أضحت حوادث الصواعق الرعدية المصاحبة لمواسم الأمطار واحدة من أبرز المشكلات والكوارث الطبيعية التي واجهها اليمن خلال السنوات الأخيرة، والتي تسببت بخسائر بشرية بالغة وأضرار مادية جسيمة نتيجة لغياب الوعي المجتمعي للتعامل معها وانعدام وسائل الحماية لتفادي الخسائر وتقليل الأضرار.
في الـ7 من سبتمبر الماضي، أعلن نائب رئيس لجنة الطوارئ في حكومة صنعاء عمار الهارب، أنه منذ بداية العام وحتى حينه، أودت الصواعق الرعدية بحياة 160 شخصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومته، وقد حاول معد التقرير الحصول على تحديث للإحصائية والوقوف مع المسؤول على أبرز مستجدات الكارثة والجهود المبذولة لمعالجتها إلا أنه - للأسف-وبعد وعود متكررة وتسويف وتأجيل لأسباب غير واضحة، لم يتعاون.
ومن خلال استخدام أدوات البحث عبر المصادر المفتوحة، توصل معد التقرير إلى رصد 187 حالة وفاة والعشرات من الإصابات بالإضافة إلى نفوق المئات من المواشي والأغنام وتضرر المنازل والممتلكات، جراء الصواعق الرعدية التي حصلت في مختلف محافظات الجمهورية اليمنية خلال العام المنصرم 2024، غالبيتها خلال الأشهر يوليو –أكتوبر (171)، وهي فترة موسم الأمطار.
أب وطفلته في المحويت
في 20 يوليو الماضي، أصابت صاعقة رعدية مفاجئة حزام خالد الصباحي (رب أسرة) وطفلته حنين ( 4 أعوام) في منزله الكائن في عزلة حصن المخير بمديرية الطويلة بمحافظة المحويت (أكثر من 100 كيلو شمال غرب العاصمة صنعاء) وأودت بحياتهما على الفور.
يتحدث خالد الصباحي، والد الضحية، عن تفاصيل الحادثة، بالقول: "كانت الأمطار في بداياتها بالتساقط عصر ذلك اليوم الذي ضربت به الصاعقة منزل ابني، وعندما هرعنا إلى المنزل بعد سماع استغاثة زوجته، كان وطفلته قد فارقا الحياة، باغتنا موتهم بشكل مخيف".
لم يكن حزام الصباحي وطفلته هما الضحيتين الوحيدتين في نفس المنطقة، فقبل أسبوع تماما من وفاته كان حزام نفسه يحضر مجلس عزاء مقام على أحد ضحايا الصواعق في قرية مجاورة فيما كانت المنطقة ذاتها قد شهدت وقوع ضحايا خلال موسم الأمطار السابق لعام 2023، حسب حديث المواطن خالد الصباحي.
الاحصائيات المعلنة لا تعكس الواقع بصورة دقيقة، إلا أنها تقدم مؤشرا واضحا عن تزايد خطورة الظاهرة المناخية التي تضرب اليمن عاما تلو الأخر، إذ وصلت نسبة معدلات حوادث الصواعق في الموسم الأخير إلى 70% مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سبع سنوات
تراكم ونسبة متصاعدة
وبحسب رصد سابق أجراه معد التقرير، فقد سجلت الاحصائيات المعلنة خلال أربعة أعوام (2020-2023)، نحو 407 حالة وفاة والمئات من الإصابات، ومع حصيلة الموسم الأخير، يكون عدد ضحايا الصواعق الرعدية في اليمن خلال خمسة أعوام قد ارتفع إلى 594 شخصا.
الاحصائيات المعلنة لا تعكس الواقع بصورة دقيقة، إلا أنها تقدم مؤشرا واضحا عن تزايد خطورة الظاهرة المناخية التي تضرب اليمن عاما تلو الأخر، إذ وصلت نسبة معدلات حوادث الصواعق في الموسم الأخير إلى 70% مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سبع سنوات (النسبة ذاتها كانت في موسم عام 2023، تقدر بـ55%) بحسب معلومات المركز الوطني للأرصاد.
تداعيات التغيرات المناخية
ويرجع الخبراء والمهتمين بمجال المناخ والبيئة أسباب وعوامل التصاعد الحاصل في حوادث الصواعق الرعدية في اليمن، إلى التغيرات المناخية الحاصلة في العالم، إذ يعتبر اليمن من بين أكثر البلدان العربية تأثرا بتداعياتها السلبية، وفقا لتقرير البنك الدولي.
ويوضح الباحث في التغيرات المناخية والأكاديمي بكلية البترول والموارد الطبيعية بجامعة صنعاء، حاجب الحاجبي، أنه: "كلما زاد الحمل الحراري على الهواء في سطح الأرض، تزداد عملية التسخين للهواء من المحيطات والمسطحات المائية، فتزداد كثافة السحب التي يؤثر فيها التسخين، فتصبح قاعدتها حاملة للشحنات السالبة، وعندما تمر تلك السحب وتجد في طريقها شحنات موجبة، يتم التفريغ الذي تنشأ عنه الصواعق والبروق".
ويشير إلى أن "اليمن تقع على كتلتين مائيتين، كتلة البحر الأحمر وكتلة البحر العربي، والاحترار الحاصل في هذه الكتلتين سيتسبب للبلد بإشكاليات مناخية مستقبلية، قد تكون إيجابية كزيادة الأمطار، وسلبية كزيادة الصواعق التي تضرب بنسبة كبيرة مناطق المرتفعات الجبلية".
الحقت الفيضانات الضرر بأكثر من 655 ألف شخصا، يشكلون 93 ألف أسرة في 20 محافظة يمنية، حيث طالت تلك الأضرار مصادر الدخل الأساسية لتلك الأسر كالممتلكات والمواشي والأراضي الزراعية، كما تسببت الفيضانات بتداعيات سلبية على الوضع الصحي المتدهور
كوارث موسم الأمطار
الصواعق الرعدية ليست الكارثة الطبيعية الوحيدة الناتجة عن التغيرات المناخية التي تهدد حياة السكان في اليمن، فخلال موسم الأمطار الأخير، أودت السيول والفيضانات التي اجتاحت معظم محافظات البلد بحياة 240 شخصا وإصابة 635 آخرين، بحسب تقرير صادر عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منتصف نوفمبر الماضي.
ويشير التقرير إلى أن الفيضانات الحقت الضرر بأكثر من 655 ألف شخصا، يشكلون 93 ألف أسرة في 20 محافظة يمنية، حيث طالت تلك الأضرار مصادر الدخل الأساسية لتلك الأسر كالممتلكات والمواشي والأراضي الزراعية، كما تسببت الفيضانات بتداعيات سلبية على الوضع الصحي المتدهور في البلد كعودة وباء الكوليرا للانتشار مجددا.
الريف ومانعات الصواعق
في الوقت الذي شمل تأثير الفيضانات السكان في كلا المجتمعات الريفية والحضرية في اليمن، تركزت غالبية حالات الضحايا التي تحصدها الصواعق الرعدية في المناطق الريفية (تقدر بـ 70% من مساحة اليمن).
ويعزي الوكيل المساعد لقطاع الأرصاد في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، محمد سعيد حُميد، في حديثه لمعد التقرير، السبب الأساسي في ذلك إلى "خلو المناطق الريفية من منظومات موانع الصواعق على عكس المدن المحمية بمنظومات موانع صواعق وغالبية المنشآت فيها محمية بموانع صواعق إضافية".
ويلفت الوكيل المساعد للأرصاد إلى أن "مانعات الصواعق هي نظام وقاية تم تصميمه خصيصا لامتصاص الصاعقة الرعدية التي يحدثها التفريغ بين السحب وتوفير مسار مباشر لتيارها إلى نقطة معينة في الأرض، بعيدا عن الناس والمنازل والممتلكات، لذا فهي من الحلول الإيجابية المجربة في تقليل تكلفة خسائر الصواعق".
وحول سؤالنا، عن المانع في أن تتبنى الجهات المعنية إنشاء برامج مانعات الصواعق في المناطق الأكثر تضررا، يجيب الوكيل حٌميد أنه : " قمنا برفع مشروع لنشر مانعات صواعق في عدد من المحافظات بالتعاون مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، ونعمل على التواصل مع الشركاء والجهات المعنية لمتابعة إمكانية تطبيقه على الواقع خلال الفترة القادمة".
مبادرة على الواقع
على الرغم من كون جهود الاستجابة الفعلية بخصوص انشاء برامج مانعات صواعق ما تزال غير ملموسة لدى سكان المناطق المتضررة في البلد حتى الآن، إلا أن هنالك مبادرات محدودة بدأت تترجم نفسها على أرض الواقع كمشروع تركيب مانعات صواعق في "عزلة بني صياح بمديرية رازح بمحافظة صعدة".
المشروع الذي تبنته مؤسسة "يمن تنمية" بدعم من المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، جاء بعد أن شهدت العزلة تزايد مخيف في حوادث الصواعق الرعدية التي أودت خلال الموسم الأخير إلى وفاة 3 أشخاص والعديد من الوفيات بالإضافة إلى نفوق نحو 50 من المواشي (بقر وأغنام) تمثل مصدر أساسي لغذاء السكان، وفقا للمهندس الميداني لمؤسسة "يمن تنمية"، حمير الكولي، الذي يؤكد في حديثه لـ"معد التقرير"، " أن تلك المعطيات جعلت من تبني المشروع وتنفيذه "ضرورة وحاجة ملحة لإنقاذ أرواح السكان وحماية ممتلكاتهم".
وحول طبيعة المشروع وسير عمله والتحديات التي يواجها، يوضح المهندس الكولي أن "المشروع عبارة عن تركيب 18عمود مانعات صواعق في عدة مناطق بالعزلة بتكلفة مالية تبلغ 15 ألف دولار أمريكي، وقد تم تركيب 5 أعمدة صواعق حتى الأول من شهر يناير الجاري، ويتبقى 13 سيتم تركيبها تباعا".
ويضيف: " واجهتنا العديد من التحديدات والصعوبات بدءا من توفير الدعم المالي حيث حصلنا على تمويل جزئي من المفوضية لا يلبي احتياج المنطقة بشكل كلي، يليه إقناع السلطات المحلية بأهمية المشروع بالذات أن الأولوية كانت لمشاريع الإغاثة الغذائية، فيما لا تزال الظروف الجغرافية للمنطقة ذات التضاريس الجبلية الوعرة تشكل تحديا لوجستيا ونحن نعمل على تجاوزه بتوفير وسائل نقل مناسبة للمواد والمعدات".
المهندس الكولي الذي يحث على أهمية "تعميم التجربة في المناطق اليمنية التي تعاني من نفس المشكلة"، يؤكد أن "فرص نجاح تعميمها عالية جدا بشرط توفير التمويل اللازم، وتعاون الجهات المعنية".
التحديات السياسية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها اليمن نتيجة استمرار حالة الحرب والصراع، تضعف قدرة البلد على الاستجابة والتعاطي مع الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية والتي تعد حوادث الصواعق الرعدية إحدى صورها الأكثر تصاعدا
ضعف الوعي المجتمعي
مؤشرات نجاح مشروع مانعات الصواعق في عزلة بني صياح بمحافظة صعدة، تعطي رسائل تحفيزية بإمكانية تغيير الواقع المؤسف الذي تخلفه الصواعق على أهالي تلك المنطقة النائية وغيرها من المناطق اليمنية إذا تم تبني تعميم التجربة بشكل واسع.
بالإضافة إلى انعدام وسائل الحماية، يلعب ضعف الوعي المجتمعي في التعامل مع الصواعق الرعدية في اليمن دورا أساسيا في ارتفاع أعداد الوفيات، وذلك ما لمسه معد التقرير من خلال شهادات قرابة عشرة من أقارب وأصدقاء ضحايا الصواعق في مناطق يمنية مختلفة، وجميعها تفيد بعدم وعي الناس أو التزامهم بتعليمات وارشادات السلامة لتقليل فرص التعرض للصواعق الرعدية أثناء الأمطار.
إجراءات وقائية متعددة
وتتمثل أبرز الإجراءات الوقائية المتعارف عليها بين الخبراء في تقليل فرص التعرض للصواعق الرعدية، في الآتي:" إغلاق والابتعاد عن النوافذ والأبواب المعدنية وإغلاق جميع أسطوانات الغاز وعدم الخروج من المنزل اثناء الصواعق، البقاء داخل السيارات، تجنبت الاحتماء بالأشجار، تجنب الاستحمام، تجنب الوقوف في المناطق المرتفعة، وكذلك الابتعاد عن المسطحات المائية مثل البحريات وحمامات السباحة ومجاري السيول، والحرص على فصل جميع موصلات التيار الكهربائي في المنزل".
ويشدد خبير البيئة والتغيرات المناخية والاستدامة، جواد الوبر، على ضرورة أن يعي السكان أهمية التقيد بتلك النصائح والتعليمات لسلامتهم.
ويدعو الوبر في حديثه لـ"معد التقرير"، "الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام إلى التعاون في تنفيذ برامج توعية بمخاطر الصواعق الرعدية وغيرها من كوارث التغيرات المناخية التي يواجها اليمن.
كذلك يدعو الجهات المعنية وجميع الفاعلين إلى وضع استراتيجية شاملة للتكيف مع تداعيات التغيرات المناخية، تشمل تحسين عملية الإغاثة وتعزيز الصمود المجتمعي واستثمار الفرص الممكنة بشكل مستدام، في حين يأتي إيقاف الحرب وإعادة السلام والاستقرار للبلد شرط رئيسي ومقدمة لنجاح كل ذلك.
التحديات السياسية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها اليمن نتيجة استمرار حالة الحرب والصراع، تضعف قدرة البلد على الاستجابة والتعاطي مع الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية والتي تعد حوادث الصواعق الرعدية إحدى صورها الأكثر تصاعدا من حيث النشاط والضحايا والخسائر، إلا أن فرصة تقليل ضحايا تلك الحوادث وإيقاف تحولها قاتل موسمي لأرواح اليمنيين ممكن جدا إذا تم نشر منظومات الحماية ورفع مستوى الوعي المجتمعي بتعليمات السلامة، وذلك المؤمل من الجميع قبل حلول موسم الأمطار للعام القادم 2025.
تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية "عُشة"، وتنشر بالتزامن في منصة "خيوط" وعدة مواقع ومنصات يمنية وعربية.