق الشروط والأركان في الزواج، وفقًا للمواد 11 و8 و7 من قانون الأحوال الشخصية، التي تراعي الصحة النفسية والعقلية للشريك، وكذلك رضى وعلم الشريكة على اعتبار أن زيجات المنفعة تتم دون رضى الفتاة.
مال طائل
يؤكد المحامي محيي الدين الصيادي، المترافع بقضايا الخلافات المتعلقة بشأن زواج اليمنيات-الأمريكيات أن صفقة المال الطائل التي يستلمها الآباء مقابل تزويج بناتهم تتم في السر بعيدًا عن السلطات الأمريكية، الأمر الذي يعقد من مسألة لجوء الفتيات إلى تقديم أية شكاوى لمنع آبائهن وإيقاف عبث تزويجهن دون موافقة ورغبة.
تواصَلَ معدّ التحقيق مع آباء يمنيين-أمريكيين لمواجهتهم بحقيقة ما تحصل من زيجات نفعية ليس فيها تقدير لحرية المرأة في اختيار شريكها، فلم يتجاوب سوى أب واحد، عبدالله مسعد (اسم مستعار)؛ إذ أنكر ما يحصل، مقدمًا مقترحًا: "أنصحك تغير الموضوع"، ومسترسلًا في وعظ للتذكير بالعادات والتقاليد والآداب التي لا تقدم المرأة على أنها سلعة في اليمن، حد قوله، علمًا أن حديثه يتناقض مع الوقائع ومع حقيقة الخلافات في المحاكم، التي تتراكم بفعل الزيجات التجارية.
تفيد سميرة عمر أن قرار والدها تزويجَها بابن عمها يجيء في سياق المنفعة المجردة، دون مراعاة لمسائل القبول والرضى وقناعتها في اختيار الشريك من عدمه، وأن والدها استلم مبلغًا يصل إلى 40 ألف دولار أمريكي لقاء تزويجها. وتقول إن هنالك من تواصل بوالدها من أقاربها الآخرين، وعرض مبلغًا أكثر إلا أن الاختيار وقع على ابن عمها؛ لرغبة الأب في إفادة ابن أخيه وحصوله على الجواز الأمريكي.
من جهتها، تحمّل المحامية ورئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، هدى الصراري، الجهات الرسمية المسؤوليةَ الكاملة تجاه استمرار زيجات اليمنيات-الأمريكيات، التي تعتبر مصدر قلق تهدد الحياة الأسرية والسلام المجتمعي -حد تعبيرها- خاصة مع تعرض النساء في هذه الزيجات للعنف والاتجار من قبل ذويهن.
تقول الصراري إن المرأة تقع ضحية لولي أمرها وزوجها، وفي ظل انعدام آليات الحماية فإن بعض النساء لا يعرفن إلى أين يقدمن الشكاوى. وتقدر الصراري أن مشاكل الزواج التجاري ستستمر ما لم يوجد تشريع وقانون يوقفه، فيما تشير إلى أن حالة الحرب والانقسام أدت إلى تفاقم استغلال النساء داخل اليمن وخارجها، والاتجار بهن بطريقة أو بأخرى من قبل ذويهن، مستغلين الفراغ القانوني، وضعف آليات الحماية وهشاشة الدولة.
لم تنتهِ قصة سميرة عمر عند وقوع زواجها بابن عمها وتأسيس علاقة زوجية طبيعية، بل سارت الأمور على نحو هو متوقع في الغالب من زواجٍ يخلو من الرغبة والحب، وغايته المنفعة والمتاجرة؛ فبعد أكثر من عام من الزواج، وبعد سفر الزوج إلى ولاية "ميشيغان" في الولايات المتحدة، وحصوله على الجواز الأمريكي، تغيرت طريقة تعامله مع زوجته، وتفاقمت حدة العلاقة حتى انتهت بالطلاق، فوجدت المرأة نفسها ضحية أبٍ لم يراعِ حقها في الاختيار، وضحية زوج لم ينظر إليها أكثر من كونها مؤسسة حققت له الغاية المنشودة، وهي الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)