جامعة ذمار تحتاج إلى مد اليد لها لتصان وتحيا منارًا علميًّا معرفيًّا هاديًا، لا لتُختطَف مبانيها بقوة أمنية عتيدة؛ وهو ما حدث يوم 12 أغسطس/ آب، بحجة أن تلك المباني ترجع ملكيتها إلى جهة يمنية حكومية أخرى هي وزارة التربية والتعليم.
الجامعة ووزارة التربية كلتاهما مؤسسة وطنية تابعة للدولة اليمنية، كما هما محل اعتزاز وتقدير؛ كونهما منبري إشعاع معرفي، والاتفاقيات في تبادل المنافع بالمباني بين مؤسسة وأخرى وارد ومُقَرّ في جميع دول العالم، ومسألة فك الارتباط لتلك الاتفاقيات لا تتم خارج سلطة القضاء وأحكامه.
قبل عام تقريبًا، حاولت السلطة المحلية في المحافظة مصادرة مبنى كلية الآداب وحرمها الجامعي وقاعات الدرس ومكتبتها وغير ذلك، ليقام مكانها مجمع محاكم بمرافقه من أكبال وزنازين وسجانين، لكن تم الاتفاق على بقاء الكلية على وضعها الحالي، وكما هو عليه في الماضي طيلة ثلاثة عقود.*
كلنا يعلم الصعوبة التي رافقت إنشاء بعض الجامعات اليمنية وظروف الحاجة حينها إلى مبانٍ تستوعب حالة الإقبال عليها، وكلنا يعلم أيضًا أن أملاك أي مؤسسة وطنية هي ملك للأمة اليمنية جمعاء وللدولة النظر في إعادة توزيعها بحسب الضرورة والحاجة الملحة وبما تقتضيه المصلحة العامة.
للجامعات في كل العالم رمزيتها الثقافية والقومية، وبتلك الرمزية اكتسبت قداستها وحرمتها، واصطلح على تسمية المكان الجامعي حرمًا جامعيًّا يضاهي حرمة الأمكنة المقدسة وما تقتضيه من احترام وإجلال لا يمكن خدش تلك الحرمة ولا المساس بها.
لجامعة ذمار مبانٍ لكليات (الآداب والتربية والطب البشري والأسنان) داخل مدينة ذمار، وبعضها لم يدخل مخططها في الماضي حيز التنفيذ في خطة المباني الخاصة بالجامعة المعروفة في الجهة الشمالية لمدينة ذمار؛ أي ليس لها مبنى مستقل وخاص بها هناك، كما هي حال معظم كليات الجامعة، وقد كانت منذ تأسيس مبناها الحالي منبرًا علميًّا تربويًّا ولم تخرج عن هذا الدور.
كنا نتوقع أن تهتز المشاعر الوطنية لتفقد حال هذه المؤسسة التعليمية وأحوال كوادرها من الأكاديميين والإداريين، وقاعاتها ومرافقها المختلفة وما تتطلبه من احتياجات وإمكانات ووسائل تعمل دعمًا لمسيرتها المعرفية وخدمة لأبنائنا ولما تقتضيه المصلحة العامة، أما أن يجري مصادرة مبانيها ورمي منتسبيها وطلابها وطالباتها وكل ما فيها للشارع، فذلك ما لم يكن يدور في حسبان أحد.
السجون وقصور الحكم وحتى الجوامع هي التي تحولت إلى جامعات وليس العكس، وشواهد ذلك كثيرة أقربها من محيطنا العربي في مصر تحول قصر (الزعفران) الخاص بالملك فاروق والكائن في العباسية بمبناه التاريخي وبطرازه الحضاري وبحديقته الغناء وجميع مرافقه، إلى حرم جامعة عين شمس، في حين مبنى القصر التحفة هو رئاسة الجامعة، وفي العراق تحول دار المعلمين العليا في الأعظمية إلى جامعة إسلامية هي جامعة صدام سابقًا والجامعة العراقية حاليًّا، والأمر نفسه في تحول جوامع إلى جامعات، ومنها الزيتونة في ليبيا، والقيروان في تونس.
للجامعات في كل العالم رمزيتها الثقافية والقومية، وبتلك الرمزية اكتسبت قداستها وحرمتها واصطلح على تسمية المكان الجامعي حرمًا جامعيًّا يضاهي حرمة الأمكنة المقدسة وما تقتضيه من احترام وإجلال لا يمكن خدش تلك الحرمة ولا المساس بها، فمتى عهدنا أن جامعات العالم قد فرطت بتلك الرمزية والقداسة، ولو في أشد مراحل الأمم سوداوية وتدميرًا؟!
لنا أن نتذكر مقولة شارل ديجول المشهورة وهو يرى بلده قد صار إلى كومة خراب، خلفتها رحى الحرب العالمية الثانية لسنوات، لم ييأس حينها وقد اطمأن لوجود أهم مرفق مؤسسي حيوي في بلده ما زال بأمان؛ هي الجامعات، قال ديجول ما معناه إن (فرنسا بخير ما دامت جامعاتها بخير)، ونحن مهما بلغ وضعنا الحالي من السوء والكارثية والتمزق والفناء ينتظرنا، وينتظر الأجيال من بعدنا مستقبل سلام وخير وتنمية وبناء- فنحن بخير ما دامت جامعاتنا بخير.
دعوا منابر النور ولا تطفِئوها لتجعلوا حياتنا ظلامًا مطبقًا ماحقًا، فذلك هو الوبال والخسران المبين، عوا هذا وأدركوه جيدًا؛ ستكون كرامتنا وحرية وطننا مصانة بصيانة جامعاتنا وتطويرها فهي نافذة النور وبوابة الأمل، وبدونها سيتحول كل شيء إلى ظلمة، وسنجد أنفسنا جميعًا في نهاية المطاف مجرد كائنات عمياء معاقة، بلا عينين للنظر ولا ساقين للعبور إلى المستقبل.
* أرسلت هذه المادة للمنصة قبل المستجدات الأخيرة في قضية الجامعة ومكتب التربية بذمار.وبسبب ضغط النشر تأخر نشرها في حينه فالمعذرة من القارئ والكاتب معا.
( خيوط)