التعليم في ذمار

جريمة مصادرة الحق بمجانيته وشيوعه
عبدالوهاب الحراسي
June 29, 2024

التعليم في ذمار

جريمة مصادرة الحق بمجانيته وشيوعه
عبدالوهاب الحراسي
June 29, 2024
الصورة لـ: شهدي الصوفي - خيوط

في ظل تعليم مدرسي وجامعي منهار تمامًا في ذمار، مثل بقية المحافظات، ترى في المدارس الحكومية ما يجعلك تعتقد أنّها مدارس أيتام بائسة مثل تلك التي ارتبطت بأذهاننا طويلًا! ويكفي أن مأساوية سير مثلث العملية التعليمية (الكتاب - المعلّم/ة - الطالب/ة) تُقرأ على النحو هذا:

- الكتاب أو المنهج المقرر، الذي عُبث بمحتواه لأسباب أيديولوجية وطائفية، غير متوفر منذ عقد، ولتوفيره يجب على ولي أمر الطالب أن يشتري نسخة مصورة رديئة ومصغرة من المنهج، فمطابع وزارة التربية مشغولة بطباعة الكتب للمدارس الخاصة، ولبيعها في السوق السوداء، وعلى الأرصفة، فقد أضحت مؤسسة طباعة الكتاب المدرسي ملكية خاصة تقريبًا لمتنفِّذي الوزارة، ويستخدمون كل إمكانياتها من أحبار وورق لطباعة الأعمال التجارية الخاصة، والكتب المدرسية تُباع للمدارس الخاصة، عوضًا عن توزيعها على المدارس الحكومية.

- المعلم المحروم من راتبه، منذ تسع سنوات، أمسى عمله حتى الساعة العاشرة. وعلى الجميع مغادرة المدرسة، فقد انتهى الدوام؛ لأنّ المعلمين يتحتم عليهم الانتشار في المدينة للبحث عمّا يسدّوا به رمق أطفالهم وأُسرهم، سواء في تأدية حصص في المدارس الخاصة والأهلية أو أي أعمال أخرى يستطيعون القيام بها أو توفرت أمامهم، لينتهي العام الدراسي، دومًا، دون أن يكتمل تدريس المنهج.

تفويز الخاص

من الأشياء الصورية في حالة التعليم بذمار أنّ مكتب التربية عقد مسابقةً سنوية، لتحصيل الطلبة، بين جميع المدارس في المدينة، وقام بتمويلها بواسطة فرض مبالغ على المدارس الخاصة، التي أضحت جميعها مشارِكة في المسابقات، وهي دون بقية المدارس الحكومية قادرة على الدفع؛ لأنّها تتحصّلها بطرق شتى من الطلاب المقتدرين المنتسبين إليها.

ولطالما كان موجّه المادة هو الحَكم والفيصل في تقرير الدرجة المستحقة، خلال المسابقات السنوية الماضية، ولا كلمة تعلو على كلمته، مع الاحتفاظ، في الوقت ذاته، بحق المتسابقين في الاحتجاج والتظلم، وفق آلية بيداغوجية معتمدة. لكن الموجِّه، هذا العام، تم إسكاته ومنعه من الكلام أثناء التسابق من قبل إداريي المكتب، من أجل تفويز فريق مدرسة خاصة دفعت أكثر المبالغ التي حُصّلت لتنظيم هذه المسابقة. 

نحن أمام طالب مُهمَل -قبل أن يكون مهمِلًا- لا يمكن إخضاعه لقياس تحقيق الأهداف التعليمية وتحصيله العلمي.

والحصيلةُ مئات بل آلاف الطلبة تجتاز اختبارات الثانوية، وتحصل، بالغش، على معدلات عالية.
إنّهم على بُعد خطوة من شراء الوهم ودفع مبالغ طائلة مدة سنوات، لبائع اسمه جامعة ذمار، يمنحهم أو تمنحهم شهادات بأنهم أساتذة وأطباء ومهندسون وصيادلة وبياطرة وقضاة و... إلخ.
وسنرى بعد سنوات أنّها شهادة كاذبة غير معترف بها عربيًّا ودوليًّا، وكم سيرتكب حاملوها من أخطاء مدمرة ومميتة، وكم هم فاسدون ومخربون، ويجب إعادة تأهيلهم. 

الشيء الوحيد الذي ما زالت جامعة ذمار تحرص على صحته ودقته وسلامته، هو اختبار القبول. وكلُّ ما بعد الاختبار هو فقر علمي حدّ الفاقة، وخدمات طلابية منعدمة، ووسائل صفرية، وفساد إداري ومالي مشرعَن، وكلُّ ذلك تعلوه مزايدة فجّة. 

وللكشف عن القليل من كل ذلك، سنتتبّع، باختزال شديد، طالبًا أو أكثر منذ اختبار قبوله إلى حين تخرجه باعتباره الضلع الثالث (كما في التعليم المدرسي)، والناجم عن الضلعين الأكاديميَّين: المدرس الأكاديمي، والمقرر الأكاديمي.

- سنرى طالبنا عبر ثلاثة خيارات (أنظمة دراسية)؛ أولها هي الأقل عددًا: النظام العام، الموازي، النفقة الخاصة. 

الجديد في استراتيجية التعليم بجامعة ذمار، هو البحث عن الطالب الزبون وتكريس خصخصة التعليم، والإمعان في إنكار الحق في مجانية التعليم، وفي هذا الاتجاه صادقَ مجلس الجامعة في 11 يونيو 2024، على إنشاء كلية الشريعة والقانون، وفي وقت قصير جدًّا تم تجهيز الكلية وجلب كل المتخصصين في الأدلة الجنائية والطب الشرعي، وبعدها تم الإعلان عن الافتتاح الرسمي في يوم 13 يونيو2024.

تغطية الجريمة

ولأنّ طالبنا حصل بالغش على معدل عالٍ، فقد تم منحه وزملاءه تخصصات تتناسب مع معدلاتهم شريطة دفع الثمن عن عام دراسي.

لقد سقطوا جميعًا في اختبار القبول، وما زالت معدلاتهم فاتحة للشهية.

إنّنا أمام استراتيجية توفير الطالب الزبون:

- الغش في اختبار الثانوية (فتح الشهية). 

- الصرامة في اختبار القبول الجامعي العام (الغربلة)، ويستفيد منها القلة الذكية، وأكثر منهم الأُسرُ النافذة وذوو الضحايا المرتبطون بسلطة الأمر الواقع. 

- التنازل قليلًا عن المعدلات و/أو التساهل في اختبار القبول، فيما يسمى بالكليات العليا ذات نظام الدفع المسبق لمن يملكون المال (الطلاب العملاء أو الزبائن). 

إنّها استراتيجية تغطّي على جريمة مصادرة الحق بمجانية التعليم، والمساواة في تكافؤ الفرص.
يواجه كلُّ الطلاب في جامعة ذمار -في الواقع، كل جامعات سلطة صنعاء- ما يلي:

أكاديميين وإداريِّين صغار السن لا عهد لهم بالجامعة وشؤونها، ولا يكترثون لضحالتهم العلمية وأخطائهم اللغوية (من السهل عليك الحصول على خطاب أو ورقة أسئلة مكتوب عليها "منذُ" بالواو "منذو"، أو "نحنو"). لقد تم توفير فرص التعليم الجامعي، في جامعة ذمار، فقط لاستدامة عيش يومها من دفعات طلابيةٍ فاقدة لثقتها بالمستقبل، ضائعة، تائهة، بلا غايات، ولا يعني لها الغد شيئًا؛ لأنّها تعرف جيدًا أنّ الغد سيكون ملكًا لمن يحتكرون الفرص من عائلات المال والنفوذ، وأنّ الوظيفة العامة لن تكون متاحة لها. 

استدراك:

الجديد في استراتيجية التعليم بجامعة ذمار، هو البحث عن الطالب الزبون وتكريس خصخصة التعليم، والإمعان في إنكار الحق في مجانية التعليم، وفي هذا الاتجاه صادَقَ مجلس الجامعة في 11 يونيو 2024، على إنشاء كلية الشريعة والقانون، وفي وقت قصير جدًّا تم تجهيز الكلية وجلب كل المتخصصين في الأدلة الجنائية والطب الشرعي، وبعدها تم الإعلان عن الافتتاح الرسمي في يوم 13 يونيو 2024.

هذا المنجز الخارق متاحٌ لانضمام الجميع من كل الأعمار، ولا يهم ما تحمله من مؤهل، والمعدل (50% و60%) فقط، نحن نقبل الجميع: علمي، أدبي، شرعي، تكميلي قرآن، دبلوم معلمين، حتى لو كان عمر ثانويتك أربعين عامًا، أنت مرحَّبٌ بك. المهم أن الجميع يدفع، أن يعلم الجميع أنّ ثمة نظامَين ماليين للقبول في هذه الكلية: نظام الموازي (80 ألف ريال)، نظام النفقة الخاصة (120 ألف ريال).

وقد أحست جامعة ذمار أن جحافل الزبائن/ الطلاب لن يكون كافيًا، فأعلنت عن فتح قسم جديد بالنظام الموازي، هو "قسم الإعلام" في كليةٍ لا تدرّ ربحًا هي "كلية الآداب"، وعلى الزبون/ الطالب أن يدفع 50.000 ريال، ما دام اجتاز الثانوية بنسبة 60%.

إنّها -باختصار- آلاف من الشرائح في المجتمع فقدت شعورها بالمواطنة؛ لأنّها رأت تمزيق بلادها وانهيار خدماتها، وكيف تم مصادرة دستور وطنها وتجاوُز كل قوانينه من فئات أصبحت سلطات أمر واقع، ازداد تجذّرها بسبب هشاشة المشروع المدني وحوامله من أحزابٍ سياسية وقوى مجتمع مدني لا تعرف ماذا تريد. سلطة أمر واقع يعترف بها العالم يومًا بعد يوم، وكأنّ هذا العالم لَأعمى وأصم، لا يرى ولا يسمع عن جناياتها على الأرض؛ مِن استبدادٍ سياسي، واحتكار للوظيفة العامة، ومصادرة الفضاء العام، والتضييق على العمل المدني، وليس بأخير تعظيم سلطة الجباية في حياة اليمنيين.

•••
عبدالوهاب الحراسي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English