إعادة تدوير الإطارات المتهالكة فنيًّا

مبادرة "سفيان نعمان" لمستقبل بيئي مستدام
فاطمة العنسي
December 27, 2024

إعادة تدوير الإطارات المتهالكة فنيًّا

مبادرة "سفيان نعمان" لمستقبل بيئي مستدام
فاطمة العنسي
December 27, 2024
.

سنة 2018، وجد سفيان عبدالرحمن نعمان نفسَه عاطلًا عن العمل، فاقدًا للشغف، محاطًا بالإحباط وبإطارات السيارات المستعملة.

في ظل هذا الوضع الصعب، خطرت له فكرة إعادة تدوير إطار سيارة كان بحوزته، ليحول ذلك الإطار التالف إلى تحفة فنية بعد العمل عليه وتغليفه وإضفاء لمسات فنية مميزة، أعادت الحياة لمنتج كان يمثل عبئًا بيئيًّا. هذه التجربة أظهرت لنعمان مدى قدرته على تطويع أدوات بسيطة، متهالكة وتحويلها إلى شيء قابل للاستخدام. ومن هنا، بدأ سفيان في نقل فكرته إلى مستوى آخر.

كان سفيان، الذي بدأ مسيرته رسامًا، يفتقد المكان الصحيح الذي يفرغ فيه شغفه. وعندما اكتشف فكرة "إعادة تدوير الإطارات المستعملة"، وجد نفسه في المكان المناسب الذي يمكّنه من توظيف قدراته وتحويل الإطارات إلى أشياء قابلة للاستخدام وبجودة جمالية أخاذة. 

باب رزق

من ورشة متواضعة بصنعاء، بدأ سفيان نعمان، الرسام والناشط الاجتماعي البالغ من العمر 45 عامًا، بتحويل مئات الإطارات المستعملة، بأحجام وأشكال مختلفة، إلى قطع فنية.

سفيان تحدث لـ"خيوط"، قائلًا: "المكان ليس مجرد ورشة لإعادة التدوير، بل هو مركز لفتح آفاق جديدة أمام الشباب"، حيث استطاع من خلال مشاريعه الخاصة لتدوير الإطارات المستعملة تدريبَ العديد من الشباب، ليصبحوا اليوم أصحاب مشاريع ناجحة. 

وأضاف: "تخرج من ورشتي أكثر من سبعين عاملًا وعاملة وأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، مع وجود ثلاثة عمال دائمين في الورشة، يزيدون في حال كانت هناك طلبات كبيرة".

في سنة 2022، قدّر تقرير اقتصادي حديث حجمَ سوق الإطارات في اليمن بنحو 300.84 مليون دولار، حيث تساهم الظروف المناخية القاسية من حرارة الصحراء الحارقة إلى الرطوبة الساحلية، في زيادة الطلب على الإطارات.

معالجة مزدوجة

تتزايد كميات الإطارات المستعملة والتالفة سنويًّا في اليمن، لتشكّل تحديًا بيئيًّا وصحيًّا كبيرًا، إذ تعد مصدرًا رئيسيًّا للتلوث وإهدار الموارد الطبيعية، علاوة على التهديد الكبير الذي تسبّبه للتربة.

تكمن خطورة الإطارات في مكوناتها التي لا تتحلل بسهولة، وقابليتها للاشتعال، بالإضافة إلى أن تفاعلها مع المواد الحمضية يؤدّي إلى إفراز مواد كيميائية يتم امتصاصها في الأرض، مما يتسبّب بتدمير التربة وتلوث المياه الجوفية.

في هذا السياق، يقول لـ"خيوط"، عبدالقادر الخراز، استشاري التغيرات المناخية والتقييم البيئي: "خطورة الإطارات تكمن في مكوناتها التي لا تتحلل بسهولة، وقابليتها للاشتعال، بالإضافة إلى أن تفاعلها مع المواد الحمضية يؤدّي إلى إفراز مواد كيميائية يتم امتصاصها في الأرض، مما يتسبب بتدمير التربة وتلوث المياه الجوفية".

مضيفًا: "كما أن أكوام الإطارات تشكّل بيئة مناسبة لانتشار الحشرات والكائنات الضارة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للإنسان والبيئة".

تعد قضية التخلص من الإطارات المستعملة في اليمن قضيةً مقلقة للغاية؛ فغياب الدور الحكومي، وتعقيدات عملية الحرق، تمثّل عبئًا بيئيًّا كبيرًا، بالإضافة إلى أن هذه الإطارات تمثل هدرًا للموارد الطبيعية في بلد يعاني من محدودية الموارد.

ومع تزايد حجم هذه المشكلة يومًا بعد يوم، تبرز ضرورة إيجاد حلول جذرية، وهو ما دفع بعض المبادرات البيئية الآمنة إلى الظهور. ويوضح الخبراء في المجال البيئي، أن الأفكار الصديقة للبيئة تعتبر الحل الأمثل للتخلص من هذه الإطارات المستعملة.

مبادرات خلاقة

سفيان نعمان، يتعامل مع هذه التهديدات البيئية بروح المبادر والفنان الذي يفيد ويستفيد، إذ يقود تجربته بشغف، مستخدمًا أدوات مبتكرة للتغليف، مثل: القطن، الخيش، القماش، وغيرها، علاوة على حرصه على التسويق والترويج والتواصل مع الجهات المعنية، مثل: الهيئة العامة للحفاظ على البيئة، والشركات، والمدارس، حيث يتم شراء المنتجات المختلفة، مثل: الطاولات، الحواجز، الألعاب، والأحواض.

يشير سفيان إلى أن ورشته البسيطة التي أنشأها في حوش بيته، تنتج العديد من الأعمال، مثل: الكراسي، ألعاب الأطفال، الطاولات، الحواجز، المجسمات. مؤكدًا اعتزازه وشعوره بالفرح عند رؤية أعماله محل اهتمام وطلب من الناس والجهات العامة. ويتابع: "اليمن وبيئتها بحاجة لهذه المبادرات التي تساهم في تقليل المخاطر البيئية وتحافظ على نقاء الجو".

بعد أحداث (كوفيد-19)، أصبح المجتمع أكثر وعيًا بأهمية الحفاظ على البيئة، وبدأ عدد من الناس في صنعاء بتنفيذ مشاريع مماثلة لمشروعه. سفيان يؤكد أن هدفهم الرئيس ليس ماديًّا بقدر ما يسعون للربح المعنوي، ويرى أن الحفاظ على البيئة يعني حماية مستقبل وحياة الأجيال القادمة.

آلية التدوير

تتم عملية التدوير في مبادرة نعمان، عبر عدة مراحل، تبدأ هذه العملية بجمع الإطارات المستعملة من مصادر متعددة، ثم مرحلة الفرز، حيث يتم تصنيفها إلى نوعين: إطارات قابلة للتجديد أو الإصلاح، وأخرى غير قابلة للإصلاح. تلك الأخيرة يتم تحويلها إلى مواد يمكن إعادة تدويرها.

بعد ذلك، يتم تنظيف الإطارات بشكل دقيق، ثم يتم تقطيعها وفصل مكوناتها. يتم استخراج المطاط الذي يُستخدم في صناعات مختلفة، بينما تُستخرج الأسلاك المعدنية وتُعاد كخردة. الألياف النسيجية التي تحتوي عليها الإطارات يتم استخدامها في إنتاج منتجات متنوعة، مما يعزز عملية الاستفادة من كل جزء من الإطار.

ومن ثم يتم استخدام مواد إضافية، مثل: القماش، الخيش، الألوان، خيوط الحباكة، لتصنيع منتج صديق للبيئة ومستدام، مما يعكس فلسفة المبادرة في إعادة الاستخدام والتقليل من الأثر البيئي.

ومع ذلك، كما يوضح نعمان، تواجه المبادرة تحديًا بسبب الأدوات والمعدات البدائية التي يستخدمونها. يقول سفيان: "أدواتنا بسيطة، بدائية، ومع ذلك نسعى جاهدين للحصول على دعم مالي من أي جهة يمكن أن تساعدنا، لنتمكن من استيراد معدات حديثة وتحويل الورشة المتواضعة في حوش المنزل إلى مصنع كبير".

الدور الحكومي

يؤكد سفيان نعمان أنّ الدور الحكومي في مشاريع حماية البيئة لا يزال غائبًا، حيث لا تجد المبادرات مثل مبادرته أيَّ دعم أو اهتمام من الجهات الرسمية. بالمقابل، أدّت المؤسسات والشركات الخاصة دورًا حيويًّا في تقديم الدعم. يقول سفيان: "لقد قدمت لنا دورات تدريبية، مشاريع، معارض، بالإضافة إلى الرعاية واللفتات الكريمة، والشهادات التقديرية في أغلب المناسبات البيئية".

الحس الفني هو العامل الرئيسي الذي يضمن تصميم أفكار جديدة تلبي احتياجات العملاء. هذا العمل بالنسبة لسفيان، يحفز عقله للإبداع، حيث استطاع مع مرور الوقت تطوير أفكاره وإنتاج مستلزمات قابلة للاستخدام الشخصي والمنزلي بكفاءة عالية.

من خلال شراكته مع القطاع الخاص، وكونه أول "مشروع يمني يهتم بمكافحة تلوث الهواء وإعادة تدوير الإطارات"، سعى سفيان نعمان إلى استثمار طاقته وفكرته في إعادة تدوير أكثر من 8000 إطار مستعمل، أي ما يعادل حوالي طن من الغازات السامة التي كانت ستنتج عن حرق هذه الإطارات خلال السبع السنوات الماضية.

ويضيف سفيان أن الحس الفني هو العامل الرئيسي الذي يضمن تصميم أفكار جديدة تلبي احتياجات العملاء. هذا العمل يحفز عقله للإبداع، حيث استطاع مع مرور الوقت تطوير أفكاره وإنتاج مستلزمات قابلة للاستخدام الشخصي والمنزلي بكفاءة عالية.

تمتد لمسات المبادرة لتزين شوارع صنعاء وعدد من مدارسها ومنازلها، كما وصلت إلى محافظات أخرى مثل حديقة الحيوان في محافظة تعز (جنوب غربي البلاد)، بالإضافة إلى: الحديدة، ودمت، وعدن، وذمار. وكانت آخر أعماله حديقة غزة، برعاية المفوضية السامية ومنظمة SDF. وأشار إلى أن مشروع الحديدة وحده استهلك 1800 إطار.

تكلفة التدوير

يتطلب مشروع إنشاء مصنع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة، استثمارًا كبيرًا في جوانب أساسية عدة؛ بدءًا بشراء المعدات اللازمة للعملية، وهي عادة ما تكون باهظة الثمن؛ بسبب استيرادها من الخارج، مرورًا بالحاجة لمبنى مجهز بكل تجهيزات الأمن والسلامة لضمان بيئة عمل آمنة، إضافة إلى توفير كادر متدرب ولديه حس فني وبيئي عالٍ، وتشمل التكاليف التخلص السليم من المخلفات، ودفع فواتير المياه والكهرباء، وتوفير المواد الخام اللازمة للعملية، كما يجب تحديد رواتب العمال وتنظيم عملية الإنتاج، بما في ذلك تصدير المنتجات الجاهزة.

أما بالنسبة لتكلفة حرق الإطارات والتخلص منها، فيتطلب المشروع اختيار موقع مناسب، بحيث لا تقل المساحة عن 400 متر مربع. كما يحتاج إلى معدات خاصة، مثل: منشار الشريط لتقطيع الإطارات الكبيرة، آلة طحن الكاوتشوك، ميزان ميكانيكي، عربة جرّ يدوية، آلة تعبئة وتغليف، ماكينة تقطيع، وماكينة فرم.

بالإضافة إلى ذلك، يتطلب المشروع توفير المواد الخام للإطارات، وتأمين احتياجات أساسية، مثل: الكهرباء، والمياه، والغاز الطبيعي، والصرف الصحي. كما يجب تخصيص مساحة لتخزين المواد الخام والمنتجات النهائية، بالإضافة إلى توفير مكاتب للموظفين والإداريين.

صعوبات وقيود

يشير نعمان إلى أن المجتمع في البداية لم يدرك أهمية المبادرة، بل إن بعضهم لم يرَ في مشروعه جدوى تذكر، ما صعّب من نشر الفكرة خارج محيطه الصغير. في البداية، كان سفيان وفريقه يجمعون الإطارات المستعملة من أماكن تصليح الإطارات (البناشر) والورش والشوارع، وحتى من بعض الأصدقاء والمهتمين، وكانت هذه العملية تتم مجانًا. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه العملية تتطلب دفع مقابل، وهو ما شكّل تحدّيًا إضافيًّا بسبب غياب الدعم المالي.

ويأمل سفيان أن تلقى المبادرات البيئية اهتمامًا أكبر من الحكومة، وأن تُفتح ورش أو شركات متخصصة للمضي قُدمًا نحو بيئة ومناخ مستدامين، خاصةً في اليمن التي تُعاني من التلوث البيئي.

من جهته، يوضح الخراز- استشاري، أن مساهمة سفيان في حل مشكلة الإطارات التالفة تحد من الأضرار البيئية الناجمة عن حرقها في الشوارع أو رميها في الطرقات، فتؤثر سلبًا على البيئة بشكل عام.

يسعى سفيان إلى توسيع مشروعه وإنشاء ورشة مستقلة بدلًا من العمل في حوش منزله، ويأمل أن يوفر هذا المشروع فرص عمل للشباب العاطلين. وقد أعلنت الأممُ المتحدة مؤخرًا نعمان بطلًا من أبطال البيئة في العالم لسنة 2024، تكريمًا لجهوده في مكافحة تلوث الهواء.

في ختام حديثه، يقول سفيان إنه يعمل على إعداد دراسة شاملة لمبادرته لتقديمها إلى جهات خاصة ومنظمات بيئية، على أمل الحصول على الدعم المالي الذي يمكّنهم من فتح ورشة أكبر. ويؤمن أن هذا سيساهم في استقبال المزيد من الشباب العاملين، وتوسيع دائرة الابتكار في إنتاج منتجات جديدة من الإطارات، ما يفتح أبواب التمويل والدعم الدولي.

وتحتفل الأمم المتحدة في 5 يونيو/ حزيران من كل عام، منذ عام 1974، باليوم الدولي للبيئة، الذي يهدف إلى تحسين جودة الهواء في المدن والمناطق الحضرية في جميع أنحاء العالم.

إعادة تدوير الإطارات تعد خطوة أساسية نحو الاستدامة، حيث تساهم في تقليل التلوث وحماية البيئة. بدلًا من التخلص منها بطريقة غير آمنة، يمكن إعادة استخدام الإطارات لتصنيع منتجات جديدة، مثل الأثاث والديكورات. هذه المبادرات تساهم في تقليل النفايات، وتوفير المواد الخام، وتقليل الانبعاثات الضارة، مما يعزز من صحة البيئة والمجتمعات المحيطة.

لا شك أن مبادرة سفيان نعمان تمثل خطوة هامة نحو التغيير البيئي في اليمن، حيث تسهم في معالجة مشكلة الإطارات المستعملة بطريقة مبتكرة وآمنة بيئيًّا. لكن لتحقيق المزيد من النجاح والاستدامة، لا بد من تكاتف الجهود ودعم المبادرات البيئية من جميع الأطراف، سواء كانت حكومية أو قطاعًا خاصًّا.

تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية "عُشة".

•••
فاطمة العنسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English