في الوقت الذي لا يزال فيه اليمن يتعرّض للتدمير بطرق من شأنها أن تصدم الضمير الإنساني، بعد أن اختبرت البلاد حتى اليوم ست سنوات من النزاع المسلّح المتواصل دون نهاية تلوح في الأفق للمعاناة التي وقع الملايين من الأشخاص ضحية لها، عاد مرة أخرى فريق الخبراء البارزين التابع للأمم المتحدة، للتحذير من استمرار هذا الوضع دون عقاب ودون مساءلة.
إذ اطلع الفريق المعني باليمن الخميس الماضي، مجلس الأمن الدولي في جلسة مغلقة على تقريره الثالث "جائحة الإفلات من العقاب في أرض معذبة"، الذي عرض فيه بالتفصيل الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، كما شجب فرق الخبراء الإفلات من العقاب، مما أدى إلى تأجيج المزيد من الانتهاكات.
وتشمل الانتهاكات: الهجمات الجوية والبرية التي لا تلتزم بمبادئ التمييز أو التناسب، وزرع الألغام الأرضية، وتجنيد واستخدام الأطفال، والقتل غير المشروع.
إضافة إلى الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، واستخدام التعذيب، بما في ذلك العنف الجنسي، أثناء الاحتجاز، والحرمان من حقوق المحاكمة العادلة، واستهداف المجتمعات المهمشة وعرقلة العمليات الإنسانية، مما يؤثر بشكل مدمر على المدنيين في اليمن، ويساهم في حدوث أسوأ أزمة الإنسانية في العالم.
تعد هذه المرة الأولى التي يقدم فيها فريق الخبراء البارزين إحاطة أمام مجلس الأمن، مطالبًا تدخله بإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الانتهاكات التي ترافق هذه الحرب منذ ما يزيد عن خمس سنوات
وطالب فريق الخبراء مجلس الأمن بإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأشخاص الخاضعين لعقوبات مجلس الأمن. ودعا إلى إدماج حقوق الإنسان بشكل كامل في جدول الأعمال العادي لمجلس الأمن.
مسؤولية الانتهاكات
تعد هذه المرة الأولى التي يقدم فيها فريق الخبراء البارزين إحاطة أمام مجلس الأمن، مطالبًا تدخله بإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الانتهاكات التي ترافق هذه الحرب منذ ما يزيد عن خمس سنوات.
وشدد فريق الخبراء على عدم وجود أيادٍ نظيفة في هذا الصراع، إذ تقع مسؤولية الانتهاكات على عاتق جميع أطراف النزاع. وخلص التقرير في نتائجه إلى انتهاكات ارتُكبت من قبل الحكومة المعترف بها دوليًّا وجماعة أنصار الله (الحوثيين) والمجلس الانتقالي الجنوبي وأعضاء التحالف، لا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومع ذلك، على حد علم الخبراء، لم يتم تحميل أي شخص من أي من أطراف النزاع المسؤولية عن أي الجرائم الدولية المرتكبة في اليمن.
وقال كمال الجندوبي، رئيس المجموعة لمجلس الأمن، إن المدنيين في اليمن لا يتضوعون جوعًا، بل يتم تجويعهم من قبل أطراف النزاع.
أضاف الجندوبي أن الوضع في اليمن "وصل إلى بعد "سريالي وعبثي"، إذ إن استمرار الانتهاكات هذا العام يؤكد الغياب التام لاحترام القانون الدولي وحياة الإنسان من قبل أطراف النزاع". بالنسبة للمدنيين في اليمن "ببساطة لا يوجد مكان آمن للهروب من ويلات الحرب"، قال الجندوبي.
وأردف الجندوبي في مداخلته أمام المجلس: "لقد أكدت تحقيقاتنا هذا العام المستويات المتفشية من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، التي قد يرقى الكثير منها إلى جرائم حرب.
ويركز فريق الخبراء على المساءلة باعتبارها المفتاح لضمان العدالة والسلام المستدام لشعب اليمن، بالنظر لاستمرار الإفلات من العقاب إلى حد كبير لأولئك الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة، مما يزيد من انعدام الأمن في البلاد. الجندوبي شدد في هذه النقطة على أن انتهاكات حقوق الإنسان يجب اعتبارها تهديدات للسلام والأمن والتنمية، ومحركًا رئيسيًّا للصراع.
فريق الخبراء جدد دعوته إلى الدول الثالثة لوقف بيع ونقل الأسلحة إلى أطراف النزاع بالنظر إلى دور عمليات النقل هذه في إدامة الصراع، وربما التورط في الانتهاكات. وقال الجندوبي: "إن استمرار تزويد أطراف النزاع بالأسلحة لا يؤدي إلا إلى استمرار الصراع وإطالة معاناة الشعب اليمني".
كان مجلس حقوق الإنسان من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان، في قراره رقم 36/31 (2017)، تشكيل فريق من الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن لرصد حالة حقوق الإنسان في اليمن والإبلاغ عنها. وقد تضمّنت ولاية فريق الخبراء تكليفه باستقصاء جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللمجالات الأخرى المناسبة والقابلة للتطبيق من القانون الدولي التي ارتكبتها جميع الأطراف في النزاع منذ أيلول/ سبتمبر 2014، بما في ذلك الأبعاد الجنسانية المحتملة لتلك الانتهاكات. وتشمل ولاية فريق الخبراء إثبات الوقائع والملابسات المحيطة بالانتهاكات والتجاوزات المزعومة وكشف المسؤولين عنها حيثما أمكن.
في هذا السياق، وثقت منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان خلال الفترة بين 1 سبتمبر/ أيلول 2019 و31 أغسطس/آب 2020، بما لا يقل عن 1304 مقابلة في اليمن، نحو 28 غارة جوية، استهدفت مدنيين وأعيانًا مدنية في تسع محافظات يمنية، تركزت معظم هذه الضربات في محافظتي صعدة والجوف، حيث قتلت ما يقارب من 109 مدنيًّا، بينهم 47 طفلًا و21 امرأة، وجرحت 80 آخرين، بينهم 37 طفلًا و18 امرأة.
إضافة إلى ما لا يقل عن 78 هجومًا بريًّا، أسفر عن مقتل نحو 84 مدنيًّا، بينهم 25 طفلًا و24 امرأة، وإصابة ما لا يقل عن 198 مدنيًّا، بينهم 55 طفلًا و42 امرأة. وقعت هذه الهجمات الموثقة في 12 محافظة يمنية، لكنها تركزت في محافظات الحديدة وتعز وصعدة. نفذت جماعة أنصار الله (الحوثيين) 47 هجمة من هذه الهجمات، ونفذت قوات التحالف بقيادة السعودية والإمارات والجماعات المسلحة الموالية لهم 23 هجومًا، بينما تتحمل القوات التابعة للرئيس هادي مسؤولية تنفيذ ثماني هجمات.
كما وثقت، خلال نفس الفترة، نحو 37 واقعة انفجار ألغام، زرعتها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في ثماني محافظات يمنية، وما لا يقل عن 201 واقعة تجنيد، واستخدام لعدد 349 طفلًا، بينهم خمس فتيات.
خطورة الإفلات من العقاب
في التاسع من سبتمبر/ أيلول أطلق فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين بشأن اليمن، تقريرهم الثالث حول الوضع في البلاد. ومن أبرز النقاط التي ركز عليها التقرير الذي قدم إلى مجلس حقوق الإنسان، أن جميع أطراف النزاع استمرت بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وتشكل المساءلة عنصرًا أساسيًّا لضمان العدالة للشعب اليمني ولتحقيق السلام، بحسب ما ورد في حديث رئيس فريق الخبراء البارزين، الذي أكد أن الإفلات من العقاب من الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في اليمن، بسبب النزاع القائم، لا يزال مستمرًا بشكل واسع من قبل الأطراف التي أشار لها سابقًا.
ودعا فريق الخبراء مجلس الأمن لإحالة الوضع في اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإلى توسيع قائمة الأفراد المشمولين بعقوبات مجلس الأمن.
قال فريق الخبراء في التقرير الذي أقره مجلس حقوق الإنسان إن الإفلات من العقاب لا يزال مستمرًا دون هوادة بالنسبة لأولئك الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة، لكن وفق التأكيدات التي أوردها الفريق، فإنه لم يحاسب حتى الآن أي شخص على الانتهاكات التي حددها فريق الخبراء البارزين.
بموجب ذلك أصبح المجتمع الدولي وفق دعوة وجهها الفريق الأممي القيام بدور أكثر نشاطًا في اليمن، وإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع قائمة الأفراد المسؤولين عن الانتهاكات ضمن نظام مجلس الأمن للعقوبات.
وأشار الفريق إلى أن أزمة حقوق الإنسان في اليمن تمس بشكل مباشر المسائل المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما في ذلك: التهديدات للسلم والأمن الدوليين، والوضع في الشرق الأوسط، وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، والتجويع كوسيلة من وسائل الحرب، ومعوقات إيصال المساعدات الإنسانية، والمرأة والسلام والأمن، والعنف الجنسي في الصراع، والأطفال والنزاع المسلح، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية.