تحظى عربات أجرة الـ(توك توك) بشعبيةٍ جارفةٍ ورواجٍ ملحوظٍ بين سكان مدينة سيئون والقُرى القريبة المجاورة لها، بل وأطلق عليها بعضُهم (تاكسي الفقراء)، ولعلّ ذلك يعود إلى تعدّد استعمالاتها، حيثُ يرون أنّها أحد أهم وسائل النقل التي لا يمكن الاستغناء عنها مؤخرًا، في ظلّ ارتفاعٍ جنونيّ في أسعار البنزين؛ الأمر الذي رفعَ من قيمة استئجار بقيّة وسائل المواصلات المعروفة، أضف إلى ذلك أنّه يمكن الاتصال بصاحبه في أيّ وقت ليأخذهم إلى أيّ مكانٍ يرغبون فيه، وبحسب بعض مالكيه فإنّه في بعض الأحيان تبلغ اتصالات الزبائن ذروتها، فيزداد ضغط الطلبات عليهم.
والـ(تكاتك) هي تلك العربات ذات العجلات الثّلاث والمحرّك الصغير، التي يحار الناظر إليها في تصنيفها -أهي سيارة أم درّاجة؟- وتتّسع في داخلها لراكبين -غالبًا- بالحدّ الأدنى، وأحيانًا لثلاثة يجلسون على مقعدين خلف السائق، وباتت تجوب الطرقات والأزقّة في مدينة سيئون بكثافة غير معتادة في السابق، وتحديدًا قبل تحكّم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة بمصائر الناس، من مقيمين ونازحين هناك.
وأصبحت الـ(تكاتك) اليومَ تحتلّ مقدّمة وسائل النقل، وواجهة مشهد السير عمومًا هناك، إذ تلقى رواجًا في الأوساط الشعبية والمتوسطة الحال، بما أنّها تُستخدم كبديلٍ عن سيارات الأجرة في المشاوير القريبة؛ نظرًا للكلفة الزهيدة نسبيًّا التي يفرضها سائقوها على راكبيها، مقارنةً بأسعار النقل على متن المركبات العمومية والباصات التقليدية؛ كونها تعملُ بالطّاقة الشمسية البديلة وليست على البنزين، ولا تحتاج لكلفة إضافية للزيوت وغيرها.
عبدالله القدسي (35 عامًا)، أحد النّازحين من محافظة تعز إلى مدينة سيئون. حصل من إحدى المنظمات المحلية ضمن إحدى تدخلاتها، على عربة (توك توك)، شكّلت بالنسبة له خطّ دفاعٍ معيشي على جبهة الفقر والحرب التي قذفت به وحيدًا بمعيّة زوجته الحامل من شمال الوطن إلى جنوبه، ليجد نفسه دون مسكنٍ أو مشربٍ أو مصدرٍ للدّخل عدا عربة الـ(توك توك) الصّغيرة تلك.
يقول عبدالله واصفًا عدد (التكاتك) المماثلة لتُكتُكه، والتي يراها بشكلٍ يوميٍ في سيئون: "تراها وكأنها كتائب مسيّرة تجوب طرقات المدينة؛ مليئة بالرّكاب والأمتعة، والبضائع على اختلافها في مشاهدٍ لم تكن مألوفة من قبل في المدينة"، ويواصل حديثه عن فائدتها بالنسبة له: "أجمل ما فيها أنّها تعملُ بالطاقة الشمسية، ولا تحتاج منّا إلى محروقات، فقط ننقل الزّبون بأقل التّكاليف (التي قد تصل في بعض المشاوير إلى 200 ريال يمني)، وهذا ما جعلَ جميع الزّبائن يعزفون عن الركوب في تكاسي الأجرة المعروفة والتي قطعًا ما تكون أسعارها مرتفعة نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات". ويردف القدسي: "بالفعل أصبح هذا (التُك توك) مصدر رزق أساسي لي ولآخرين كُثر، بعد أن أصبحت نار الغلاء تكوي الجميع".
ويعزي عبدالله العاملَ الأساسي لرواج انتشار عربات الـ(توك توك) وبلوغ عمله مستويات جيّدة في الآونة الأخيرة، إلى تدنّي الأسعار المترتبة على المستخدِمين، الأمر الذي يحفّزهم، قبل أي شيء آخر، على ركوب عربات الـ(توك توك)، دونًا عن وسائل المواصلات الاعتيادية. وعن تمسك عبدالله واهتمامه بعربته، يقول: "بالفعل أصبح لدي مشروع عمل فردي خاص بي، يوفّر لي وبشكلٍ يوميٍ دخلًا ماديًّا مقبولًا، مقارنةً بأعمال أخرى قد تكون مُضنية لي، وربحها قليل". ويختم عبدالله: "صرتُ أدّخر مبلغًا من المال بشكلٍ يوميٍ، لأنّي بِتُ أفكر في شراء عربة (توك توك) إضافية مستقبلًا، سأقوم بتأجيرها بنسبة معينة لسائقٍ آخر؛ لنربح معًا".
إلّا أنّ هناك وجهات نظرٍ أخرى من عددٍ من أهالي مدينة سيئون، ترى بأنّ هذه العربات قطعت أرزاق كثيرٍ من أصحاب وسائل النقل الأخرى، وجعلتهم يصبحون في غمضةِ عينٍ بلا عمل، نتيجة وجود (التوك توك) وسعر مشاويره زهيدة الثمن، التي جعلت كثيرًا من الزبائن يفضلونه عن غيره من وسائل النقل الأخرى العمومية والخاصة، وبالتّالي فهي "منافسة غير شريفة" كما يصفونها.