من أجل مقاربة سياق الموقف الرخيص والمبتذل، للولايات المتحدة الأمريكية، كأنموذج للتعامل الغربي الأوسع تجاه الانتهاكات الخطيرة التي تطال المدنيين الفلسطينيين، بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي الإنساني، وللقرارات الدولية، أحاول من خلال هذه العُجالة، الإضاءةَ على نقاط مهمة، ذات صلة بتحولات علاقة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الديمقراطية، بحكومة نتنياهو، اليمينيّة، المتطرفة.
ولعل أهم ما كُتب حول تلك العلاقة، مقالة توماس فريدمان، المنشورة في نيويورك تايمز، في يوليو المنصرم، حول إشكاليات حكومة نتنياهو، الداخلية، والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، في ظل إدارة بايدن، والمختلفة كليًّا عنها ما بعد العملية الهجومية الواسعة للتشكيلات الفلسطينية المسلحة، على المستوطنات الإسرائيلية، في منطقة غلاف غزة، 7 أكتوبر 2023.
ومن متابعة مكثفة لهذه العلاقة، يمكنني القول بوضوح، بأن موقف بايدن، ووزير خارجيته، ومعهم أوباما، وجوقة الحزب الديمقراطي (حمائم واشنطن)، المنحازة بشكل مُطلق لإسرائيل، وسرديتها، ومنظورها، ما كانت لتظهر بتلك الصورة الفجة، والمبتذلة، والمتهافتة، والمتملقة، لولا تزامن هذه الجولة من التصعيد في فلسطين، مع التحضيرات للحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، المُزمع إجراؤها في 5 نوفمبر 2024، في ظل احتدام الصراع، بين مراكز القوى الرئيسية، متمثلة بالحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري.
الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، والذي يبلغ من العمر 80 عامًا الآن، وأكبر رؤساء الولايات المتحدة عمرًا على الإطلاق، والذي تؤكد نتائج استطلاعات الرأي أن مستوى قبوله شعبيًّا منخفض إلى حدود الأربعينيات، بصورة تثير فزع الحزب الديمقراطي، من الاحتمالات العالية لعودة دونالد ترامب- الرئيس السابق؛ ولذلك وجدت جوقة الديمقراطيين في جولة الصراع الدامية في فلسطين، فرصةً ثمينة لتعزيز فرص بقائها في البيت الأبيض، للفترة الرئاسية المقبلة (2025-2029)، من خلال إطلاق حملة انتخابية مُبكرة، بدأت بثمانية مليار دولار، في اليوم الأول للعمليات العسكرية في فلسطين، وهي متواصلة حتى اليوم، في تملق مزاج اللوبي اليهودي، المُنظم، والمتماسك، والفاعل والمؤثر في الانتخابات الأمريكية، ابتداءً من تغطية تمويلات الحملات الانتخابية، ووسائل الإعلام، والمؤسسات والمراكز الموجهة للرأي العام، وانتهاءً بالتأثير على حصة وازنة وحاسمة من الهيئة الناخبة.
وبإعمال منظور تحليل نقاط القوة والضعف، يمكن تصور أبرز نقاط قوة اللوبيهات اليهودية، والتي تفرض على جميع الفاعلين، مراعاة مزاجها، واتجاهاتها، ومصالحها، على المستوى المحلي، وعلى المستوى الدولي، وبعكس كل نقاط قوة اللوبيهات اليهودية الموالية لإسرائيل، يمكن تحديد أبرز نقاط ضعف قاعدة عريضة من المسلمين والعرب، ومن أتباع ديانات أخرى من المساندين لحقوق الفلسطينيين وقضاياهم، ككتلة هشة، غير متماسكة، وغير مُنظمة، وهي نقاط ضعف، حملتها معها من أوضاع أوطانها ومجتمعاتها الأصلية، إلى مواطن هجرتها، فتخلقت تبعًا لتلك الأوضاع، مساحةٌ آمنة، ضامنة لحياديّتها وسلبيتها، بصورة شجّعت جميع الفاعلين، على عدم مراعاة مصالحها، واتجاهاتها، ورضاها، ومزاجها، في كل الاستحقاقات والاختبارات، الداخلية، والخارجية.
هناك أهمية بالغة، للاشتغال على مقاربة وتحليل سياق وأبعاد ودلالات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وسياق وأبعاد ودلالات الموقف الأمريكي، المتحيز لإسرائيل، بصورة فجة ومبتذَلة، طبقًا لمُدخلاته وأبعاده الحقيقية، بمعزل عن انطباعاتنا وقناعاتنا المسبقة.
ولا يقلل من سوء موقف إدارة بايدن، المُخزي والفاضح، إنسانيًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا، شأن كل المواقف الأمريكية من كل القضايا العادلة، على امتداد عقود، بحث سياق ذلك الموقف المُجرد -من وجهة نظري- من كل إحالات ذلك الموقف الأمريكي إلى روابط المشتركات الدينية، والأيديولوجية، والسياسية، والقيمية، مع الكيان الإسرائيلي، فهو محض تقاطع مصالح انتخابية، في إطار المبدأ الميكافيلي، المُنمق بمسمى البرجماتية، وهو ما ينفي أبدية هذه العلاقة الدافئة، والتي أجزم بقرب أوان انتهائها، طال الزمان أم قصُر، في إطار ذات المبدأ، حيث ستتخلى أمريكا عن نديمتها المدللة، إسرائيل، كما فعلت مرارًا مع غيرها من الحلفاء الآثمين، إذا غُيرت مدخلاتها بصورة مدروسة، لتغيير حالة تقاطع وتكامل المصالح.
ولذلك، هناك أهمية بالغة، للاشتغال على مقاربة وتحليل سياق وأبعاد ودلالات العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وسياق وأبعاد ودلالات الموقف الأمريكي، المتحيز لإسرائيل، بصورة فجة ومبتذلة، طبقًا لمُدخلاته وأبعاده الحقيقيّة، بمعزل عن انطباعاتنا، وقناعاتنا المسبقة، في كون تلك المقاربة، بمنهجية علمية، تساعد على فهم أبعاد ودلالات وسياق ذلك الموقف أولًا، وعلى تصور محددات تعاملنا كمتضررين من ذلك الموقف، معه ومع آثاره العديدة.
وجُلّ ما أطمح إليه، من خلال هذه العجالة، أن أساهم في تحريك النقاش العام، من زوايا مهمة، من وجهة نظري، ولو بإثارة سؤال، فالأشياء الكبيرة تبدأ دائمًا بسؤال.