أظهر كشفٌ لأعداد المتقدمين الملتحقين بالأقسام العلمية في كلية التربية بجامعة عدن، انخفاضَ الإقبال مع وصول مجموع الطلاب المقبولين إلى أقل من مئتي طالب فقط، وهو أدنى رقم تسجله الكلية التي كانت تستقبل حوالي 1000 طالب سنويًّا. في حين تتفاوت الأسباب التي تقف خلف انخفاض أعداد الطلاب الملتحقين بالأقسام، فإن المخاوف الآن هي من احتمالية اضطرار بعض الأقسام إلى الإغلاق نتيجة قلة المتقدمين للدراسة.
وعلى مدى عامين متتاليين، لم يتقدم أيّ طالب للدراسة في قسم الفيزياء بكلية التربية- جامعة عدن، بالتزامن مع انخفاض عدد المتقدمين في قسم الفيزياء التابع لكلية العلوم التي تقع في الحرم الجامعي نفسه، الواقع شرقي مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد من مطلع العام 2015.
الدفعة التي تخرجت العام الماضي، وهي الأعلى عددًا، تضم خمسة طلاب، نقص منها طالب من الدفعة التي تليها، وطالبان في الدفعة التي تليهما، وصولًا إلى غياب تام للطلاب المتقدمين خلال العامين الماضي والحالي، باستثناء طالبة تقدمت العام الماضي قبل تخلفها عن الحضور.
انحدار تدريجي
"خلال السنوات الخمس الأخيرة، تقدم لقسم الفيزياء بكلية التربية 13 طالبًا، حيث تقدمت خمس طالبات للدراسة قبل أربعة أعوام، وانضمّ إليهن طالب واحد من قسم الفيزياء بكلية العلوم، لأنه لم يسجل هناك إلا طالب واحد، وتخرج فقط أربعة طلاب نتيجة تخلف طالبة عن الدفعة، وفي العام التالي تقدّمت للدراسة أربع طالبات وهم الآن في السنة الرابعة، ثم العام الذي يليه تقدم فيه ثلاثة طلاب وهم الآن في السنة الثالثة"؛ يقول لـ"خيوط" الدكتور أحمد صالح الأمين- رئيس قسم الفيزياء بكلية التربية في جامعة عدن.
ويتابع رئيس قسم الفيزياء حديثَه مشيرًا إلى أن طالبة واحدة فقط تقدمت للدراسة العام الماضي، لكنها لم تواصل الدراسة، في حين لم يتقدم أي طالب للدراسة في العام الحالي، وهو الثاني على التوالي في القسم، في حين يُشير هذا -بحسب حديث الدكتور الأمين- إلى انحدار تدريجي لأعداد الطلاب المتقدمين للدراسة.
الدفعة التي تخرجت العام الماضي، وهي الأعلى عددًا، تضم خمسة طلاب، نقص منها طالب من الدفعة التي تليها، وطالبان في الدفعة التي تليهما، وصولًا إلى غياب تام للطلاب المتقدمين خلال العامين الماضي والحالي، باستثناء طالبة تقدمت العام الماضي قبل تخلفها عن الحضور.
وبحسب الدكتور الأمين، فإن ّعدد الطلاب الذين كانوا يتقدمون للالتحاق بقسم الفيزياء قبيل الأوضاع الحالية، يتراوح بين 40 و30 طالبًا، وهو رقم يعكس الفجوة والتأثيرات التي أحدثها الصراع والأوضاع الراهنة على التعليم الأكاديمي.
وأفاد رئيس قسم الفيزياء، أنّ القسم لم يُغلَق وما زال مستمرًّا، لأنّ لدى القسم طلابًا في السنتين الثالثة والرابعة، على أمل أن يتقدّم طلاب جدد العامَ القادم، إضافة إلى وجود طلاب دراسات عليا ما زالوا يكتبون أطروحاتهم، ومن الممكن أن يفتح القسم مساق دراسات عليا خلال الأعوام القادمة.
وقدّم الدكتور الأمين توضيحًا بشأن الفوارق بين قسمَي الفيزياء في كليتي التربية والعلوم، في الوقت الذي تختلط فيه لدى الكثير طبيعة مهامهما، والاختلافات المهنية بينهما؛ ففي مرحلة البكالوريوس، يُؤهِّل قسم الفيزياء في "كلية التربية"، المتخرجين في العلوم والتربية، تخصص أساسي فيزياء/ تخصص مساعد رياضيات نظريًّا وعمليًّا، وبما يخدم ويرفد وزارة التربية بالمدرسين. لكن قسم الفيزياء في "كلية العلوم" يؤهل الخريج بالمهارات الأساسية في مجالات الفيزياء بشكل أوسع في الجانب النظري والعملي، التي يحتاجها في مجالات العمل المختلفة ذات العلاقة.
لكن فرص التحاق الخريجين ببرامج الدراسات العليا تتساوى تقريبًا من كلا الكليتين في العلوم ذات العلاقة، مع إمكانية أن يلتحق خريج كلية (قسم الفيزياء- كلية التربية) بالدراسات العليا في التربويات، والتحاق خريج (قسم الفيزياء- كلية العلوم) بتفرعات العلوم بشكل أوسع في الدراسات العليا.
وليس ببعيد أن يواجه قسم الفيزياء في كلية العلوم المشكلة ذاتها، إذ يستمر انخفاض عدد الطلاب المتقدمين للقسم منذ أعوام، بحسب مصادر مطلعة، ولم تحصل "خيوط" على إحصائية دقيقة تبيّن عدد المتقدمين للقسم خلال العام الحالي.
التحق بكلية التربية- جامعة عدن، هذا العام 161 طالبًا من إجمالي الطاقة الاستيعابية العامة المقدرة بـ840 طالبًا، وهو رقم مخيف يكشف عن انعكاسات الحرب وتبعات الصراع المستمر الذي اندلع قبل حوالي 10 أعوام، على العملية التعليمية بشكل عام، فيما يُنذر بقادم أصعب إذا لم تحدث تغييرات حقيقية فاعلة لتصحيح الأوضاع.
مشكلة عامة
في إحصائية حديثة حصلت عليها "خيوط" من مصدر مطلع رفض الإفصاح عن اسمه، كشفت أن انخفاض عدد المتقدمين للدراسة الجامعية العام الحالي لا يتعلق بقسم الفيزياء فقط، إذ إنّ أغلب أقسام كلية التربية بجامعة عدن تعاني من المشكلة ذاتها.
ولم يقترب عدد الملتحقين بكل قسم من ربع الطاقة الاستيعابية المفترضة لكل قسم، باستثناء قسم التربية والحاسوب الذي تقدّم له 33 طالبًا من إجمالي الطاقة الاستيعابية المقدرة بـ(50 طالبًا)، فيما التحق 17 طالبًا بقسم الدراسات الإسلامية من إجمالي الطاقة الاستيعابية المقدرة بـ(60 طالبًا)، و38 طالبًا بقسم اللغة الإنجليزية من إجمالي الطاقة الاستيعابية المقدرة بـ(100 طالب).
وبلغ عدد الطلاب الملتحقين بقسم الأحياء/ الكيمياء خمسة طلاب، وطالبًا واحدًا في قسم التاريخ/ الجغرافيا، وسبعة طلاب في قسم التربية الخاصة، وطالبين في قسم الجغرافيا/ التاريخ، وسبعة طلاب في قسم رياض الأطفال، وسبعة طلاب بقسم الرياضيات، و14 طالبًا في قسم علم الاجتماع/ الإرشاد التربوي، و12 طالبًا في قسم القرآن الكريم، وأربعة طلاب في قسم الكيمياء/ الأحياء، وهذه الأقسام المذكورة تبلغ الطاقة الاستيعابية لها (50 طالبًا).
في حين التحق ثمانية طلاب بقسم اللغة العربية من إجمالي الطاقة الاستيعابية المقدرة بـ(60 طالبًا)، والتحق طالبان فقط بكلٍّ من أقسام معلم مجال الاجتماعيات، وقسم معلم مجال الرياضيات، وقسم معلم مجال العلوم، من إجمالي الطاقة الاستيعابية المقدرة لهذه الأقسام بـ(40 طالبًا).
وبالمجمل، التحق بكلية التربية- جامعة عدن، هذا العام 161 طالبًا من إجمالي الطاقة الاستيعابية العامة المقدرة بـ(840 طالبًا)، وهو رقم مخيف يكشف عن انعكاسات الحرب وتبعات الصراع المستمر الذي اندلع قبل حوالي 10 أعوام على العملية التعليمية بشكل عام، فيما يُنذر بقادم أصعب إذا لم تحدث تغييرات حقيقية فاعلة لتصحيح الأوضاع.
وتتفوق الإناث على الذكور في عدد الملتحقين بالدراسة الجامعية في كلية التربية، إذ وصل عدد الإناث إلى 129 طالبة، وبلغ عدد الطلاب الذكور 32 طالبًا فقط.
أسباب التراجع
أنهى (عبدالله محمد)، الدراسة الثانوية في إحدى مدراس مدينة عدن بتقدير جيد جدًّا، وكان يسعى للالتحاق بقسم الفيزياء بكلية التربية، لكنه بدلًا من ذلك تجنّد لدى إحدى الفصائل العسكرية، ويتقاضى الآن مرتبًا يتجاوز المرتب الذي يستلمه رئيس القسم نفسه مرتين.
"حقّقتُ نتائج جيدة وممتازة في الفيزياء أثناء الدراسة الثانوية، وكانت من المواد المفضلة بالنسبة لي، لكن الأوضاع المادية الصعبة التي تعيشها عائلتي، أجبرتني على التجنيد، وعرفت أن التقدم للدراسة في القسم انخفض بشكل كبير"؛ يقول عبدالله لـ"خيوط".
وبالفعل، جذبت التشكيلات العسكرية التي تدفع مبالغ تصل إلى 1000 ريال سعودي، المئات من الطلاب المتميزين نتيجة الظروف المعيشية الصعبة، لكن تحضر أسبابٌ أخرى يعددها الدكتور الأمين، منها: "غلاء الأسعار وانخفاض سعر العملة المحلية، والمرتبات ما زالت كما هي دون تعزيزها، ما أدّى في الوقت نفسه إلى ارتفاع تكاليف الدراسة، في حين أسهم انتشار التشكيلات العسكرية التي تدفع رواتب مغرية في عزوف كثير من الطلاب عن استكمال الدراسة".
ويتقاضى جنود القوات العسكرية والأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وقوات العمالقة، مبالغ من 1000 إلى 1500 ريال سعودي، وهو مبلغ جيد بالنظر إلى تدني مرتبات موظفي السلك التربوي وتأخر الحصول على الوظيفة الحكومية، وهي من أبرز أسباب العزوف عن الالتحاق بالدراسة الجامعية بشكل عام خلال الأعوام التي تلت تحرير مدينة عدن من قوات الحوثي وصالح في منتصف يوليو 2015؛ بحسب تعبير الدكتور الأمين.
ويتابع الدكتور الأمين حديثه: "الوضع الأكاديمي هو سبب آخر وهو عامل يؤثر في الحياة المعيشية للأكاديمي، إذ إن راتب عضو هيئة التدريس أو الدكتور لم يتم تحسينه، ففي حين كان الأستاذ المساعد أو الدكتور يتقاضى مرتبًا يعادل 1200 دولار قبل عشر سنوات، يستلم الآن الدكتور ذاته راتبًا يعادل 120 أو 115 دولارًا أمريكيًّا".
ويقول رئيس قسم الفيزياء في كلية التربية، إن انخفاض مستوى التعليم العام والثانوي في المدارس تراجع بشكل مخيف جدًّا، حتى إنّ بعض الكليات حذفت مادة الفيزياء من امتحان القبول، بعد أن كانت تشترط وجود المادة في الامتحان، نتيجة تراجع مستوى الطلاب عند التقدم للامتحان؛ إذ كانت الفيزياء ضمن مواد القبول، لكنه قال إنّ الأمر لم يتغير كثيرًا حتى بعد حذف مادة الفيزياء.
لا بد من وجود دعم مستمر، وهناك تكامل بين وزارة التربية والكلية؛ لأن المدارس، وخصوصًا الأهلية، بدون رقيب، وتوظف للتدريس متخرجين ليسوا من طلاب كلية التربية، وينتج عن هذا تصور سيئ، فهناك من يعتقد أنهُ يستطيع أن يعمل مدرِّسًا وإن لم يكن خريجًا من كلية التربية.
غياب الدعم
يواجه قسم الفيزياء والأقسام العلمية الأخرى في كلية التربية، مشكلة شحة الطلاب وانخفاض عدد المتقدمين، لكن غياب الدعم والحاجة إلى القيام بإصلاحات وإعادة تأهيل للمباني القديمة، مشكلة تواجه جميع أقسام الكلية بدون استثناء.
ويمكن ملاحظة حاجة الكلية إلى التجديد والاهتمام بوضوح عند أول زيارة، إذ تغطي الأتربة أجزاء واسعة من قاعات وممرات الكلية، في حين يبدو على مباني الكلية ومحتوياتها القِدَم والتهالك، نتيجة مرور عقود طويلة من تأسيسها.
"لا بد من وجود دعم مستمر، وهناك تكامل بين وزارة التربية والكلية؛ لأن المدارس -خاصة الأهلية- بدون رقيب، وتوظف للتدريس متخرجين ليسوا من طلاب كلية التربية، وينتج عن هذا تصور سيئ؛ فهناك من يعتقد أنهُ يستطيع أن يعمل مدرسًا وإن لم يكن خريج كلية التربية! وهذا أمر غير مقبول؛ لأنّ المتخرج من كلية أخرى ليس لديه أي أفكار عن طرق ومناهج التدريس وأصول التدريس والقياس والتقويم وعلم النفس والصحة النفسية، ولا علاقة له بالتربويات بشكل عام"؛ يواصل الدكتور أحمد صالح الأمين حديثه لـ"خيوط".
وأضاف أنهُ إذا ضُبِط هذا الأمر فسوف تلجأ المدراس الخاصة إلى البحث عن خريجي كلية التربية، ومن ثم سيسهم هذا في الإقبال على الالتحاق بالكلية، لكن المدارس الخاصة توظف خريجين لتدريس مواد علمية أو أدبية، تخرجوا من كليات غير كلية التربية، وهذه من أبرز المشاكل التي تسببت في قلة الطلاب المُلتحقين.
وأفاد أنّ القسم تأسس مع تأسيس الكلية، ويضمّ أربعة مختبرات علمية تغطي ثمانية مساقات فيزياء عملية، كما تغطي هذه المختبرات مساقات الفيزياء العملية لطلاب معلم مجال علوم وطلاب كلية العلوم، لكن هذه المختبرات لم تجد الدعم منذ سنوات طويلة؛ بحسب الدكتور أحمد صالح الأمين، الذي أشار في الوقت نفسه إلى وصول بعض المواد أو الأجهزة التي تخص معلم مجال علوم ووضعت في المعمل لاستخدام المعمل، لكن التجارب الخاصة بقسم الفيزياء تهالكت، فيما لم يعد بعضها الآخر يعمل نتيجة نقص بعض القطع.
ويستأنف الدكتور الأمين حديثه، عن أن بنية المختبرات (زجاج وألمنيوم) تعرضت للتشقق والخلع، وأصبحت مرتعًا للحيوانات والحشرات والغبار وأوراق الأشجار التي غطت أجزاء من غرف المعامل التي تحتاج للتنظيف وإزالة الغبار وآثار الإهمال.
وقال الدكتور إنّ القسم قدّم عددًا من المطالب لقيادة الجامعة وعمادة الكلية، لتوفير الأدوات اللازمة للتجارب، ولكن لا يوجد تجاوب حتى الآن! رغم أن هذه القائمة قُدِّمت ثلاث مرات خلال الأعوام الماضية، إذ كانت المرة الأولى قبل حوالي 10 أعوام، والثانية قبل عام، والثالثة خلال الفترة الحالية.
وبحسب الدكتور، فإن الماء لا يوجد في المعامل، إضافة إلى ضرورة إعادة التأهيل للجدران والأرضيات والمباني بشكل عام، لافتًا إلى أنّ رئاسة وأعضاء القسم حاولوا تغطية الزجاجات المحيطة بالمختبر، لكنها تحتاج بالفعل لإصلاحات حقيقية وشاملة. وتغيب أجهزة التكييف في المعامل والمولدات البديلة للتيار الكهربائي، وفقًا للدكتور الأمين، الذي أكّد وجود مروحتين في كل معمل، في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة وتزايد ساعات انقطاع الكهرباء في مدينة عدن والمحافظات المجاورة.