قرارات "ترامب" وتأثيرها على المساعدات الإنسانية في اليمن

ما تبعات إعادة تصنيف "الحوثيين" منظمة إرهابية أجنبية؟
محمد فيصل حيدر
February 10, 2025

قرارات "ترامب" وتأثيرها على المساعدات الإنسانية في اليمن

ما تبعات إعادة تصنيف "الحوثيين" منظمة إرهابية أجنبية؟
محمد فيصل حيدر
February 10, 2025
.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها ونطاق تأثيرها، أكبر الممولين لأنشطة ومشاريع وبرامج الأمم المتحدة، ما يجعل قراراتها تلعب دورًا رئيسيًّا في تحديد حجم وشكل المساعدات الدولية بشكل عام.

وخلال العقد الماضي، اعتمدت اليمن بشكل كبير على المساعدات الإنسانية الدولية لمواجهة أزماتها المتعددة التي تفاقمت بفعل النزاع المستمر منذ العام 2015.

وفي ظل المزاج الأمريكي، يبقى الوضع الإنساني في اليمن مرهونًا بين ميزانيات خطط الأمم المتحدة والقرارات والتوجهات التي تؤثر على تحقيقها.

التمويل في الانخفاض بشكل كبير خلال الأعوام من 2021 إلى 2024، ففي 17 يناير/ كانون الثاني 2024، قام بايدن مجددًا بتصنيف جماعة أنصار الله كـ"كيان إرهابي عالمي محدد بشكل خاص (SDGT)"، وهو تصنيف أقل تأثيرًا بكثير من تصنيف  (FTO)، حيث لم يفرض قيودًا مشددة على التعاملات المالية والتجارية.

مؤخرًا، قام الرئيس ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض، بتصنيف جماعة أنصار الله (الحوثيين) كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) في يناير/ كانون الثاني 2025، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة للمستفيدين من هذه المساعدات والعاملين في القطاع الإنساني، وبالرغم من أن ترامب كان قد اتخذ القرار نفسه قبل انتهاء ولايته السابقة في العام 2021، فإن المتوقع أن تأثير قراره هذه المرة يختلف كليًّا عن المرة السابق!

قرار ترامب الأول، وإلغاؤه

في 10 يناير/ كانون الثاني 2021، وقبل انتهاء ولايته بعشرة أيام، أصدر ترامب قرارًا بتصنيف جماعة أنصار الله كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، وهو أعلى درجات التصنيف وأكثرها تأثيرًا. لكن القرار لم يُنفذ فعليًّا حينها، إذ كان يفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 24 فبراير 2021، أي خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن. ومع ذلك، لم ينتظر بايدن حتى قدوم ذلك الموعد، وألغى القرار في 12 فبراير/ شباط 2021، أي قبل سريانه بنحو 12 يومًا، مبررًا ذلك بالمخاوف من تسبب هذا التصنيف بمزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية في اليمن.

وعلى الرغم من إلغاء القرار، فإن العديد من المشاريع والمساعدات الإنسانية في اليمن كانت قد تم تقليصها بشكل ملحوظ خلال الأعوام 2021 و2024.

ففي العام 2021، حددت الأمم المتحدة مبلغ (3.85) مليار دولار لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، إلا أن خطتها تلقت (2.25) مليار دولار فقط.

أما في العام 2022، فحددت مبلغًا قدره (4.27) مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن، إلا أن خطتها لم تتلقَّ إلا (2.2) مليار دولار فقط. بينما في العام 2023، فقد حددت احتياجاتها التمويلية لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بـ(4.34) مليار دولار، بينما لم تتلقَّ إلا (1.43) مليار دولار فقط!

إعادة التصنيف الجزئي 

استمر التمويل في الانخفاض بشكل كبير خلال الأعوام من 2021 إلى 2024، ففي 17 يناير/ كانون الثاني 2024، قام بايدن مجددًا بتصنيف جماعة أنصار الله كـ"كيان إرهابي عالمي محدد بشكل خاص (SDGT)، وهو تصنيف أقل تأثيرًا بكثير من تصنيف  (FTO)، ما يعني أنه لم يفرض قيودًا مشددة على التعاملات المالية والتجارية، بل ركز على فرض عقوبات محدودة على بعض الشخصيات والكيانات التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين).

وتزامن ذلك مع انخفاض كبير في تمويل المشاريع الإنسانية في اليمن، خصوصًا في المناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.  

ففي العام 2024، حددت الأمم المتحدة احتياجاتها التمويلية لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، بـ(2.71) مليار دولار، بينما لم تتلقَّ إلا (1.36) مليار فقط .

أثّر هذا الانخفاض المتتالي لحجم التمويل، بشكل سلبي في قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم المساعدات الضرورية لملايين اليمنيين الذين يعتمدون على هذه المساعدات لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

يشير الواقع إلى أن قرارات التصنيف لن تؤثر على أنصار الله (الحوثيين) وحسب، بل إن آثارها الحقيقية ستنعكس على المدنيين بالدرجة الأولى؛ ما يستدعي دراسة عميقة لمعرفة وتدارك الآثار المحتملة على حياة ومصير الملايين من اليمنيين، وعلى تدفق السلع والمساعدات في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، ولا يمكن لليمن فيها أن يتحمل أي مغامرة جديدة.

وفي الوقت الذي كانت فيه الاحتياجات تتزايد لحشد المزيد من التمويل للعام 2025، أصدر ترامب في 22 يناير/ كانون الثاني 2025، قراره بإعادة تصنيف جماعة أنصار الله (الحوثيين) كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO)، في خطوة أعادت الجدل حول تداعيات القرار على ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات وعلى تمويل الخطط الإنسانية في اليمن، والغريب أن من يدعمون هذا القرار يتعاملون مع المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كأنها بلا سكان، في حين أن ثلثي سكان اليمن يعيشون هناك، ما يعني أن أي عواقب اقتصادية أو إنسانية ستؤثر مباشرة على الغالبية العظمى من المدنيين.

التداعيات المحتملة 

في الوقت الذي تنتظر فيه الأمم المتحدة تدفقات والتزامات المانحين لتمويل أنشطتها للعام 2025 في اليمن، التي حددتها بـ(2.47) مليار دولار أمريكي، يأتي تصنيف (FTO) ليضع استفهامًا كبيرًا عن المبلغ الذي سوف يتم جمعه لتنفيذها، والقيود والعوائق التي سوف تحول دون تنفيذها، حيث إن القيود الصارمة التي سوف تفرض على التعاملات المالية والتجارية مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) لن تعيق قدرة المنظمات الإنسانية على تقديم الإغاثة للسكان في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجماعة وحسب، بل إنها وبمجرد دخول القرار حيز التنفيذ، ستعرّض أي جهة تُجري أي تعاملات مالية مع أي كيان مرتبط بالجماعة للعقوبات الأمريكية، وهنا ستدخل بالتأكيد، الكثير من القرارات التي سوف تدفع إلى عزل اليمن عن العالم الخارجي، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على القطاع التجاري، إذ تعتمد المناطق الخاضعة للجماعة على الواردات بشكل شبه كلي، ومن شأن أي تعطيل في سلاسل التوريد أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وشح السلع الأساسية في الوقت الذي يحتاج فيه أكثر من (19.5) مليون شخص في اليمن إلى المساعدة والحماية والغذاء، بزيادة قدرها (1.3) مليون شخص، مقارنة بالعام السابق؛ وفقًا للأمم المتحدة.

الوضع يستدعي دراسة معمقة للآثار

يشير الواقع إلى أن قرارات التصنيف لن تؤثر على أنصار الله (الحوثيين) وحسب، بل إن آثارها الحقيقية ستنعكس على المدنيين بالدرجة الأولى.

في عام 2021، لم تُختبر تبعات القرار السابق بشكل كامل، إذ ألغاه بايدن قبل أن يبدأ تنفيذه على أرض الواقع. أما الآن، فإن إعادة التصنيف في 2025، تفتح الباب أمام سيناريو لم يُختبَر من قبل، في الوقت الذي لا يحتاج فيه اليمنيون إلى اختبار أي سيناريوهات على الإطلاق! 

ما يستدعي دراسة عميقة لمعرفة وتدارك الآثار المحتملة على حياة ومصير الملايين من اليمنيين، وعلى تدفق السلع والمساعدات في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة، ولا يمكن لليمن فيها أن يتحمل أي مغامرة جديدة.

•••
محمد فيصل حيدر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English