"قرارُ إيقافنا من العمل، وتعرُّضنا للقمع والاعتقال غير القانونيّ من قبل بعض مسؤولي مكتب عمّال الشحن، كان جائرًا"؛ بهذه الكلمات يشرح العامل حسين (اسم مستعار) معاناته وزملاءه، وهو أحد عمّال الشحن والتفريغ برصيف المعلا، التابع لمؤسسة موانئ خليج عدن (جنوب اليمن).
ويشكو عمّال الشحن والتفريغ في ميناء عدن من عدم انتظام أجورهم منذ سنوات، وضياع ونهب حقوقهم؛ ما يجعلهم يكابدون ظروفًا معيشية صعبة، في الوقت الذي يدفع فيه التجّار رسومَ الشحن والتفريغ في الميناء بالعملة الصعبة (الدولار الأمريكي).
يقول حسين لـ"خيوط": "تفاقمت معاناتنا منذ ارتفاع سعر الصرف، في حين لم تتجاوز التسعيرة أكثر من (30%) خلال ثلاث سنوات، على الرغم من ارتفاع السعر الجمركي مطلع العام الحالي إلى 750 ريالًا، مضيفًا: "عملنا بالطنّ عند التفريغ فقط، أي من (4-6) نوبات في الشهر، ومقابل الطنّ الواحد نتقاضى (1000) ريال، حيث ترسو الباخرة محملة (20-40) ألف طنّ من البضائع، نفرّغها خلال أيام قليلة، ومع ذلك لم تطرأ أيّ زيادة في الأجور".
بحسب بنود العقد والاتفاق بين مكتب الشحن والموانئ والشركات الملاحية، يتم رفع تسعيرة أجور العمّال كلّ ثلاث سنوات، بنسبة 30%، في حال استقرار سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار .
ويتابع: "تقدّمنا بشكوى للموانئ، وللأمن، ووزارة النقل للمطالبة بزيادة تعرفة الأجور بفارق صرف سعر الدولار، أسوةً بعمّال المنطقة الحرة، وميناء كالتكس، وهائل سعيد، لرفع التسعيرة بالدولار، إلّا أنّها قوبلت بالرفض".
ونفّذ عمّال الشحن والتفريغ في ميناء عدن (جنوب اليمن)، خلال الفترة الماضية، وقفات احتجاجية سلمية خارج الميناء، قوبلت بالقمع، بحسب عمال في الميناء، وتم توقيف 45 فرقة، بإجمالي 1127 عاملًا، إلى جانب ما طالهم من اعتقالات غير قانونية، كما يقول هذا العامل، إذ تم سجن بعضهم 15 يومًا من قبل الأجهزة الأمنية، بينما حُرِم من العمل مَن رفَض التعهد.
خلال السنوات الماضية، تقدّمت نقابة عمّال الشحن والتفريغ إلى الجهات والوزارات المختصة، بمذكرات وشكاوى عديدة، تطالب فيها برفع تعرفة الأجور بواقع (200%) فوق القطعة، وحسب نظام أجور عمال الشحن والتفريغ، وإلزام الجهات المختصة بالالتزام بالقانون بضمان وتأمين الشركات الملاحية على حياتهم.
فضلًا عن السماح للشركات العامة بمواصلة العمل دون دفع المبالغ الخاصة بالتأمين، وفقًا لقانون وزارة العمل التي لم تطبق منذ إقرارها في 2008، وفقَ حديث العامل مهيب نصر (اسم مستعار)، لـ"خيوط".
إضافة إلى عدم قيام المؤسسة بمهامها، وَفقًا للقانون بتنظيم عمل الشركات والمكاتب في مجال الشحن وعدم تجديد تراخيص العمل للشركات العاملة في الميناء، والدفاع عن حقوقهم التي يستولي عليها البعض، ومنع الشركات الخاصة من استخدام عمّال من خارج الميناء.
في السياق، تم تسريب وثيقة سرية في ديسمبر 2022، لوسائل الإعلام، والتي خصصت لتقييم إنجازات العام المنصرم للمؤسسة، شملت قرارات أصدرتها قضت بإيقاف عمّال الشحن والتفريغ المحتجّين، واصفة إياهم بـ"البلاطجة" والعمل مع أجندة خارجية لغرض تعطيل العمل في الميناء .
مسؤول في مؤسسة موانئ خليج عدن، فضّل عدم الإشارة إلى اسمه وصفته، يقول لـ"خيوط"، إنّ من حق أيّ عامل المطالبة بحقوقه دون تعطيل أو تخريب، فيما رفضت المؤسسة إعطاء موعدٍ آخَر لأخذ التصاريح، بعد التأخّر عن الموعد المحدد والمتفق عليه .
حقوق منهوبة
يقول أحد العمّال الذين تم إعادتهم للعمل بعد التعهد -فضّل عدم ذكر اسمه- لـ"خيوط": "طالبنا برفع التعرفة 200%، لكن تم الموافقة على 30% فقط، وأجبرونا على التعهد وعدم المطالبة بأيّ حقوق أو زيادة في الأجر، ما لم سوف يغلق المكتب ويتم إيقافنا عن العمل، ما شكّل خوفًا لدينا؛ لذا قبلنا بذلك لأجل لقمة العيش".
تم تأسيس مكتب عمّال الشحن والتفريغ في العام 2018، للعمل مع المقاولين مع إبرام عقود رسمية خاصة بالضمان الاجتماعي لدى الجهات المختصة بمنطقة المعلا (جنوب عدن)، لكن كما يفيد عمّال مؤسِّسون للمكتب، أنّه تم إحالة مجموعة منهم إلى التقاعد، والإبقاء على مجموعة مؤقتة، على أن يكون لهم الأولوية في التوظيف والعمل.
بدوره، يشرح فؤاد محمد، أحد عمّال الشحن، لـ"خيوط": "أردنا مكتبًا يجمع العمّال تحت مسؤولية النقابة قبل أن تقرّر مؤسسة موانئ عدن تغيير المكاتب إلى شركات شحن وتفريغ بطريقة سلسلة، على أن تدفع شركات الشحن تكاليف إجراءات منح التراخيص".
لكن بعد مناشدات ومطالبات، تجاوبت المؤسسة بفتح المكتب واستبعاد الشركات الملاحية واعتماد شركات جديدة، خاصة في مجال العهد (المقاولين)، على أن تدفع الشركات الملاحية النسب المتفق عليها للمكتب، منها 6% لشركات الشحن، إذ جرى ذلك -وفق حديث فؤاد- باتفاق عقدٍ جماعيّ، أشرفت عليه الدائرة القانونية للمؤسسة على أن يستكمل العقد ويوثّق بشكلٍ قانوني.
يستطرد هذا العامل: "أردنا أن تكون إدارة وعمّال الشحن والتفريغ، تابعة لمؤسسة موانئ خليج عدن، لكن بالالتفاف عليها قانونيًّا، سجّل المكتب قطاعًا خاصًّا تحت إشراف الموانئ؛ حتى لا يُعطى للعمّال حقوقهم".
في السياق، تقوم الشركات الملاحية بدفع نسبة المكتب، ونسب شركات الشحن والتفريغ بمعدل (26%) مقابل إجراءات التفريغ. بالمقابل، تتفق على العمل مع التاجر المستورد عبر ميناء عدن بمقابل 6 دولارات للطنّ، مع منح العامل المكلف بالتفريع (6%) منها فقط لعمل الإشراف.
يقول العامل فؤاد محمد: "رفضت هذه الشركات تحمّل مسؤولية العمّال، وكانت تعطي العمل للمقاولين من تحت الباطن. وبعد رفض العمّال للمقاولين، تم فتح مكاتب للشحن والتفريغ، ومنحها نسبة 6%"، لكن -كما يؤكّد- كانت عبارة عن تحصيل حاصل، تساعد الشركات الملاحية على ظلم العمّال وضياع حقوقهم.
يتابع: "عندما تم كسر احتكار الشركات ومنافسة المكاتب، انخفضت التسعيرة من 7 ريالات، لكيس الأسمنت الواحد، على سبيل المثال، إلى 4 ريالات".
عقود غير رسمية
ترصد "خيوط"، في هذا الخصوص، تصاعد شكاوى العمّال كذلك من اختلال عقود عمّال الشحن والتفريغ بميناء المعلا التابع لمؤسسة موانئ خليج عدن (حكومية)، ومن أنّها غير مكتملة، بالرغم من كون العقود وثيقة رسمية، لضمان حقوق أيّ عامل، والاتفاق بموجبها على بنود ترضي جميع الأطراف .
يفيد عمّال تحدّثوا لـ"خيوط"؛ أنّ إدارة الشؤون القانونية للموانئ، عمدت إلى صياغة عقد جماعي غير مكتمل النصاب، لم توقع عليه أيٌّ من الشركات الملاحية، وإنّما تم ذلك مع الشركات جديدة العهد (المقاولين) (كطرف أول)، وليس لديها وثائق تأسيس، بينما نقابة العمّال (كطرف ثاني)، تحت إشراف المؤسسة، ولم يتم توثيقة بشكلٍ رسميّ وقانونيّ.
تشير وثائق، اطلعت عليها "خيوط"، إلى قيام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بتحرير رسالة إلى الرئيس التنفيذي لمؤسسة موانئ خليج عدن في العام 2019، لتنظيم عمل الشحن والتفريغ في ميناء عدن، من حيث إعادة صياغة العقد بين العمّال والشركات، وفقًا للاتفاق بينهم على أن يكون مطابقًا لنصوص قانونية، كون الصيغة آنذاك لا تتوافق مع نصوص قانون العمل واللوائح المنظمة؛ لذلك عُقِد لقاءٌ لمناقشة مسودة العقد من قبل الشؤون والأطراف المعنية بذلك، بحضور إدارة الأرصفة، وتشكيل لجنة من كلّ الأطراف.
وألغى القرار الوزاري رقم (18) الصادر عام 2018، المكتب الأول، وأنشئ مكتب ثانٍ تحت مسمى مكتب تنظيم وتنسيق عمّال الشحن والتفريغ، في حين حدّد تعميم صادر عن مؤسسة موانئ خليج عدن آليةَ العمل، وإسناد إدارة المكتب لعمّال الشحن والتفريغ.
وذلك قبل أن تطرأ -بعد ذلك- زيادةٌ في النسب، تم اعتمادها بنحو: 9% ضمّان للعمّال، و4% إكراميات تمنح في شهر رمضان، إضافة إلى ما نسبته 4% تشغيل ميزانية المكتب من أثاث ومرتّبات للعمّال.
وتم الموافقة والاتفاق من قبل العمّال مع الطرف الثاني، تحت إشراف المؤسسة، لسنة تأسيسية للمكتب، وبعد ذلك سوف يتم طرح آلية أفضل.
لكن مرّ أكثر من عام، ولم يُستكمل توقيع العقد الجماعي من قبل شركات الشحن والتفريغ، ولم تعترف به وزارة العمل والخدمة المدنيّة، ما جعل حقوق العمّال عرضة للفساد.