انتشرت في الآونة الأخيرة، أشكالٌ جديدة، للطب البديل، في مقدمتها: العلاج بتقويم العمود الفقري، إذ يلجأ المعالجون بهذه الطريقة إلى الضغط على العمود الفقري تحت مبرر تقويمه، لعلاج الصداع وآلام الرأس والرقبة. إلى جانب العلاج بالإبر الصينية، والعلاج بالطرق المعهودة كالحجامة، والتدليك، والشفط، والعلاج بالمياه الكبريتية. غير أنّ التداوي بالأعشاب هي الظاهرة الأكثر بروزًا؛ بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اليمنيّون.
أميرة طالب، من محافظة تعز، تتحدث لـ"خيوط" عن طرق مواجهتها للأزمات الصحية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، بالقول: "أستخدم الأعشاب الطبية بسبب غلاء الأدوية الطبية، رغم أن نتائجها متأخرة، علاوة على أنّ زيادة جرعتها تسبّبت لي في مرات كثيرة بأعراض جانبية ومضاعفات سيئة، من بين هذه الأعشاب التي تناولتها، أعشاب قيل لي إنها بديل لأدوية السكر، مثل: القسط الهندي، والشمَر، والزنجبيل، والكركم، وإكليل الجبل (الروز ماري)".
عودة للعلاج التقليدي
يجد عديدٌ من اليمنيين العلاج التقليدي عمومًا، والعلاج بالأعشاب على وجه التحديد، خيارًا شائعًا، ليس لأنه آمن كما يعتقد كثيرون، بل لأنّه شبه متاح اقتصاديًّا أمام الغالبية المعدمة منهم، علاوة على ارتباطه ارتباطًا مباشرًا بثقافة اجتماعية ودينية تؤيد وتبارك تناول بعض هذه الأعشاب والنباتات، بصرف النظر عن فعاليتها وسرعة استجابتها من عدمه.
الخبير الاقتصادي، فارس النجار، يشير إلى دور الوضع الاقتصادي الذي تمرّ به البلاد في دفع الفئة المؤمنة بالطب الحديث نحو الاستطباب بطرق تقليدية، قائلًا: "أثرت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اليمن منذ 2015، وما صاحبها من حصار وانقطاع رواتب، بشكل كبير على الأوضاع المعيشية وقدرة المواطنين على الحصول على الأدوية الطبية، فيما اختفت كثيرٌ من الأدوية لشركات معروفة من الأسواق المحلية، ما أثر سلبًا على صحة مستخدميها الذين اتجهوا لتجريب كل شيء، بما فيها ذلك خيار الطب البديل والتداوي بالأعشاب".
هذا وكان تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في يناير/ كانون الثاني الماضي، أشار إلى زيادة نسبة استخدام الأعشاب الطبيعية في اليمن بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي؛ وذلك بسبب عدم قدرة المواطنين على تحمل تكاليف الأدوية الطبية.
تُقبِل فئات كثيرة على تناول الأعشاب الطبية حتى بعض الحالات المرَضية المزمنة أو السرطانية، بسبب وضعها الصحي الذي يتطلب الاستمرار في استخدام العقاقير الكيماوية، التي تعتبر باهظة الثمن، ومن ثم يلجؤون إلى هذه الطريقة.
في سياق متصل، تتحدث رانيا محمد، من محافظة لحج، لـ"خيوط"، عن فاعلية الطب البديل في أحايين كثيرة، طالما تم استخدامه بالكيفية وبالمقادير وبالمدة المقررة؛ تقول رانيا: "لا يمكن أن تكون الثقافة الشعبية بمجملها على خطأ، لقد عاش الأجداد والآباء على التداوي بوصفات شعبية بديلة، أثبتت جدواها حتى زماننا الحاضر، وعليه فالتداوي بالأعشاب بديل جيد ومتاح، طالما استمر عجز الفقراء عن شراء الأدوية المصنعة، بسبب الظروف المادية التي يعيشونها، خاصة إذا ما أضفنا لتكاليف الأدوية، تكاليف الفحوصات، والمعاينة، التي تصل لمبالغ كبيرة تفوق قدرة الغالبية العظمى من اليمنيين".
وتضيف رانيا: "ينظر المواطن البسيط للفرق الشاسع بين شراء الأدوية المصنعة، وبين الأدوية البديلة، إذ لا يتجاوز سعر الأدوية البديلة 500 ريال، بينما الأدوية المصنعة سعرها يتجاوز 30 ألف ريال، علاوة على أنه يرتفع بارتفاع سعر الصرف".
فواز الأهدل، بائع أعشاب طبية من محافظة تعز، يقول لـ"خيوط": "نسبة زبائن الأعشاب الطبية في تزايد مستمر، إذ تبلغ نسبتهم في الأيام العادية 70%، فيما تصل في الأيام التي تشهد تقلبات في المناخ إلى 90%".
ويضيف الأهدل: "تُقبِل فئات كثيرة على تناول الأعشاب الطبية حتى بعض الحالات المَرَضية المزمنة أو السرطانية؛ بسبب أن وضعها الصحي يتطلب الاستمرار في استخدام العقاقير الكيماوية، التي تعتبر باهظة الثمن، ومن ثم يلجؤون إلينا".
ويتابع الأهدل حديثه: "أصبحت المعلومة متاحة أمام الجميع، وبات بإمكان الناس التعرف على فوائد الأعشاب عبر البحوث، ومنصات الإنترنت، بكل سهولة، وهو ما يحدث بالفعل".
تتفق رانيا مع ما قاله الأهدل عما يتيحه الإنترنت لأيّ باحث عن معرفة الفوائد، والأضرار الجانبية للأعشاب، وتقول عن تجربتها الشخصية في هذا الجانب: "عبر البحث تعرفت على أعشاب طبية مفيدة جدًّا، مثل غلي أوراق شجرة الجوافة، الذي يعد علاجًا فعّالًا للسعال، والصبار لعلاج بعض الجروح والتقرحات، بالإضافة إلى الكركم الذي أثبت جدواه لعلاج أمراض كثيرة في المعدة والكبد، وهناك قائمة طويلة من الأعشاب والنباتات التي تُستخدم للكثير من الأمراض والإصابات".
مقامرة ثمنها الصحة
هذا الرأي الذي يؤيد اللجوء إلى الأدوية البديلة عوضًا عن الأدوية المصنعة كيميائيًّا، يقابله رأي رافض بالمطلق للتداوي بالأعشاب، بعيدًا عن استشارة الطبيب وتشخيص الحالة بالضبط عبر طبيب مختص.
منى، من منطقة الحوبان بتعز، الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تقول لـ"خيوط": "لا أؤمن باستخدام الأعشاب الطبية دون استشارة الطبيب، وأرى أن معظم الحالات التي تردّى وضعها الصحي، كان بسبب هذا الركون غير العلمي للأعشاب والمركبات غير المرخص لها".
تتحدث منى من واقع تجربتها الخاصة، بالقول: "لجأت إلى التداوي بالأعشاب، للأسف كان مفعول بعضها بطيء للغاية، وتأثيراتها عكسية، وعند تقهقر وضعي الصحي اضطررت للذهاب إلى المستشفى وأخذ الأدوية الطبية اللازمة لتخفيف الأعراض".
دراسة أجرتها جامعة صنعاء في فبراير 2024، أكّدت أن 35% ممن اعتمدوا على الأعشاب انتهت حالتهم الصحية بتدهور صحي كبير، مما يعكس الحاجة إلى الحذر عند استخدامها والاعتماد على الأدوية الطبية المعتمدة.
أم محمد، من أمانة العاصمة، مريضة بالسكر والضغط، تتحدث لـ"خيوط"، عن تداعيات استخدام الأعشاب بديلًا للأدوية الطبية الموصوفة لها من طبيبها المختص، بالقول: "إحدى الجارات أشارت عليّ باللجوء للكركديه بدلًا عن علاج الضغط، لخفض الضغط، وبالفعل كنت أَغلِي الكركديه، وأضعه في (ترمس) حتى أشربه باستمرار، لكني بمرور الوقت كنت أشعر بدوار وصداع وزغللة في العيون، لدرجة أنه أُغميَ علي في إحدى المرات، ليتضح أن الضغط المرتفع كان بسبب هذه الاستشارة".
وتضيف أم محمد: "كنت على وشك أن أصاب بجلطة، نتيجة هذه المقامرة، كنت أحاول التخفيف من شراء الأدوية، علاوة على التخفيف على معدتي من تناول العقاقير، لكن ما حدث كان درسًا عظيمًا، فقد ارتفع الضغط إلى درجة دفعت الطبيب إلى رفع قوة دواء الضغط، حتى معدتي تأثرت جراء الإفراط في شرب الكركديه بحموضته المعهودة".
من جهته، حذّر النجار من الاعتماد الكلي على الأعشاب بديلًا للعقاقير، رغم إقراره بإن بعضها فعال، وتابع حديثه: "على الرغم من فوائد الأعشاب الطبية، فإنها لن تكون بديلًا كاملًا وفعّالًا للأدوية الطبية".
وكانت دراسة أجرتها جامعة صنعاء في فبراير 2024، أكّدت أنّ 35% ممن اعتمدوا على الأعشاب انتهت حالتهم الصحية بتدهور صحي كبير، ممّا يعكس الحاجة إلى الحذر عند استخدامها، والاعتماد على الأدوية الطبية المعتمدة".
المعرفة أساس للتداوي
خبيرة التغذية عفاف الأهدل، تقول لـ"خيوط": "علم الأعشاب، علم واسع ومعقد للغاية، وينقسم إلى مجموعات متعددة، حيث تتميز كل مجموعة بتركيبتها الكيميائية الخاصة، هذه التركيبات الكيميائية قد تتقبلها الأجسام أو ترفضها؛ لأن بعض الأعشاب تحتوي على مواد كيميائية قد تكون مهيجة للجسم، ومن ثم فإنّ استخلاص هذه المواد المسببة للحساسية لجعل العشبة آمنة، مهمٌّ للغاية".
ونوّهت الأهدل إلى أنّ هناك فروعًا لعلم الطب البديل معنية بدراسة التأثيرات والأعراض والتدخلات، مثل: الطب الوظيفي، التغذية العلاجية، وطب الأعشاب.
ضرورة الوعي بوضع الجهاز الهضمي والصحة العامة قبل اللجوء إلى الأعشاب، محذرة من أن استخدامها العشوائي، قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية، مثل التقرحات والاضطرابات الهضمية، بدلًا من تحقيق الفوائد المرجوة.
وأضافت الأهدل: "كثيرًا من المعلومات المتعلقة بالطب البديل خاصة في بلدان العالم الثالث، تفتقر إلى الدعم العلمي أو الأبحاث الحديثة، مما يؤدّي إلى تضليل المستهلكين حول فعالية بعض الأعشاب في علاج الأمراض المختلفة بالإضافة الى أنّ عشبة واحدة قد تعالج مرضًا معينًا، لكن التعميم بأنها تعالج أمراضًا متعددة يُعد خطأ شائعًا".
وتابعت الأهدل حديثها: "النساء أكثر إقبالًا على تعاطي الأعشاب، خاصة في مجالات التخسيس، ونتيجة لذلك تتعرض هؤلاء النساء لمشكلات صحية خطيرة، مثل فقدان السوائل والمعادن، مما يؤدّي إلى انخفاض ضغط الدم وظهور أعراض مثل الدوخة والغثيان وفقدان الشهية، بالإضافة إلى اضطرابات الدورة الشهرية". ونبّهت الأهدل على ضرورة فهم النساء لأسباب زيادة الوزن، التي قد تكون هرمونية مثل تكيس المبايض، ما يتطلب علاجات هرمونية وغذائية.
وأكدت الأهدل ضرورة الوعي بوضع الجهاز الهضمي والصحة العامة قبل اللجوء إلى الأعشاب، محذرة من أن استخدامها العشوائي قد يؤدّي إلى تفاقم المشكلات الصحية، مثل التقرحات والاضطرابات الهضمية، بدلًا من تحقيق الفوائد المرجوة.
مشدّدةً على أنّ مصطلح "إخراج السموم من الجسم" الذي يروج له بعض التجار يعدّ مصطلحًا مضللًا، مؤكدة أنّ الجسم يملك آلياته الطبيعية للتخلص من السموم من خلال غدة الكبد، التعرق، البول والبراز، وأنه لا توجد عشبة قادرة على القيام بهذه المهمة بشكل خاص.